كشف أوباما عن «معتقده» الحقيقي في محاوراته العديدة مع مجلة «أتلانتيك» وهو معتقد يخبر عن موقف غير مألوف من رئيس دولة عظمى لافتقاره إلى الدبلوماسية، كما أن هذا الموقف غير متوازن إطلاقاً ما بين حلفائه العرب وشركائه أو حلفائه الجدد، الإيرانيين.
الأخيرون هم من يمثلون الرأسمال السياسي له ولفترته الرئاسية، لأنه عقد معهم الاتفاق النووي، ولكن من قِصر النظر والسذاجة أن ننسب ميل الكفة الأوبامية إلى الإيرانيين على حساب من دعاهم الحلفاء السنة، لهذا السبب وحده وظرفيته. فمن المعلوم أن الاعتماد المحوري على إيران كسياسة أمريكية مخطط لها واستشرافية للمستقبل في المنطقة العربية، هو ذو جذور نظرية معروفة ترتبط بعالم السياسة الأمريكي من جامعة هارفارد، ستفين والت. هذه السياسة تقوم على مبدأ خلق التوازن الجيوسياسي في الصراع السني-الشيعي، مع الارتباط لاحقاً مع إيران كحليف رئيسي.
أنْ تغير أمريكا سياستها وتواجدها في المنطقة، وتعمل على إيجاد منظومة تحالفية مختلفة ليس هو الموضوع المركزي الذي يهمنا من الحوار الأوبامي وفلسفته، وأستاذيته الواضحة، فدول الخليج ربما أدركت إشارات التحول وتعمل على الاعتماد على قواها الذاتية ككتلة عربية واحدة في وجه التوسع الإيراني وتحدياته، ما يهم حقيقة في الحوار هو اللغة الأيديولوجية فيه. الصورة الذهنية التي حاول أوباما رسمها بشكل «أكاديمي» مملوء بالتفاصيل عما دعاه المحور السني، ونوع الإسلام المرتبط به (ما سماه الإسلام العربي)، هي صورة تدعو إلى القلق والتفكير المطول في مدلولاتها العميقة وتبعاتها السياسية.
من المستغرب فعلاً، التغافل عن خطورة حوار «أتلانتيك»، أو مجرد إبداء الغضب الآني إزاءه، حيث المطلوب هو طرح هذا المعتقد بأبعاده الإيديولوجية والثقافية قبل السياسية تحت الضوء، هذا مع خطورة الأخيرة، لكنها تترتب في النهاية على ما هو إيديولوجي وفكري. وكم ذهب من العرب ضحايا تعميمات ثقافية وأحكام جائرة كانت توطئة لسياسات غربية بعينها.
فما هو معتقد أوباما حين يتعلق بالعرب وبالإسلام؟ إنه ليس سوى مجموعة من التعميمات التي تعبّر عن أحكام تنطلق من وجهة نظر استشراقية، ظننا أن الغرب، أو على الأقل ساسته، قد تجاوزوها وتركوها عند حدود القرن التاسع، عشر وكتابات غلاة مستشرقيه. إنها حقيقة الوصاية الفكرية الاستعمارية على دين بحجم الإسلام، ومناطق ثقافية وحضارية بحجم اتساع العالم الإسلامي من المغرب وحتى إندونيسيا، ونادراً ما رأينا هذه الوصاية ومنطقها الخطر والمغلوط في خطاب زعيم غربي، وبالموقع الذي يحتله أوباما.
يتبنى باراك أوباما تفسيراً إنثروبولوجياً استشراقياً عن مجتمعات جنوب شرقي آسيا، وكيف تمارس تدينها في ضوء الحياة المعاصرة، فيقول إن تلك المجتمعات قد أصبحت تعتنق الصيغة «العربية أو المعرّبة» من الإسلام. إندونيسيا التي عاش فيها طفولته والتي كانت «متسامحة» ومنفتحة وفيها رؤى ووجوه متعددة للإسلام، كما يصفها، أصبحت في نظره، متشددة ويسود فيها الإسلام العربي، بحسب وصفه. فالإسلام «العربي» يعني التشدد بطبيعة الحال في لغة الخطاب الاستشراقي السياسي الجديد. وكذلك الحجاب أيضاً، وارتداء النساء له على نطاق واسع، اجتماعياً ووطنياً. حكم أوباما على إندونسيا كمجتمع كامل بالتشدد بسبب مثل انتشار الحجاب الذي لا يعني التشدد، وهذه حقيقة أولية يعرفها كل غربي له أدنى احتكاك بالعالم الإسلامي.
أما الإسلام، فهو دين للإنسانية كلها، وهو ليس ديناً عربياً، ولكنه مع ذلك لا ينفصل عن العربية، كلغة للقرآن، وفهم وتفسير له بأبعاد ممارساته في الواقع، كما يمثلها رسول الإسلام العربي المولد، صلى الله عليه و سلم. يتجاهل أوباما «المثقف» حقيقة عدم انفصال الإسلام في أي مكان وفي أي صيغة تاريخية أو محلية واجتماعية عما هو عربي، و يفرض نوعاً من الوصاية الفكرية التي ترى أن نوع الإسلام الصحيح أو المريح غربياً هو الإسلام المنفصل عن عربيته، بما تعنيه من أبعاد دينية تفسيرية وتاريخية.
ويمضي أوباما في قراءته لمشهد التدين في إندونيسيا بالخصوص، وفي العالم مبرراً «التشدد» بالمال العربي، وبالدول السنية التي تنشر رؤية معينة للإسلام، وليس هذا فحسب، بل تصل تعميماته ومغالطاته إلى درجة القول إن هذه الدول تعمل على إثارة وإشعال النعرات الطائفية والكراهية تجاه الفريق الآخر المختلف مذهبياً. ولكن، ماذا عن الحليف الجديد، إيران وأموالها وميليشياتها الطائفية، ونشرها التمزيق والكراهية المذهبية، وأكثر من ذلك سفكها دماء شعوب عربية عدة منذ وضع الاحتلال الأمريكي أقدامه في العراق وإلى اليوم؟
لا يقول أوباما شيئاً هنا، كما يفترض التوازن الذي دعا إليه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، بل إن معتقد أوباما يلتقي في أسسه مع الترويجات الإعلامية الإيرانية عن الدول العربية.
المعتقد الأوبامي هو موجة جديدة عاتية من التعميمات الثقافية الظالمة، وكم شهد الإسلام وشهدت مجتمعاتنا مثلها، وهنا فقط لا جديد.
الأخيرون هم من يمثلون الرأسمال السياسي له ولفترته الرئاسية، لأنه عقد معهم الاتفاق النووي، ولكن من قِصر النظر والسذاجة أن ننسب ميل الكفة الأوبامية إلى الإيرانيين على حساب من دعاهم الحلفاء السنة، لهذا السبب وحده وظرفيته. فمن المعلوم أن الاعتماد المحوري على إيران كسياسة أمريكية مخطط لها واستشرافية للمستقبل في المنطقة العربية، هو ذو جذور نظرية معروفة ترتبط بعالم السياسة الأمريكي من جامعة هارفارد، ستفين والت. هذه السياسة تقوم على مبدأ خلق التوازن الجيوسياسي في الصراع السني-الشيعي، مع الارتباط لاحقاً مع إيران كحليف رئيسي.
أنْ تغير أمريكا سياستها وتواجدها في المنطقة، وتعمل على إيجاد منظومة تحالفية مختلفة ليس هو الموضوع المركزي الذي يهمنا من الحوار الأوبامي وفلسفته، وأستاذيته الواضحة، فدول الخليج ربما أدركت إشارات التحول وتعمل على الاعتماد على قواها الذاتية ككتلة عربية واحدة في وجه التوسع الإيراني وتحدياته، ما يهم حقيقة في الحوار هو اللغة الأيديولوجية فيه. الصورة الذهنية التي حاول أوباما رسمها بشكل «أكاديمي» مملوء بالتفاصيل عما دعاه المحور السني، ونوع الإسلام المرتبط به (ما سماه الإسلام العربي)، هي صورة تدعو إلى القلق والتفكير المطول في مدلولاتها العميقة وتبعاتها السياسية.
من المستغرب فعلاً، التغافل عن خطورة حوار «أتلانتيك»، أو مجرد إبداء الغضب الآني إزاءه، حيث المطلوب هو طرح هذا المعتقد بأبعاده الإيديولوجية والثقافية قبل السياسية تحت الضوء، هذا مع خطورة الأخيرة، لكنها تترتب في النهاية على ما هو إيديولوجي وفكري. وكم ذهب من العرب ضحايا تعميمات ثقافية وأحكام جائرة كانت توطئة لسياسات غربية بعينها.
فما هو معتقد أوباما حين يتعلق بالعرب وبالإسلام؟ إنه ليس سوى مجموعة من التعميمات التي تعبّر عن أحكام تنطلق من وجهة نظر استشراقية، ظننا أن الغرب، أو على الأقل ساسته، قد تجاوزوها وتركوها عند حدود القرن التاسع، عشر وكتابات غلاة مستشرقيه. إنها حقيقة الوصاية الفكرية الاستعمارية على دين بحجم الإسلام، ومناطق ثقافية وحضارية بحجم اتساع العالم الإسلامي من المغرب وحتى إندونيسيا، ونادراً ما رأينا هذه الوصاية ومنطقها الخطر والمغلوط في خطاب زعيم غربي، وبالموقع الذي يحتله أوباما.
يتبنى باراك أوباما تفسيراً إنثروبولوجياً استشراقياً عن مجتمعات جنوب شرقي آسيا، وكيف تمارس تدينها في ضوء الحياة المعاصرة، فيقول إن تلك المجتمعات قد أصبحت تعتنق الصيغة «العربية أو المعرّبة» من الإسلام. إندونيسيا التي عاش فيها طفولته والتي كانت «متسامحة» ومنفتحة وفيها رؤى ووجوه متعددة للإسلام، كما يصفها، أصبحت في نظره، متشددة ويسود فيها الإسلام العربي، بحسب وصفه. فالإسلام «العربي» يعني التشدد بطبيعة الحال في لغة الخطاب الاستشراقي السياسي الجديد. وكذلك الحجاب أيضاً، وارتداء النساء له على نطاق واسع، اجتماعياً ووطنياً. حكم أوباما على إندونسيا كمجتمع كامل بالتشدد بسبب مثل انتشار الحجاب الذي لا يعني التشدد، وهذه حقيقة أولية يعرفها كل غربي له أدنى احتكاك بالعالم الإسلامي.
أما الإسلام، فهو دين للإنسانية كلها، وهو ليس ديناً عربياً، ولكنه مع ذلك لا ينفصل عن العربية، كلغة للقرآن، وفهم وتفسير له بأبعاد ممارساته في الواقع، كما يمثلها رسول الإسلام العربي المولد، صلى الله عليه و سلم. يتجاهل أوباما «المثقف» حقيقة عدم انفصال الإسلام في أي مكان وفي أي صيغة تاريخية أو محلية واجتماعية عما هو عربي، و يفرض نوعاً من الوصاية الفكرية التي ترى أن نوع الإسلام الصحيح أو المريح غربياً هو الإسلام المنفصل عن عربيته، بما تعنيه من أبعاد دينية تفسيرية وتاريخية.
ويمضي أوباما في قراءته لمشهد التدين في إندونيسيا بالخصوص، وفي العالم مبرراً «التشدد» بالمال العربي، وبالدول السنية التي تنشر رؤية معينة للإسلام، وليس هذا فحسب، بل تصل تعميماته ومغالطاته إلى درجة القول إن هذه الدول تعمل على إثارة وإشعال النعرات الطائفية والكراهية تجاه الفريق الآخر المختلف مذهبياً. ولكن، ماذا عن الحليف الجديد، إيران وأموالها وميليشياتها الطائفية، ونشرها التمزيق والكراهية المذهبية، وأكثر من ذلك سفكها دماء شعوب عربية عدة منذ وضع الاحتلال الأمريكي أقدامه في العراق وإلى اليوم؟
لا يقول أوباما شيئاً هنا، كما يفترض التوازن الذي دعا إليه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، بل إن معتقد أوباما يلتقي في أسسه مع الترويجات الإعلامية الإيرانية عن الدول العربية.
المعتقد الأوبامي هو موجة جديدة عاتية من التعميمات الثقافية الظالمة، وكم شهد الإسلام وشهدت مجتمعاتنا مثلها، وهنا فقط لا جديد.
أمينة أبو شهاب
صحيفة الخليج