ما يزال الخلاف الناشئ بين الأمم المتحدة، ممثلة بأمينها العام بان كي مون، والمملكة المغربية، يتصاعد فصولاً بحيث انحدر إلى طابع شخصيّ ساهم في استفزاز الرباط ابتداء من محاولة الأمين العام للأمم المتحدة فرض أجندة زيارته على الملك المغربي، من خلال التوقيت والقضايا التي سيتمّ بحثها، ومن ثم زيارته لمخيمات اللاجئين في تندوف في الجزائر ولقاءاته مع قادة جبهة «البوليساريو»، التي تخوض صراعا مسلحا ضد المملكة، والتي اعتبرت انحيازا واضحاً باتجاه الطرف المعادي للمغرب، في اختلاف جليّ عن موقف الأمم المتحدة الرسمي حول النزاع، مروراً برفع علم «البوليساريو»، على مقرات الأمم المتحدة الموجودة في الصحراء الغربية، وليس انتهاء بوصف المغرب بـ«المحتلّ» للصحراء الغربية.
ولعلّ ما جعل الأمر أكثر إيلاماً وإثارة لغضب المغرب أن تصعيد بان كي مون قد تزامن مع خلاف حادّ مع الاتحاد الأوروبي بعد وقف استيراده المنتجات الزراعية والبحرية من المملكة، مما أدّى إلى قطع الرباط كافة الاتصالات مع بروكسل في 25 شباط/فبراير الماضي.
الحقيقة أن الأمين العام للأمم المتحدة يخطو في مستنقع تاريخيّ للرمال فقضية الصحراء المغربية يمكن العودة فيها إلى أيام احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 الذي ما لبث أن توسّع كثيراً ليضم مناطق مغربية في الجنوب (بلاد الجريد) كانت تربط المغرب بالأراضي الليبية، واستمرّ توسع «الجزائر الفرنسية» تلك على حساب الصحراء الشرقية المغربية وغرب تونس وليبيا وشمال النيجر ومالي، وتقاسمت فرنسا الصحراء المغربية مع اسبانيا قبل أن تنسحب عن شقّها المحتل عام 1962 بينما بقيت اسبانيا تحتل الجزء الخاص بها حتى عام 1975 حين استردّ المغرب تلك الأراضي عبر ما سميّ بـ«المسيرة الخضراء».
القضية الصحراوية، بهذا المعنى هي إرث الاحتلالين الاسباني والفرنسي اللذين غيّرا تركيبة المنطقة (كما فعل الاحتلالان البريطاني والفرنسي في منطقة المشرق)، ولكنّها أيضاً، مجالُ للصراعات السياسية الإقليمية الناشئة، بين منظومتي المغرب الملكيّ، والجزائر الجمهوريّة، وكذلك للصراع بين أقطاب عالميين.
لا يخفى هنا أن حالة الاستقطاب الدولية والإقليمية الراهنة، بين أمريكا وروسيا الدائرة معاركها من اليمن إلى سوريا، هي في صلب أسباب تصعيد التوتّر في موضوع الصحراء الغربية، فالمغرب، ينحاز، إلى معسكر سياسي يضمّ دول الخليج العربي والأردن، فيما لا تنفكّ الجزائر عن التشويش، ما استطاعت، على هذا المعسكر، فيما يخص قضايا إيران وسوريا والعراق و«حزب الله» واليمن، ويتمّ ذلك بالتزامن طبعاً مع الاندفاعة الروسيّة الكبيرة في المشرق العربي، التي تجسّدت في تدخّل موسكو العسكري الكبير في سوريا.
زيارة ملك المغرب الأخيرة إلى روسيا، هي نقلة دبلوماسية فاعلة لرد الهجوم المركّز ضد الرباط وحلفها العربيّ.
وإذا نظرنا إلى التوتّر بين المنظمة الأممية والمغرب ضمن هذا السياق العالمي والإقليمي فلن يصعب علينا أن نفهم الاتجاه الذي ستتجه إليه، فبعد التهدئة الحدودية بين السعودية والحوثيين، وتقدّم قوات المقاومة والجيش اليمنيّ، وإعلان انسحاب القوات الروسية من سوريا، وبدء مفاوضات جنيف 3 بين المعارضة والنظام السوريين، نتوقع للتوتّر غير المسبوق بين الأمم المتحدة (والذي كان يعكس جوّ الاندفاعة الروسيّة والتواطؤ الأوروبي معها ضد المغرب) أن ينحسر… إلى حين.
يبقى القول، بعد كل ذلك، إن الطابع الشخصيّ الحادّ الذي اتخذه بان كي مون ضد المغرب، رغم كل الشرح السابق، صعب التفسير.
نقلا عن القدس العربي