إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر قوة مهمة ومؤثرة. كما أنها شريكة قريبة لتركيا. ولهذه الأسباب تعتبر زيارات القادة الأتراك لأمريكا مهمة على جميع المعايير. لقد أصبحت جارة لنا في السنوات الأخيرة فهي تلعب دورا فعليا ورئيسيا في ساحة الشرق الأوسط. وبالتالي فإن سياساتها في هذا المجال وخطواتها وموقفها الذي أخذته والذي ستأخذه في القضية الكردية، جميعها تؤثر على تركيا عن قرب وتهمّها.
عوامل التوتر في العلاقات
من هذا المنطلق تعتبر العلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية حساسة وخطرة. ففي الواقع إن العلاقات بين الدولتين تمر بمرحلة حرجة رغم استمرار الشراكة والتعاون العسكري ورغم كون كلا الدولتين لا غنى عنهما بالنسبة لبعض.
من المفيد أن نضع جانبا وجهة نظر الذين يؤمنون أن هناك حربا عالمية لإسقاط أردوغان والذين يفسّرون الأحداث الجارية على أساس نظرية المؤامرة. فتمنياتهم وأحلامهم بالوصول إلى تركيا خالية من أردوغان وحزب العدالة والتنمية لا تصل إلى سقف السياسة التي يَعدون بها بأي شكل من الأشكال.
وهذا يشبه الكثير من التوترات التي حدثت في دول الغرب
وهناك عاملان رئيسيان يقفان خلف هذا التوتر:
اختلاف المصالح، واختلاف القيَم..
إن اختلاف نظرة تركيا والولايات المتحدة للشرق الأوسط واختلاف مصالحهم بل وصراعهم لأجله بين الحين والآخر يعتبر أهم عامل حساس يغذّي التوتر الحاصل بين الدولتين.
ففي المرحلة الثانية من الربيع العربي كان موقف تركيا من الانقلاب العسكري في مصر ودعمها للإخوان المسلمين وسياستها في دعم حماس من العوامل التي وضعت البلدين في قطب مختلف وابتدأت مرحلة حساسة جديدة.
واليوم تعيش كلا الدولتين مشكلة في الهلال الكردي في سوريا والمنطقة الآمنة وفي موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي تحديدا. فرفض الولايات المتحدة السريع لاقتراح المنطقة الآمنة ودعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي في الحرب مع داعش واعتباره شريكا لها كان يخالف آمال وسياسة تركيا.
اختلاف القيم التركية
فإن اختلاف أنظمة القيَم في العلاقات بين تركيا والغرب وخاصة أمريكا لا يقل أهمية عن عامل اختلاف مصالحهم. وبالتالي فإن انعكاس زيارة أردوغان للولايات المتحدة إلى الخارج كان يعطي رؤوس أقلام واضحة عن هذا الصراع.
فيمكننا أن نعتبر نقد أوباما لحرية الصحافة في تركيا وفتحه لموضوع الحريات فيها أثناء اللقاء وطريقة انعكاس تصريحاته هذه على الإعلام الغربي وتصريحات رئيس الجمهورية في الطائرة يمكن أن نعتبرها جميعها دلائل على هذا الوضع.
هنالك فرق واضح في آراء أوباما وأردوغان حول الديمقراطية ونظام القضاء وحرية الصحافة والتعبير وحدود استخدام هؤلاء. (وهذا يشبه السبب الرئيسي للتوتر في السياسة الداخلية التركية اليوم).
وكلا القائدين يصرّح بهذا الفرق بشكل علني. وكل موقف سياسي يُعاش في تركيا اليوم يزيد من هذا الفرق.
عداء تركيّ للغرب
إلا أن هذا التوتر لا ينبع من النقد الذي توجّهه الولايات المتحدة أو أوباما لأردوغان أو تركيا أو من السياسة الداخلية التركية وحسب. فالنقد الذي يوجّهه أردوغان أيضا للغرب يشكّل الساق الأخرى لهذا التوتر أو لاختلاف القيَم هذا.
هذه الانتقادات وصلت إلى ذروة الوضوح في المرحلة الثانية من الربيع العربي. فقد تأكّد للغرب والولايات المتحدة بعده، أن موقف تركيا مخالف لهم تماما. وفي هذه الفترة أخذ أردوغان موضع المخالف للغرب وممثّل الحضارة المعادية لهم موجّها لسانه السياسي ضد الغرب ليس في سياسته فقط بل في نظام قيمه أيضا. فاتخذ موقفا معاديا لنفس القيم التي كان يعتبرها إيجابية في المرحلة الأولى من الربيع العربي.
قبل قليل قلنا إن السبب الرئيسي للتوتر في السياسة الداخلية التركية هو اختلاف في القيم أيضا.
نستطيع فهم هذا المعادلة من خلال المواجهة التقليدية بين الشرق والغرب. إلا أن تدهور العلاقات بين تركيا والغرب قد ينبّأ بتسارع وتفاقم الأزمة.
إذن فالمشكلة الحالية هي أن ننتظر المزيد من الصراع والتدهور في العلاقات وليس أن تسير الأمور بشكل طبيعي.
علي بيرام أوغلو
تركيا بوست