رغم إعلان إيران عن مقتل ضابط رفيع في الحرس الثوري الإيراني بـالعراق الأسبوع الماضي والذي يعتبر اعترافا بوجود عسكري إيراني في البلاد فإن حقيقة وجود قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني من عدمه لا تزال تشغل كثيرا من القوى في العراق والمنطقة.
وتكمن أهمية إثبات وجود سليماني في العراق بمحورين: الأول رمزي، والثاني ميداني في ظل اشتداد القتال بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في يونيو/حزيران الماضي ومن ثم أجزاء واسعة من شمال ووسط البلاد.
يرمز وجود ضابط إيراني بمستوى سليماني إلى مدى التحالف الإستراتيجي والمصيري بين إيران التي تعتبر أكبر دولة إسلامية تتبع المذهب الشيعي وبين الحكومة العراقية التي تسيطر عليها أحزاب شيعية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
ومن ناحية أخرى، الأمر مرتبط بما يجري على الأرض، حيث إن وجود سليماني يعني أن الدعم الإيراني المادي والعسكري يتعدى حدود الإعانة والمساعدة ليصل إلى الانخراط الكامل في المعركة.
جبهات القتال
وفي الفترة الأخيرة نشرت العديد من الصور ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر سليماني إلى جانب رئيس منظمة بدر هادي العامري وكتائب حزب الله وأبو مهدي المهندس في جبهات القتال التي تشهدها بعض مناطق العراق.
غير أن كل تلك الأخبار والتسريبات الصورية لم تحسم الجدل في حقيقة وجود سليماني بالعراق، ولم يصدر تأكيد رسمي إيراني في هذا الخصوص.
يذكر أن العامري والمهندس من قادة منظمة بدر التي أنشئت في إيران في ثمانينيات القرن ضمن جهد إيران لإسقاط حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والمهندس نفسه متهم بعدة عمليات اعتبرت إرهابية، وهو مطلوب من الولايات المتحدة.
ومن الفصائل التي تقاتل تنظيم الدولة الحشد الشعبي، وهي مليشيات يقودها المهندس وتشكلت على أساس فتوى أطلقها المرجع الشيعي علي السيستاني بعد سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة وأفتى فيها بوجوب “الجهاد الكفائي” بوجه تمدد التنظيم.
وقد حاورت الجزيرة أحد مقاتلي الحشد الشعبي ويدعى أبو محمد، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأسباب وصفها بـ”أمنية”.
إدارة المعارك
يقول أبو محمد إنه كشاهد عيان بإمكانه أن يؤكد وجود سليماني في العراق بالعديد من المناطق، وإن وجوده “كان له دور بارز في إدارة المعارك، حيث التقيته أثناء معركة تحرير جرف الصخر في محافظة بابل”.
ويثني أبو محمد على كفاءة سليماني ويؤكد أنه “شارك في جميع المعارك التي لعب الحشد الشعبي دورا بارزا فيها”.
وعلى الصعيد السياسي، فإن أبو محمد يرجع الفضل في استمرار المشهد السياسي بالعراق على ما هو عليه في السنين العشر الأخيرة إلى دعم إيران.
وفي هذا السياق، يقول إن “إيران صاحبة فضل في إبقاء النظام السياسي الحالي لأنها قامت بدعم العديد من السرايا القتالية”.
وعلى الصعيدين الرسمي وشبه الرسمي، فإن الحديث عن تواجد عسكري إيراني لم يعد خطا أحمر كما كان في السابق، إلا أن الحديث عن ذلك التواجد لا يزال يتم بكثير من الحذر والغموض.
ثلاث طائرات يوميا
وفي ظهوره النادر لم يتطرق المهندس لوجود قاسم سليماني في العراق بالمؤتمر الصحفي الذي عقده الأسبوع الماضي ببغداد، واكتفى بالقول إن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقفت إلى جانب العراق منذ تقدم تنظيم داعش، وقامت بمساندته بالسلاح”، وأكد أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترسل يوميا ثلاث طائرات محملة بالسلاح”.
ويعتبر الوجود الإيراني في العراق موضوعا حساسا لكثير من العراقيين خاصة والعرب بشكل عام، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والدينية.
وقد انتقد عضو اتحاد القوى العراقية -المؤلف من قوى سياسية مختلفة- وليد المحمدي التدخل الإيراني في العراق، ووصفه بأنه “مرفوض” ودعا إلى مقاومته، وأن يكون “تحرير الأراضي العراقية من المجاميع الإرهابية عن طريق العراقيين”.
وأضاف المحمدي أن “وجود سليماني على الأراضي العراقية ليس خافيا على أحد بل الجميع يعلمون به حتى المجتمع الدولي، وهو تدخل واضح في الشأن العراقي”.
ودعا المتحدث المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات رادعة على إيران من أجل سحب أيديها من العراق لأن تصرفاتها تقلق الشعب العراقي والمجتمع الدولي.
ويؤكد المحمدي ما ذهب إليه مقاتل الحشد الشعبي أبو محمد بشأن وجود سليماني في العراق، وأكد أن “سليماني يقود المليشيات الشيعية أو ما تسمى سرايا الحشد الشعبي”.
ووصف مليشيات الحشد الشعبي بأنها “تنفذ الأوامر الإيرانية من اغتيالات وتهجير” بحق العراقيين في مناطق معينة.
يذكر أن عددا غير محدود من المستشارين والمقاتلين الإيرانيين يقومون بالقتال في العراق وتحديدا في مواقع تضم مقدسات شيعية.
تدخلات إيرانية
ويرى المحمدي أن “بقاء التدخلات الإيرانية في العراق سيؤدي إلى خلق فتنة طائفية، مطالبا الحكومة العراقية بتفويت الفرصة ومنع وجود سليماني داخل البلاد”.
وقد أرسلت إيران تعزيزات للمساعدة على صد تقدم مسلحي تنظيم الدولة نحو بغداد هذا العام تلبية لطلب من الحكومة العراقية وزعماء شيعة.
وقال الخبير الأمني هشام الهاشمي في حديثه للجزيرة نت إن مشاركة قاسم سليماني تقتصر على إدارة المعارك والمشاركة الفعالة في هيئة الأركان، وإن أبرز المعارك التي خاضها ضد تنظيم الدولة كانت في طوزخرماتو وآمرلي وتحرير طريق بلد سامراء والسعدية ومنطقة العظيم وجرف الصخر جنوب بغداد.
وأضاف أن الحكومة العراقية كانت محرجة في السابق بعدم الإعلان عن وجود دعم إيراني من خلال تواجد قاسم سليماني، لكن اليوم أصبح الأمر معلنا بعد أن صرحت الصحف الإيرانية بذلك، في إشارة إلى إعلان إيران عن مقتل الجنرال الإيراني حامد تقوي برصاص قناصة عندما كان في درس تدريبي لمليشيات الحشد الشعبي في سامراء شمال بغداد الأسبوع الماضي.
علاء يوسف
نقلا عن الجزيرة
http://goo.gl/9Zg2Gj