عرفت الثورة السورية خلال الأعوام الماضية مواقف شتى يتم تصديرها باسم الطائفة العلوية، يأتي معظمها من تسريبات تتعلق بتنصل الطائفة من النظام، وكان آخرها ما قالت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إنها وثيقة سرية سربها زعماء من الطائفة يهددون فيها بالتخلي عن نظام بشار الأسد.
انتشرت الوثيقة في الأوساط الإعلامية والسياسية والبحثية، وذهب البعض إلى افتراض وجود تصدع في بنية النظام الاجتماعية والأمنية والعسكرية، حيث تشكل الطائفة بمجموعها الكيان الحاضن له.
أما المعارض عارف دليلة -وهو من الطائفة العلوية وكان قد اعتُقل قبل الثورة لمطالبته بالإصلاح- فقلل من أهمية الوثيقة في معرض نفيه وجود زعماء دينيين ذوي ثقل جماهري في أوساط الطائفة.
لكن دليلة أكد وجود أرضية لتيار علوي سياسي وديني واجتماعي مُعارض للنظام، وخصوصا من عشائر علوية عريقة عانت الفقر والتهميش في ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلا أنه أردف قائلا إن هذا التيار “يفتقد للأدوات التي تساعد على ظهوره”.
غياب التأثير
ورصدت الجزيرة نت -منذ نشر الوثيقة في بداية هذا الشهر- تداعيات ظهور الوثيقة في الشارع العلوي، عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ومصادر محلية في ثلاثة تجمعات بشرية كبرى للعلويين في سوريا، ولم تُظهر النتائج أي انتشار يذكر للوثيقة.
ورجحت مصادر مقربة من مجتمع الطائفة -للجزيرة نت- أن الوثيقة صحيحة، وأن كاتبها رجل دين علوي، لأنها كشفت تفاصيل عن العقيدة العلوية لم يكن يُصرح بها من قبل. لكن المصادر استدركت بأن فقدان الوثيقة لأي أهمية تذكر يأتي في ظل انعدام أي تأثير حالي للمشيخة العلوية على الطائفة، وحتى التأثير المحلي يتراوح من منطقة لأخرى، كما يتبع معظم رجال الدين للأجهزة الأمنية.
وبناء عليه، قالت المصادر إن الوثيقة يجري تداولها في نطاق ضيق وغير فعال، نظرا إلى غياب كتلة وازنة تعبر عن العلويين في الداخل، ولهيمنة مشهد من التماهي بين الشارع العلوي وموقف النظام، وخصوصا بعد مقتل مئات الآلاف من أبناء الطائفة خلال المعارك.
تحطيم المشيخة
وهذا ما أيده الصحفي والباحث إبراهيم الجبين، حيث قال للجزيرة نت إن النظام حطم البنية الدينية للطائفة وأهان علماءها، ومنع انتقال الزعامات الروحية بالوراثة أو التلقي.
وتابع الجبين “يظلم الناس العلويين مرتين، مرة حين ينظرون إليهم كطائفة موحدة مثل بقية الأقليات الدينية، ومرة ثانية حين يطلبون منهم الانخراط في الثورة أو يطالبون بمحاسبتهم بشكل جماعي”.
ورأى الجبين أن نظام الأسد تفطن لخطورة الطائفة عليه كمجتمع حاضن ومصدر لرجاله الأشداء، فأباد قادتهم في الحزب، ثم نكّل ببعض الأسر العلوية مثل آل الكنج. بينما انزوى بعضهم مختارا الصمت على المواجهة مثل عائلة الخيّر، مع أن بعضهم برز في المعارضة كالدكتور عبد العزيز الخير.
واستنتج الصحفي السوري أن النظام اختطف “ما بقي” من الطائفة العلوية، وأن الأسد نجح خلال السنوات الخمس الماضية في تفكيك العلويين والزج بهم في مواجهة مع الشعب السوري، كي يتخذ منهم درعا يتلقى عنه اللوم والانتقادات والغضب.
رأفت الرفاعي
الجزيرة نت