جنيف وتبدّد الآمال

جنيف وتبدّد الآمال

160202221242_syria_640x360_afp_nocredit

لم تصل الوفود السورية دفعةً واحدةً إلى مطار جنيف. القسم الأهم من المعارضة كان في المدينة السويسرية قبل بداية الأسبوع بيومين، بينما فشلت محاولات جادة لإرسال وفدٍ يمثل معارضة الداخل، بعد خلافات عمودية بين أفراده.
يوم الجمعة، الخامس عشر من إبريل/ نيسان الجاري، حطّت على مدرج مطار جنيف طائرة تقل بشار الجعفري ومجموعة من زملائه، سوف يمثلون وفد النظام في المحادثات الجارية. نشر القادمون صوراً مبتذلة لاحتفال رئيس الوفد بعيد ميلاده على متن الطائرة نفسها التي تحملهم إلى مقرٍّ معني بحقن دماء السوريين. بعيداً عن لقطات قالب الكيك الموشّى بالفريز، أصرّ الوفد في توقيت وصوله على بضع تفاصيل بروتوكولية كالمجيء “متأخراً”، برّره الأعضاء بانشغالهم بالانتخابات البرلمانية الجارية في محافظاتٍ سورية. ببساطةٍ كهذه، يختصر النظام على نفسه سلسلة من الشروحات، ويعطي فكرة مسبقة للوفود الدولية عمّا تحمله الرسالة الأسدية للمجتمعين في جنيف.
قَبِل وفد المعارضة السورية، على مضض، بتقاسم قاعات فنادق جنيف مع وفد النظام تحت أوهام تحقيق السلام في سورية. وبرز، بعد الأيام الأولى، الخلاف الحاد على شكل الحكومة المزمع تشكيلها. وجاء خطاب المتحدث باسم قوى الثورة والمعارضة السورية، أسعد الزعبي، تقليدياً. لم يأتِ فيه على ذكر ما تزخر به الصحافة العالمية، هذه الأيام، عن شركات مسجلة في الـ “أوف شور”، حيث ورطة عائلة الأسد كبيرة. ولم يورد شيئاً عن قضية ساخنة يجري الحديث عنها، تتعلق بملف هائل من الأوراق الموثقة التي سربت إلى خارج سورية، بمساعدة سفراء أجانب، تثبت جرائم قام بها رجالات الأسد بأوامر مباشرة منه، يُفترض أن تودي برأس النظام مع مجموعة مساعديه إلى كوريدورات المحاكم الدولية. لكنه، بدل ذلك، أصر على كشف دعم دول إقليمية ودولية تعزيز دور بشار الأسد في المفاوضات. كان هدف الزعبي من هذا الاختزال تجاوز الماراثونات الجدلية، والتركيز على خطط عملية ستنقل سورية إلى الديمقراطية والأمان.

أُفرِد، في صباح يوم الجمعة، مؤتمرٌ جانبيٌّ للمعارضة، أسهب فيه الرائد حسن إبراهيم (أحد أعضاء الوفد) في تقديم براهين تؤكد، بالاسم والمكان والزمان، الصلات التي تربط نظام الأسد بداعش، الأمر الذي سبقه إليه وزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، عدة مرات في غير مناسبة، لكن الناطق المعارض وجد من المناسب أن يذكّر العالم بذلك، وفق طريقته الخاصة في العرض، ولم ينسَ قبل الختام الإشارة إلى وثائق لديه وعَد أن يقدمها عن خروق النظام الهدنة.
في اليوم نفسه، رمى بشار الجعفري بورقة جديدة تحتوي تعديلاتٍ اقترحها نظام الأسد على خطة المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، وحدّد لهم مهلة يومين لتدارسها. تتضمن الورقة اقتراحات تنزع عن خطة جنيف كل الأهمية المرتجاة، لا انتقال للسلطة، ولا إزاحة لكرسي الأسد، فقط إضافة بضعة معارضين ليشغلوا بعض الأماكن غير الحسّاسة في السلطة.
ينتقد بيان حركة أحرار الشام الذي أصدرته مساء السبت عمل المؤتمر، وتحركات دي ميستورا، وحتى أداء لجنة التفاوض المعارضة، وتخبطاتها، ويقول البيان إن “الحل سياسي وعسكري”، وإنهم سيستمرون في تحقيق أهداف ثورة الحرية حتى اقتلاع النظام. ويوسع الائتلاف السوري هامش تهديداته، فيقول بإمكانية تعليق مشاركته في المفاوضات.
بعد أن نجح نظام الأسد، إلى حد بعيد، بالقضاء على نقاء فكرة الثورة وطهرانيتها في المداولات الغربية والعالمية. يحاول الآن، من خلال وفده في جنيف، أن يظهر قوياً واثقاً بمكانته على الأرض، وبصلابة تحالفاته. وهو يستفيد من مرحلةٍ زمنيةٍ لا يبدو أن غاية المجتمع الدولي الفعلية في أثنائها إنهاء القتال في سورية، والبدء بحل سياسي حقيقيّ كما يُشاع، فتصريحات مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية التي سبقت عقد جنيف تقول إن للدول الراعية هماً وحيداً في سورية، هو المحافظة على عنوان عريض، يحمل اسم “حالة الهدنة”، وإنْ بخروقاتٍ يستطيع دي ميستورا أن يصنفها في خانة “مقبولة”.

فاطمة ياسين

صحيفة العربي الجديد