هل بددت قمة الخليج – أوباما الشكوك تجاه واشنطن؟

هل بددت قمة الخليج – أوباما الشكوك تجاه واشنطن؟

349

مقدمة
استضافت العاصمة السعودية، الرياض، في 21 نيسان/ أبريل 2016، القمة الخليجية – الأميركية الثانية التي جاءت بعد مرور نحو عامٍ على القمة الأولى التي عُقدت في منتجع كامب ديفيد. وعلى الرغم من أنّ عنوان قمة الرياض كان تأكيد “الشراكة الإستراتيجية” بين الجانبين، فإنّ توترًا واضحًا بدا في خلفية المشهد بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية، سببه الرئيس اعتقاد أغلب دول المجلس أنّ إدارة الرئيس أوباما تغضّ الطرف عن سياسات إيران وتدخلاتها في المنطقة من أجل إنجاح الاتفاق النووي معها. كما لا تُخفي بعض الدول الخليجية استياءها من مقاربة الإدارة الأميركية للصراع الدائر في سورية واليمن والعراق، وترى أنّ إدارة أوباما في مقابل تركيزها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، و”القاعدة”، وغيرهما من التنظيمات الجهادية، لا تأبه للتمدد الإيراني في تلك الدول، ولدعم إيران تيارات ومليشيات طائفيةً لا تقلّ ممارساتها سوءًا عن تنظيم الدولة نفسه. وترى دول خليجية، وفي صدارتها كلّ من السعودية وقطر، أنّ حلّ الصراع في سورية لا يمكن أن يتمّ من دون رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، عن السلطة في حين يظل الموقف الأميركي في هذا الشأن غامضًا في أحسن الأحوال.

بدأ اختلاف الأولويات، بل تناقضها تجاه القضايا الإقليمية، يُثير تساؤلات حول الحكمة في استمرار اعتماد دول الخليج العربية أمنيًا وعسكريًا على التحالف مع الولايات المتحدة، خصوصًا بعد المواقف الأخيرة التي عبّر عنها أوباما تجاه السعودية ودول الخليج الأخرى في التقرير الذي نشرته مجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية، في منتصف شهر آذار/ مارس الماضي؛ إذ وصفها بـ “المنتفعين بالمجّان”، واتهمها بنشر “التطرف الإسلامي”. أمّا في ما يتعلق بإيران، فلا يُخفي أوباما مساعيه لإدماجها في المعادلة الأمنية للإقليم؛ إذ طالب السعوديين والإيرانيين بأن يجدوا طريقةً فعالةً “كي يتشاركوا المنطقة ويصلوا إلى نوع من السلام البارد” بينهما. بل إنّ أوباما ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال: “إنّ المقاربة التي تقول لأصدقائنا: أنتم على حقّ، إيران هي مصدر كلّ المشكلات، وإنّنا سندعمكم في التعامل معها، سيعني جوهريًا أنّ هذه الصراعات الطائفية ستستمر بالتأجج؛ وليس لحلفائنا الخليجيين، أصدقائنا التقليديين، القدرة على إطفاء النيران بأنفسهم، كما أنه ليست لديهم القدرة الكافية لحسم المعركة على نحوٍ حاسم وحدهم، وهذا يعني أنه يجب علينا الذهاب واستخدام قوتنا العسكرية لحسمها لمصلحتهم. وهذا لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة ولا في مصلحة الشرق الأوسط”.

تجاه اهتزاز الثقة بالتحالف مع الولايات المتحدة، أخذت دول الخليج العربية تتلمس طريقها نحو خيارات العمل بمفردها، وذلك للدفاع عن مصالحها. ففي آذار/ مارس 2015، بادرت السعودية إلى تشكيل تحالف عربي وقيادته؛ لمنع مليشيات الحوثيين من السيطرة على اليمن، ثمّ أتبعته بإعلان تحالف عسكري إسلامي ضدّ “الإرهاب”، أواخر العام الماضي، وإن كان ثمّة من يرى أنّ هدفه الأساسي هو ردْع إيران أكثر من محاربة “داعش”.

اختلاف المقاربات

ترى إدارة أوباما أنّ الجهد في المنطقة ينبغي أن ينصب على محاربة الإرهاب، وتحديدًا

“داعش”، وبهذا تصبح إيران بالنسبة إليها جزءًا من الحل، بدلًا من أن تكون جزءًا من المشكلة. وبحسب روبرت مالي، مستشار أوباما لشؤون الشرق الأوسط، فإنّ التنافس بين إيران والسعودية يُغذّي “الفوضى والمذهبية وعدم الاستقرار في المنطقة، وكلّها تفيد تنظيم الدولة الإسلامية.” ويرى أيضًا أنّ الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن ضدّ الحوثيين الذين ترى فيهم وكيلًا إيرانيًا، صرفت الأنظار عن الحرب على التطرف. أمّا بنجامين رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، فيرى أنّ القمة الأميركية – الخليجية جاءت في “لحظة مهمّة”، بالنظر إلى أنّ الهدنتين الهشّتين في سورية واليمن توفران غطاءً للدول الخليجية لإعادة تركيز انتباهها في التهديد الإرهابي في المنطقة والجهد الديبلوماسي لتحقيق انتقال سياسي في سورية.

في المقابل، تشاطر الدول الخليجية واشنطن موقفها بشأن خطر “الإرهاب” وضرورة التصدي له، غير أنّ أغلبها يرى أنّ التمدد الإيراني في المنطقة ودعم إيران للأسد وجماعات كـ “حزب الله” اللبناني، والمليشيات الطائفية في العراق، والحوثيين في اليمن، يُمثّل التهديد الأكبر للاستقرار في الشرق الأوسط. كما ترى أنّ توجهات أمثال روبرت مالي تشجع إيران على الاستمرار على نهجها، ومن ثمّ تؤجج الصراع الطائفي. وعلى هذا الأساس، فإنّ هذه الدول، وتحديدًا السعودية، تحتفظ بحقها في التحرك في حال شعورها بتهديد إيراني لأمنها ومصلحتها في المنطقة.

مقررات القمة
عكست لغة البيان الختامي للقمة التوازنات الدقيقة التي حاول الطرفان، الأميركي والخليجي، من خلالها إظهار أنّ “الشراكة الإستراتيجية” بينهما لم تتأثر بفعل التناقضات في المواقف في السنوات الأخيرة، غير أنّ الواقع يقول غير كذلك. فالموقف الأميركي لم يتغير في هذا اللقاء، والموقف الخليجي لم يتغير أيضًا. لقد اكتفى أوباما بإرضاء الخليجيين ببعض العبارات النقدية الموجهة إلى إيران، وهي عبارات لا يترتب عليها أيّ تغيير سياسي. وفي ما يلي أهمّ التفاهمات التي تمّ التوصل إليها خلال القمة.

(1) إيران
بحسب البيان الختامي، فإنّ الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي أكّدا “تأييدهما للخطة الشاملة للعمل المشترك مع إيران منوّهين بأنّ تنفيذ الخطة حتى الآن قد حال دون سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، ما يُعزز الأمن والاستقرار في المنطقة”. وواضح أنّ هذه الفقرة جاءت بطلب أميركي لتعزيز موقف إدارة أوباما في موضوع الاتفاق النووي مع إيران. وفي المقابل، واستجابةً لمطلب خليجي، نَصّ البيان على “ضرورة اليقظة تجاه تصرفات إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة، بما في ذلك برنامجها المتعلّق بالصواريخ الباليستية ودعمها الجماعات الإرهابية؛ مثل حزب الله وغيره من وكلائها المتطرفين، في كلّ من سورية واليمن ولبنان. وللمساعدة في الوصول إلى نهج مشترك تجاه تلك الأنشطة، تعهدت الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي بزيادة تبادل المعلومات حول إيران والتهديدات غير التقليدية في المنطقة”. وفي محاولة لخلق توازن بين الرغبة الأميركية في تخفيف حدّة التوتر الطائفي في المنطقة، واشتراط دول الخليج تغيير السلوك الإيراني أولًا، نَصّ البيان على: “ضرورة الحوار المُوسَّع لحلّ الصراعات في المنطقة واهتمامهما المشترك بتخفيف التوترات الطائفية. وأكدت دول مجلس التعاون استعدادها لبناء الثقة وتسوية الخلافات الطويلة الأمد مع إيران، على أن تلتزم إيران بمبادئ حُسن الجوار، وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وباحترام سلامة الأراضي بحسب ما يتفق مع القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة”.
وعلى الرغم من تأكيد أوباما أنّ الولايات المتحدة تشارك دول الخليج قلقها ممّا وصفه بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، فإنّه حذّر من المواجهة معها، قائلًا إنّ “أيّ دولة من دولنا ليس لديها مصلحة في الصراع مع إيران”.

(2) الحرب على الإرهاب
جاء في البيان الختامي أنّ الطرفين، رحّبا بالتقدم في جهد تقويض مكاسب داعش على الأرض

في كلّ من سورية والعراق. كما رحبت الولايات المتحدة بمشاركة دول مجلس التعاون في التحالف الدولي ضدّ داعش ودعمه، وأشادت بالجهد الحازم لدول مجلس التعاون في منْع الهجمات الإرهابية. كما شدّد البيان على أهمية الإجراءات التي يتمّ اتخاذها للتصدي لهذا التهديد، وذلك بالتوازي مع التقدم نحو التوصل إلى تسوية سياسية للصراع (في اليمن)، وأعرب الطرفان عن القلق تجاه محاولات تنظيم القاعدة و”داعش” استغلال فراغ السلطة في اليمن للتمدد والانتشار.

وعكست صيغة البيان في هذه المسألة قبولًا خليجيًا للموقف الأميركي الذي يرى وجود رابط بين فراغ السلطة في اليمن ومحاولات “داعش” وتنظيم “القاعدة” تعزيز مواقعهما فيه، ومن ثمّ ضرورة تكثيف الجهد للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع تضمن بقاء الحوثيين جزءًا من المعادلة السياسية.

(3) سورية
إنّ محاولات إيجاد أرضية مشتركة في المواقف، كانت واضحةً أيضًا في ما يتعلق بالأزمة السورية، إذ إنّ البند الخاص بسورية شدّد على أهمية الالتزام بالهدنة والبحث عن مخرج سياسي للصراع يحافظ على مؤسسات الدولة، والتركيز على محاربة “داعش” و”جبهة النصرة”، وهما مطلبان أميركيان، في حين أكّد أنّ الانتقال السياسي ينبغي أن يكون من دون بشار الأسد، وهو مطلب خليجي. وبحسب نص البيان: “أعرب القادة عن تضامنهم مع الشعب السوري، وأكدوا أهمية التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 القاضي بالسماح بالوصول الفوري للمساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها، وإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفيًا.

(4) التعاون العسكري
لم يخرج بند التعاون العسكري بين الطرفين في قمة الرياض عمّا اتُّفق عليه في قمة كامب ديفيد العام الماضي، والذي يلقي عمليًا، عبءَ الدفاع عن النفس على الدول الخليجية نفسِها. وكانت الولايات المتحدة اكتفت، في قمّة العام الماضي، بعرض وضعية “حليف رئيسي ليس عضوًا في الناتو” على الدول الخليجية، وهي وضعية تعطيها حقّ الحصول على مساعدات وتدريبات متاحة لأعضاء حلف الناتو فقط، ولكنها لا تصل إلى حدّ الدفاع المشترك. وتتلخص مجالات التعاون التي نصّت عليها قمة كامب ديفيد في تطوير نظام دفاعي صاروخي باليستي مشترك ومتكامل بين دول المجلس التعاون الخليجي كلّها، بما في ذلك نظام إنذار مبكّر بمساعدة فنية أميركية، وتركيز مبيعات الأسلحة وتسريعها، وزيادة التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة ضدّ التهديدات الخارجية وضدّ الإرهاب، وتعزيز أمن الشبكات الإلكترونية ضدّ أعمال القرصنة، وتعزيز الأمن البحري، وتدريب القوات الخاصة والأجهزة الاستخباراتية الخليجية.

خلاصة

إنّ زيارة أوباما الأخيرة إلى الخليج هي الرابعة منذ توليه الرئاسة مطلع عام 2009، وقد

تكون، على الأرجح، الزيارة الأخيرة له إلى هذه المنطقة؛ إذ لم يبقَ من مدّة رئاسته سوى ثمانية أشهر. وكما أنّ زياراته السابقة لم تساهم كثيرًا في تبديد شكوك دول الخليج حول السياسات الأميركية في المنطقة، فإنه لا يبدو أنّ هذه القمة ستغيّر كثيرًا الانطباع السائد عن إدارته المنسحبة تدريجيًا من المنطقة، ومن ثمّ تخلّف وراءها فراغًا تحاول مَلْأه قوًى طامحة كإيران وروسيا. فأوباما نفسه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يرى أنّ أهمية الشرق الأوسط، ومن ضمنه المنطقة الخليجية، قد تراجعت في المنظور الإستراتيجي الأميركي، خصوصًا مع زيادة الإنتاج الأميركي من النفط، وتراجع أسعاره عالميًا. وثمّة من يرى، في الولايات المتحدة، أنّ تراجع أهمية الشرق الأوسط أميركيًا ليس مرتبطًا بإدارة أوباما فحسب، بل إنه قد يكون توجهًا أميركيًا مؤسسيًا.

أمام هذا الواقع، لن تكون المراهنة على رئيس أميركي جديد في الشهور التسعة المقبلة أمرًا حكيمًا، ولا سيما إذا ما أخذنا في الحسبان أنّ المرشحين الأوفر حظًا لا يمثلون خيارًا أفضل من أوباما. فديمقراطيًا، تمثّل هيلاري كلينتون امتدادًا لمقاربته؛ ذلك أنها كانت، من قبلُ، وزيرة خارجيته، وكل ما تعرضه هو تشدّد أكبر في تطبيق الاتفاق النووي مع إيران، في حين أنّ منافسها، بيرني ساندرز الذي قدّم مواقف متقدّمةً في قضية فلسطين، لا يُبدي مواقف إيجابيةً من دول الخليج؛ وليس ذلك حبًّا لإيران، ولكنه بسبب طبيعة الأنظمة السائدة فيها. أمّا المرشحان الجمهوريان الأبرزان، دونالد ترامب، وتيد كروز، فإنّ تصريحاتهما السلبية عن السعودية، لا توحي بأنّ الأمور ستتغير نحو الأفضل في حال تبوُّء أحدهما سدّة الرئاسة.

في ظلّ هذه الأوضاع، لا يبقى أمام دول مجلس التعاون الخليجي إلا تطوير قدراتها العسكرية الذاتية، وتعزيز مقارباتها الدفاعية في إطار عربي وإقليمي أوسع يمكن أن تؤدي تركيا دورًا رئيسًا فيه، وأن يُمثّل ذلك نقطةَ انطلاقٍ نحو بناء منظومة أمن إقليمي تُمكّن من التحاور مع إيران من منطلق وجود قوة عربية وتَصوّر لمصلحة عربية وأمن قومي عربي، وتتضمن آليات لحلّ النزاعات وتعزيز الاستقرار ومنْع التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ وفق مقاربة تحقق التوازن بين حقّ الدولة في السيادة وحقّ الفرد في التمتع بحقوقه في الحرية والحياة الكريمة. علمًا أنه على المدى البعيد لن يكون ممكنًا انتهاج مقاربة فعّالة في السياسة الخارجية وقضايا الأمن القومي لدول الخليج العربية من دون الشروع في إجراء إصلاحات داخلية حقيقية تجسر الهوة بين سياسات الحكومات وتطلعات الشعوب، وتخلق قاعدة دعم شعبي لسياسات خارجية قوية ومستقلة.

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات