في 28 حزيران/ يونيو، عيّن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي اللواء محمد حسين باقري رئيساً جديداً لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، الهيئة العسكرية الأعلى في البلاد. و يحلّ باقري محل حسن فيروز آبادي الذي شغل المنصب لسبعة وعشرين عاماً وسيشغل الآن منصب مستشار عسكري آخر لخامنئي. ونظراً للشخصية الغامضة للواء باقري، فإن الوقت وحده سيكشف ما سيحمله تعيينه من تغيّرات في العقيدة العسكرية الإيرانية والثقافة الاستراتيجية للبلاد، إلّا أنّ خلفيته توفر العديد من الأدلة.
باقري وفيروز آبادي وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة
في عام 1979، شارك باقري في الاستيلاء على السفارة الأمريكية عندما كان طالباً مبتدئاً في كلية الهندسة، إلّا أنّه سرعان ما غيّر مساره وانضمّ إلى «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». وأثناء خدمته في «الحرس الثوري»، شارك في حملات ضدّ المتمرّدين الأكراد ولاحقاً في العراق. ولا يعرف إلا القليل جدّاً حول دوره في الحرب الإيرانية العراقية؛ فمن المؤكّد أنّه ليس مشهوراً بقدر أخيه الأكبر حسن الذي أسّس ذراع الاستخبارات العسكرية لـ «الحرس الثوري» عام 1980 وقاد فرقة عندما كان في سن السابعة والعشرين فقط. بيد، إنّ باقري الأصغر سناً هو أيضاً جندي أقدم في الاستخبارات العسكرية لـ «الحرس الثوري»، بالإضافة إلى كونه استراتيجي في «الحرس».
وبعد انتهاء مسيرة حسن العسكرية غير المتكافئة المليئة بالنجاحات الكبرى والهزائم المكلّفة بموته في كانون الثاني/ يناير عام 1983، عُيّن أخوه الأصغر رئيساً لاستخبارات القوات البرّية في «الحرس الثوري». وعندما تأسست هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية في حزيران/ يونيو 1988، قبل نهاية الحرب الإيرانية العراقية، عُيّن نائباً للرئيس بالوكالة لشؤون الاستخبارات، وهو منصب شغله في وقت لاحق لسنوات عديدة حتّى تمّ تعيينه رئيساً للأركان والشؤون التبادلية.
لقد تأسست هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للإشراف على دمج القوّات المسلحة الوطنية والثورية، بالإضافة إلى الإشراف على التخطيط العسكري والتدريبي والتنظيمي، ولدعم المجمّع الصناعي العسكري، ولكتابة ميزانيات الدفاع، ولتزويد رئيس الأركان بالمعلومات الاستخباراتية بأسرع وقت ممكن، ولتنسيق شؤون «الحرس الثوري» الإيراني والجيش الوطني (المعروف أيضاً باسم “آرتيش”). وبالرغم من أنّ قائد «الحرس الثوري» آنذاك محسن رضائي قد وُعد بتبّؤ منصب عسكري رفيع، فإن ذلك يرجع أساساً إلى المعارضة الشديدة من قبل الجيش الوطني ولأن الحرب انتهت قبل أن يتمكن من إطلاق هجوم “نهائي” آخر. وبصفته رئيس الأركان بالنيابة، اختار أكبر هاشمي رفسنجاني إنهاء الحرب بسلام وجعل رئيس الوزراء آنذاك مير حسين موسوي يخدم كرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة. ثمّ قام موسوي بإشراك وزرائه ونوّابه، بمن فيهم المستشار فيروز آبادي والرئيس المستقبلي حسن روحاني.
وكان يُنظر إلى فيروز آبادي كدخيل لأنّه لم يكن آتياً من جيش الجمهورية الإسلامية في إيران أو «الحرس الثوري»، بل كنجم صاعد في هيئة الأركان العامة، حاز على الرتبة العسكرية الجديدة “لواء باسيج” من خامنئي في أيلول/ سبتمبر 1989 وحلّ محل موسوي التي انتهت ولايته آنذاك كرئيس. وخلال فترة ولايته الطويلة، سُجّل لفيروز آبادي إدارة تحوّل «الحرس الثوري» من منظمة دمّرتها الحرب إلى قوّة عسكرية تقليدية غير متماثلة تلقي بظلّها على جيش الجمهورية الإسلامية الذي لا يزال متخلف. كما أشرف على صناعة عسكرية متنامية أنتجت مجموعة واسعة من المنتجات في ظل العقوبات الدولية، بدءاً من الذخيرة ووصولاً إلى الصواريخ الفضائية.
وفي حين يُعرف القليل عن التفكير العسكري الاستراتيجي الفعلي لفيروز آبادي، إلا أن كتابه الأخير يركّز على “الأمن الأخلاقي”، معتبراً أنّ تضاؤل القيم الأخلاقية بين الإيرانيين يشكّل خطراً على مستقبل الثورة. ويشاطره وجهة النظر هذه خَلَفه باقري، بالرغم من أنّه يُعتبر أكثر معرفة وخبرة في الشؤون العسكرية. وخلافاً لمعظم قادة «الحرس الثوري» الآخرين الذين يعبّرون عن رأيهم حول الشؤون الداخلية والخارجية في إيران بصراحة تامة، بقي باقري في الظلّ لمعظم مسيرته المهنية ونادراً ما شُوهد في العلن إلّا خلال التدريبات العسكرية.
وكونه في سن السادسة والخمسين، يُعدّ باقري أصغر لواء إيراني، لكنّه مُنح أوسمة متعددة لتحقيقه إنجازات سرّية مختلفة. كما أنّه حائز على شهادة دكتوراه في الجغرافيا السياسية، كما تفيد بعض التقارير أنّه يدرس في “جامعة الدفاع الوطني العليا” في إيران. وعلى غرار سلفه، يُمكن اعتبار باقري “دخيلاً” لأنّه لا ينتمي لأيّ فصيل معروف من فصائل «الحرس الثوري». وفي الواقع، قد يكون هذا السبب الكامن وراء اختياره من قبل خامنئي وتفضيله على ضبّاط كبار أكثر أهميّة (وأكثر شعبية من دون شك) في «الحرس الثوري الإسلامي» مثل غلام علي راشد أو يحيى رحيم صفوي أهمّ المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى. وعلى نحو لافت للنظر، يمكن اعتبار عودة رضائي الأخيرة إلى الخدمة العسكرية كمحاولة مفترضة للوصول إلى رئاسة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة – من هنا يُبرّر غيابه من حفل تنصيب باقري بعد أن تمّ تجاهله مرّة أخرى.
هل من مستقبل محتمل؟
هناك عاملان يبرزان بين الأسباب الأكثر احتمالاً لاستبدال فيروز آبادي: مشاكله الصحية وعدم رضى خامنئي عن المسار العام للقوّات المسلحة الإيرانية. ففي مرسومه للإعلان عن التغيير، كتب خامنئي إلى باقري قائلاً: “يُنتظر منك أن تشرف على عملية تحسين للجيش (الإيراني) وقدراته الأمنية وجهوزية قوّاته المسلحة والـ “باسيج” الذي يحظى بدعم شعبي، وأن تقوم بتحسين قدرته على الاستجابة في الوقت المناسب لأي خطر يهدّد الجمهورية الإسلامية على أي مستوى، مستخدماً العزم الثوري”.
إنّ الجملة الأخيرة هي رمز واضح لأولوية «الحرس الثوري الإسلامي» المتواصل في الفكر العسكري الإيراني. في الماضي، حمل باقري مشاعر سلبية تجاه جيش الجمهورية الإسلامية، ما قد يؤثّر بصورة أكبر على اتجاه هيئة الأركان العامة في المستقبل. وعلى الرغم من أنّ خامنئي قد عيّن أيضاً نائب رئيس لباقري من صفوف جيش الجمهورية الإسلامية في إيران – حلّ اللواء عبدالرحيم موسوي محل اللواء راشد في «الحرس الثوري» – إلّا أنّ هذا قد كان فعلاً موازناً أقدم عليه المرشد الأعلى، ومن غير المرجّح أن يغيّر حساباته الإجمالية الموالية لـ «الحرس الثوري». وفي الخامس من تموز/يوليو، تمّ تعيين راشد رئيساً لأركان حرب “خاتم الأنبياء” المركزي الذي تقضي مهمّته تخطيط العمليات في القوات المسلحة بأكملها وتنسيقها. كما عيّن خامنئي طيّاراً أقدماً في «الحرس الثوري» هو الفريق علي عبداللهي، كنائب في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة لشؤون التنسيق والأعمال البينية، مستبدلاً جندي قديم حاصل على أوسمة في جيش الجمهورية الإسلامية في إيران هو اللواء حسين حسني سعدي الذي من المرجّح أن يتقاعد. ويتمتّع عبداللهي بخبرة أمنية طويلة، فقد عمل سابقاً نائباً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية وقائد الشرطة بالوكالة.
وبالفعل، إنّ القوات المسلحة منقسمة أكثر من أي وقت مضى – باستثناء واضح لقيادة الدفاع الجوي – فهناك القليل جدّاً من العمل البيني، والقليل من التدريبات المشتركة أو حتى المنسقة التي تمّت في السنوات الأخيرة. لذلك، قد يُفسّر خيار خامنئي كدفع نحو مسار أكثر ثورية يضعف القوات المسلحة الوطنية بصورة أكبر. ومن المرجح أن تعني هذه المقاربة تخصيص المزيد من الأموال لطرق جديدة في محاربة الأعداء المحتملين والحقيقيين وإلى استمرار المغامرات الخارجية في المنطقة.
وخلال العقود الثلاثة التي ترأس فيها هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، تمكّن فيروز آبادي من الحفاظ على علاقات عمل مع حكومات مختلفة تمثّل أجزاءً مختلفة من طيف السلطة الإيرانية، لكن يجب الانتظار لرؤية ما إذا سيكون باقري قادراً على إظهار مزايا مماثلة في التأقلم مع سياسات البلاد المتغيّرة. وفيما يتعلّق بالسياسة الخارجية، من المتوقّع أن يتّبع تقليد قادة عسكريين إيرانيين آخرين كانوا جريئين جدّاً في مهاجمة الغرب وإسرائيل. وفي بيانه الصحفي الأوّل كرئيس لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، دعا إلى “تحرير” جميع أراضي المسلمين.
كما تشير خلفية باقري أيضاً إلى أي استراتيجيات وتكتيكات عسكرية قد تشدّد عليها إيران في المرحلة القادمة. ويتمتّع أيضاً بعلاقات وثيقة مع «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري»، وحدة النخبة المسؤولة عن العمليات التي تتجاوز الحدود الإقليمية؛ وقد ذكرت بعض التقارير أنّه خطّط وساعد على تنفيذ مهمّات في عمق العراق في التسعينيات مستهدفاً جماعات كردية إيرانية متمركزة هناك. كما ساعد على توسيع استخدام طائرات بدون طيّار وجمع معلومات استخباراتية تدخلية. وتمشياً مع هذه الاتجاهات، قد توسّع إيران استخدامها للضربات الوقائية والعقابية، ومن المتوقع أن يصبّ باقري المزيد من التركيز الاستراتيجي على عمليات خاصة مصمّمة وعلى نواحي جمع المعلومات الاستخباراتية لـ «قوة القدس» والأذرع الأخرى الخاصة. وقد يعني تعيينه بالتالي المزيد من العمليات العسكرية في شمال العراق وربّما في القسم الباكستاني من بلوشستان، مستهدفاً مخابئ ومعسكرات تدريب لمتمرّدين أكراد إيرانيين وبلوشيين. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تصبح القوات المسلحة أكثر مرونة تحت قيادته، ناشرةً المزيد من الطائرات بدون طيّار المسلّحة وطويلة المدى بدلاً من تلك الأكثر تكلفة وتعقيداً.
وعلى نطاق أوسع، يُقال إنّ باقري هو أحد العقول الاستراتيجية الموجّهة في «الحرس الثوري» ومؤمن كثيراً بالردع القوي ضد التهديدات الخارجية المدركة، لا سيّما الردع الصاروخي والبحري لـ «الحرس الثوري». ويُعتقد أنّه المنظّر وراء مبدأ “التهديد مقابل التهديد” – فكرة «الحرس الثوري» الحديثة لتصعيد موقفه العسكري خطوة بخطوة بشكل مناسب إلى مستوى التهديد الذي تواجهه الجمهورية الإسلامية. كما أن باقري كان قد دعم ذات مرّة وجوداً عسكرياً ناشطاً في أعالي البحار، حتّى في أماكن بعيدة مثل القطب الجنوبي. كما أنّه يُفضل الصين على روسيا، لذا قد يُنبئ تسلمه منصب عسكري رفيع بتوسيع العلاقات العسكرية مع بكين.
المحصلة
رغم أنّه قد يكون قد حان الوقت لإجراء تغييرات في قيادة هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة نظراً لصحة فيروز آبادي السيّئة وفترة ولايته الطويلة، قد يشير تعيين أحد أصغر الجنرالات في «الحرس الثوري» ليحلّ محله إلى أولويّة «الحرس» المتزايدة في التفكير العسكري الإيراني في المستقبل. وبما أنّ العمل البيني الناقص يبقى مشكلة كبيرة، قد يُنظر إلى تعيين باقري كمحاولة للبدء أخيراً في تعزيز القوات المسلحة الوطنية والثورية، إلى جانب تحسين العمل البيني إلى أن يحين ذلك الوقت.
فرزين نديمي
معهد واشنطن