لعل القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في موريتانيا أواخر تموز (يوليو) 2016، كانت الأضعف في تاريخ القمم العربية، سواء لجهة موقع الدولة المضيفة أي موريتانيا، أو لجهة الحضور على مستوى الرؤساء والملوك. ليس في الأمر غرابة، فتاريخ القمم كان يرتبط بجملة عوامل تعكس حال العالم العربي والقضايا الأساسية التي تؤثر في دوله أو التهديدات التي يواجهها.
بين قمة 1964 التي دعا إليها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للبحث في إجراءات إسرائيل تحويل روافد نهر الأردن الى أراضيها، وقمة موريتانيا الحالية، جرت مياه كثيرة في المجتمعات العربية ودولها، وشكّل المسار الانحداري علامة مستمرة ومتواصلة الى أن حط هذا الانحدار مساره في أقصى درجات الانهيار البنيوي في كل قطر من دون استثناء.
كانت القمم تنعقد وعلى رأس جدول أعمالها قضايا مركزية، في الستينات والسبعينات والثمانينات تمحورت حول الصراع العربي الإسرائيلي، وكان دعم المقاومة الفلسطينية يشكل حلقة أساسية في هذا المجال. انحسر الاهتمام بهذا الشأن، وشيئاً فشيئاً كان الاهتمام يتضاءل، تحت حجة انخراط المقاومة بالحروب الأهلية العربية والتدخل في الشؤون الداخلية. كان التخفف من عبء الصراع مع إسرائيل يخترق معظم حكام الأنظمة العربية، الى أن أتت فرصة الاجتياح الإسرائيلي للبنان وما ترتب عليه من نتائج أضعفت الموقع الفلسطيني وانتهى به الى اتفاق أوسلو عام 1993.
مع تضاؤل موقع القضية المركزية، بدأت القمم العربية تشهد في كل محطة انعكاس الصراعات بين بعض الدول العربية. كان اجتياح العراق للكويت عام 1991 إحدى المحطات المهمة في الخلافات العربية – العربية، وكان انعكاس هذه الحرب على القمم اللاحقة سلبياً بامتياز. لعل أهم النتائج المدمرة في تلك المرحلة كان انفكاك التضامن العربي. شكل هذا التضامن لحمة ساعدت في الحد من الخلافات، وكان الحرص عليه عنصراً يؤمن خروج القمة بقرارات تحمل بعض الجدية في إعلان المواقف، بصرف النظر عن مدى الالتزام بالتطبيق لاحقاً. ستشهد القمم بعدها على تزايد النزاعات والتباين في الآراء والمواقف، لتدخل في مرحلة انحدار في أهميتها.
مع الألفية الثالثة، سيدخل العالم العربي في دوامة من الفوضى والضعف، بدأت ترجمتها مع الاحتلال الأميركي للعراق وما تلاه من انفجار الإرهاب، عربياً أولاً ثم عالمياً. لم يشكل الاحتلال نقطة تقاطع رافضة للوجود الأميركي، كان هناك مؤيدون لإسقاط نظام صدام حسين، كما كان هناك من يرى في الاحتلال وجهة نظر. بعد الاحتلال، سيخف وهج القمم وسيتقلص موقع المشاركين فيها، وسيتجنب الحكام التطرق الى القضايا الخلافية الجوهرية تحت حجة الحفاظ على ماء الوجه، في وقت كانت المجتمعات العربية تشهد غلياناً في داخلها، ولا تجد في القمم مخرجاً لها.
منذ خمس سنوات وأكثر، دخلت المنطقة العربية مخاضاً عسيراً في انفجار بناها الاجتماعية وانهيار منظومة دولها تباعاً تحت وطأة انفجار الاحتقان الذي كان يتفاعل على امتداد سنوات في داخلها. ستشكل الانتفاضات العربية والنتائج المترتبة عليها مدار انشقاقات جديدة في العالم العربي. صحيح أن هذه الانتفاضات انتهت الى التحول حروباً أهلية دموية داخل كل قطر، لكنها في الوقت نفسه ستبدو حروباً أهلية بين الدول العربية نفسها، ما جعل أي لقاء عربي محكوماً بالخلافات والصراعات بين الدول العربية نفسها، وهو ما كانت تشهد عليه القمم في السنوات الأخيرة، والذي وجد ذروته في قمة هذا العام.
بالعودة الى ما صدر عن هذه القمة، لا يحمل بيانها جديداً إنشائياً حول قضايا كانت سابقاً تعتبر مركزية. لكن من دون إعدام أي إنجاز، لا بد من التشديد على أهمية ما صدر حول الدور الإيراني في المنطقة وما يشكله من عناصر اضطراب عبر التدخلات التي تقوم بها إيران في أكثر من قطر عربي. ليس مبالغة اتهام إيران بأنها أحد العناصر الفاعلة في توليد الإرهاب داخل العالم العربي وخارجه. لذا كان التشديد على التصدي لهذا الدور في مكانه، بصرف النظر عن مدى الجدية أو المقدرة في التنفيذ.
لن تستعيد القمم العربية أهميتها إلا عندما ينهض العالم العربي من انهياره الراهن ويدخل في مشروع نهضوي يعيد إليه دوره المحلي والخارجي. هذا برسم المستقبل البعيد.
خالد غزال
صحيفة الحياة اللندنية