لم يغلق بعد ملف القانون الصادر من الكونغرس الأمريكي، المعروف باسم قانون «جاستا»، أو العدالة ضد رعاة الإرهاب.. ولا يبدو أنه سيغلق حالاً، ما لم يجد المشرعون في الكونغرس مخرجاً من الموقف الذي سيدخل الولايات المتحدة في صدام مع قوانين مستقرة تحكم العلاقات الدولية.
فالتداعيات المترتبة على القانون، هى الآن في طور التفاعل، ثم هناك الآن الإغراء الذي يقدمه القانون لمواطنين أمريكيين، لرفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعويض.
هذا الموضوع تتراص أمامه علامات استفهام بلا نهاية. فمثلاً، إذا كان المشرع الأمريكي يستند إلى أن 15 من 19، من الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، يحملون الجنسية السعودية، فما هو تفسيرهم لقيام إرهابيين يحملون الجنسية الأمريكية، بارتكاب جرائم إرهابية داخل الولايات المتحدة؟.
.. أي أنهم من أبناء الولايات المتحدة.
وإذا كان القانون قد صدر «ضد الدول الراعية للإهارب»، فما هو الحال بالنسبة لما ثبت أثناء محاكمة شهيرة في نيويورك، في النصف الأول من التسعينات، لواحد من القيادات الرئيسية في تنظيم القاعدة، عندما أمسكت المحامية الأمريكية، التي تدافع عن المتهم، بأوراق موثقة أمريكيا، تقرأ منها أسماء قيادات في تنظيم القاعدة، كانت أمريكا قد أتت بهم من أفغانستان، ودربتهم في قواعد عسكرية داخل الولايات المتحدة، حددتها المحامية بالاسم؟.
فهل تحاسب أمريكا نفسها على ذلك؟.
أما عن الخلاف الذي حدث بين الرئيس أوباما والكونغرس، فتلك قضية أخرى. لابد من التوقف أمامها، فهي بدورها تثير الكثير من التساؤلات التي تظل حائرة تحتاج تفسيراً.
إن موقف أوباما يثير الحيرة. لكن الحيرة تتضاءل بالنظر إلى مواقفه، في إطار سياسات أوباما في الشرق الأوسط، خاصة في العامين الأخيرين.
فقد كان أمام أوباما إجراءان يمكن للرئيس الأمريكي، اتخاذ أحدهما في مثل هذه الحالات. الأول هو ما يسمى في اللغة القانونية في أمريكا بالتعليق Wavering. بمعنى وقف تنفيذ القانون بتعليقه، والثاني هو استخدام الفيتو.
وبالنسبة للإجراء الأول فقد لجأ إليه الرئيس بيل كلينتون عام 1996، عندما أصدر الكونغرس قانوناً، بنقل السفارة الأمريكية في «إسرائيل» من «تل أبيب» إلى القدس. ونتج عن موقف كلينتون تجميد القانون، الذي لا يزال مجمداً إلى اليوم.
أما الفيتو – فمن المعروف أن الكونغرس يمكنه أن يعيد التصويت على القانون بعد رفضه من الرئيس، وفي هذه الحالة يصدر القانون ويصبح ساريا. وهو ما حدث بالفعل، بإلغاء الفيتو الذي استخدمه أوباما.
وبالطبع يعرف الرئيس أوباما تماماً النتائج التي تترتب على لجوئه لأي من الإجراءين، سواء كان التعليق أم الفيتو. وكان منطقياً أن يفسر دوافعه من اللجوء إلى الفيتو بدلاً من التعليق.
ثم يلح سؤال آخر هو، ما الذي يدفع الكونغرس لاتخاذ فعل هذا الإجراء العدائي تجاه السعودية بالذات. والتي تتنوع وتتشعب علاقاتها مع الولايات المتحدة في مجالات وميادين عديدة، بحيث يمكن أن تتعرض المصالح الاستراتيجية الأمريكية للضرر في حالة حدوث رد فعل سعودي، وربما عربي بشكل أعم؟
هل لأن القرار صدر بدوافع محلية بعيداً عن المعايير السياسية، والتي حاول من خلالها أعضاء الكونغرس استمالة مشاعر الناخبين باعتبار أنهم يحققون لهم منافع وفوائد؟. أم أن أعضاء الكونغرس استخلصوا تفكيرهم، من حالة اعتادوا عليها، تخص إدارة العلاقات العربية الأمريكية، على مدى سنوات طويلة، وهي التزام المواقف العربية بخاصية السكون، تجاه أي قرارات أمريكية منحازة ضد قضاياهم، وتتصدرها بالطبع الانحياز المزمن ل«إسرائيل». ثم ما اتضح أخيراً من «رخاوة» الموقف الأمريكي تجاه سلوكيات إيران في العالم العربي، في جميع أرجائه، وآخرها التسليح الإيراني الصريح للمتمردين في اليمن. وذلك بعد التغير الذي لوحظ في رؤية أمريكا للمنطقة، عقب الاتفاق الأمريكي – الإيراني بشأن حلف إيران النووي.
بعد كل هذا، ألم يحن الأوان للعرب أن يقرروا؟!
عاطف الغمري
صحيفة الخليج