بينما يغذ جيش الرئيس السوري بشار الأسد الخطى مندفعاً إلى داخل آخر الضواحي القليلة التي يسيطر عليها الثوار في حلب، يستطيع الزعيم السوري أن يتمتع بموقف أقوى من أي نقطة كان عليها منذ الأيام المبكرة للحرب التي اندلعت في العام 2011.
لكن هذا لا يعني أن سفك الدماء في سورية قد انتهى، وإنما هو يدخل مرحلة جديدة فحسب.
وقد اعترف الرئيس الأسد نفسه بهذا في مقابلة مع أجراها معه التلفزيون الروسي يوم الأربعاء الماضي، حين قال: “إن تحرير حلب لا ينتهي بتحرير المدينة في حد ذاتها، لأنها تحتاج إلى تأمينها من الخارج. بعد ذلك، سوف يعتمد تحديد أي مدينة تأتي بعد ذلك على أي مدينة هي التي تحتوي على أكبر عدد من الإرهابيين”.
تجدر الإشارة إلى أن أشرس القتال في الحرب السورية كان يجري في داخل وحول المدن التي تمتد من الشمال إلى الجنوب على طول الشريط الغربي في سورية. وأصبح جيش الأسد والقوات المتحالفة معه يسيطرون الآن على كل المدن الرئيسية في ذلك الشريط -حلب في الشمال، وحماة وحمص في الوسط، ودمشق في الجنوب.
في حرب ينخرط فيها العديد من اللاعبين، فإن ما يلوح في الأفق راهناً هو حدوث مواجهة أكثر تركيزاً بين قوات الأسد في الجزء الغربي من البلد المكتظ بالسكان، وبين “داعش” في الصحارى التي يقطنها السكان بشكل متفرق في الشرق.
وسوف يواجه الرئيس الأميركي المنتخب بهذا الواقع الجديد عندما يعتلي سدة الرئاسة في البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. وكان قد اعطى إشارات متضاربة في هذا الصدد، ولكن من دون أن يفصح عن خطة واضحة لما سيفعل.
وإذن، ما الذي سيحدث تالياً في الحرب السورية؟
الجواب المختصر هو أن أحداً لا يعلم على وجه التأكيد، ولكن، إليكم بعض الأشياء الرئيسية التي تمكن مراقبتها:
1 – أين ستقع المعركة الكبيرة التالية؟
كان الرئيس السوري قد قال في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إن جيشه سوف يستخدم حلب كقاعدة لمطاردة قوات الثوار المتبقية في الأرياف، بما في ذلك محافظة إدلب التي تقع إلى الجنوب الغربي من حلب، والمناطق القريبة من الحدود التركية إلى الشمال من حلب.
وكمدينة كبيرة، قال الأسد “سوف تكون حلب نقطة انطلاق للتحرك نحو مناطق أخرى ولتحرير مناطق أخرى من الإرهابيين”. وأضاف: “يجب عليك أن تحافظ على تطهير هذه المنطقة لدحر الإرهابيين إلى تركيا ليعودوا من حيث أتوا أو لقتلهم -لا يوجد أي خيار آخر”.
بالإضافة إلى تقدمه في حلب، اجتث الجيش السوري بثبات الثوار من ضواحي دمشق ومدن أخرى.
وطوال الحرب، حاصر الجيش السوري على نحو ممنهج مناطق الثوار، جاعلاًً منها مناطق غير صالحة لسكن المدنيين والثوار على حد سواء، ومجبراً المعارضة على الاستسلام أو المغادرة. وتبدو من المؤكد أن هذا النهج سوف يستمر.
بينما يضع خطط خطوته التالية، قال الأسد يوم الأربعاء “سوف أجري مباحثات مع القيادة الروسية التي تشارك في هذه المعارك معنا، وأيضاً مع القيادة الإيرانية”.
2 – هل يوجد للثوار مستقبل؟ شكلت خسارة حلب تراجعاً رئيسياً، والذي بدا معه الثوار أصغر وأضعف وأكثر انكساراً من أي وقت في الأعوام الأخيرة.
وكانت مجموعات المعارضة قد ركزت قتالها على المدن، وكانت قادرة على فرض سيطرتها على العديد من المراكز الحضرية عند نقاط مختلفة. وحتى لو لم يستطع الثوار السيطرة تماماً، فقد كان لديهم تواجد كبير واستطاعوا أن يحافظوا على ممارسة الضغط على حكومة الأسد.
لكنهم الآن طردوا من المدن وخسروا وسائل ضغطهم، وليس في ميدان المعارك وحسب وإنما في أي مفاوضات محتملة أيضاً.
من جهته، قال محلل الشأن السوري، آرون لاند: “عليك أن تأخذ حلب لا أن تخسرها. وعليك أيضاً أن تأخذ، ربما، دمشق أيضاَ. وهم (الثوار) ليسوا قريبين من أي من ذلك بأي شكل من الأشكال. بل إنهم يبتعدون عنه باطراد”.
الآن، يجب على الثوار أن يتبنوا الآن نهجاً مختلفاً في القتال، وفقاً لإملاءات الضرورة.
وقال السفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد، لـ”سيريا دايركت”: “لقد حاولوا في الأعوام الخمسة الماضي الاحتفاظ بالأرض -المدن والضواحي- وهو أمر أصبح الآن مستحيلاًً مع تفوق القوة الجوية وقوة النيران لدى حكومة الأسد وحلفائه. سوف تضطر المعارضة المسلحة إلى التفكير في تبني تكتيكات جديدة، أكثر انسجاماً مع فكرة التمرد. وبغير ذلك، سوف يكسب النظام أرضية على نحو بطيء، لكنه أكيد”.
3 – ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لتنظيم “داعش”؟
تواجه المجموعة المتطرفة ضغطاً متزايداً على جبهات متعددة. فالولايات المتحدة تقصف مقرها الرئيسي في الرقة ومناطق أخرى تسيطر عليها في وسط وشرق سورية. كما أعلنت الولايات المتحدة مؤخراً أنها تنسق من أجل شن هجوم مضاد لطرد “داعش” خارج الرقة، مع أنه يبدو أنها عملية محسوبة جيدا جداً لأنها تتم بالتنسيق مع مجموعات المعارضة السورية.
وأيضا، يخسر “داعش” الأرضية بازدياد في العراق، ما يعني أنه يمكن أن يواجه ضغطاً متزايداً على جناحه الشرقي.
خصص الأسد وحلفاؤه الروس القليل من قوة النيران نسبياً لقتال “داعش”. أما الآن، ومع شعور الزعيم السوري بأمان أكثر في معظم الأجزاء الحساسة من البلد، فإنه قد يختار توجيه المزيد من الأسلحة نحو “داعش”.
ومع ذلك قد يقتنع الأسد بجعل الأميركيين وشركائهم يهاحمون المجموعة، بينما يقوم بتقنين موارده الخاصة المحدودة.
وبينما يبدو من غير المرجح أن ينفذ الأسد هجوماً رئيسياً ضد “داعش”، فإنه لا يستطيع تجاهل المجموعة كلية. وكان الجيش السوري قد ادعى تحقيق نصر كبير ضد المجموعة الإرهابية في آذار (مارس) الماضي في تدمر، المدينة المركزية المشهورة بآثارها القديمة. لكن “داعش” أعاد احتلالها الأسبوع الماضي.
4 – ماذا سيفعل الرئيس دونالد ترامب؟
من الممكن أن يواجه الرئيس الأميركي المقبل أول اختبار لسياسته الخارجية في سورية. وفي عهد الرئيس أوباما، ظلت الولايات المتحدة تقصف “داعش” بثبات لأكثر من عامين. ويقول التقييم العام إن الولايات المتحدة أضعفت المجموعة، وأن المجموعة خسرت بعض الأرضية على حواف أراضيها السورية. وعندما يتعلق الأمر بالهجوم المضاد المعلن عنه مؤخراً على الرقة، تشير كل الدلائل إلى قتال مطول وصعب.
يقول ترامب أنه سوف يدمر “داعش” بسرعة. كما أن كبار مستشاريه -بمن فيهم مستشار الأمن القومي، مايكل فلين، والمرشح لمنصب وزير الدفاع، جيمس ماتيس- اتخذوا مواقف صقرية ضد “داعش”.
لكن ترامب لم يقدم أي تفصيلات، وإنما أرسل إشارات متناقضة قائلاً أنه لا يريد أن يتم جر الولايات المتحدة إلى صراع شرق أوسطي مفتوح النهاية.
يشار إلى أن الأسد بدا وأنه يجس نبض ترامب يوم الأربعاء، حين قال في مقابلة التلفزيون الروسي: “إذا كان ترامب يريد فعلاً محاربة الإرهاب، فإنه يمكن أن يكون حليفنا الطبيعي”.
غريغ ماير
صحيفة الغد