يقف الشرق الأوسط وحيداً تقريباً في تفاؤله بأهداف السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت يشهد قلقاً عالمياً من هذه الأهداف.
يأمل الحلفاء العرب التقليديون للولايات المتحدة في أن يعيد الرئيس ترامب الانخراط في المنطقة بعد أعوام مما اعتبروه إهمالاً من جانب إدارة الرئيس باراك أوباما. ويأمل منافسو الولايات المتحدة أن يصبح ترامب حليفاً وينحاز إلى مصالحهم.
لكن ترامب قد يجد، بعد ثمانية أعوام من فك الارتباط الثابث لأوباما، أن فضاء المناورة المتاح أمامه في الشرق الأوسط قد أصبح محدوداً بفعل توسع نفوذ روسيا وإيران، وفقاً لما يقوله محللون.
وتنبأ إبراهيم حميدي، المراسل الدبلوماسي لصحيفة الحياة العربية الصادرة في لندن بأنه “حتى لو كان ترامب يريد انتهاج سياسة أكثر تأكيدية، فإنه لن يكون قادراً على إعادة أميركا لتكون اللاعب الإقليمي الأقوى. لم يعد الأميركيون يستطيعون العودة ليكونوا القوة العظمى الوحيدة”.
كان واضحاً أن ترامب يريد بالفعل انتهاج سياسة شرق أوسطية أكثر تأكيداً من خلال بعض تصريحاته الأكثر تكراراً والمتناقضة في أغلبها، بما في ذلك تعهده في خطاب تنصيبه بمحو ما أسماه “الإرهاب الإسلامي المتطرف… عن وجه الأرض”.
على الرغم من أن الرئيس وبعض مرشحيه للسياسة الخارجية يبدون وأنهم ينطوون على وجهات نظر متعارضة حيال بعض القضايا -مثل أهمية حلف الناتو وما إذا كان يمكن الوثوق بروسيا- فإنهم يبدون متوافقين على الحاجة إلى عمل المزيد لمحاربة “داعش”، وعلى تقليص نفوذ إيران المتوسع. وتبدو منطقة الشرق الأوسط واحدة من المناطق القليلة التي يبدو أن هناك مستوى معيناً من الإجماع على السياسة الخارجية الخاصة بها.
كما أنها واحدة من المناطق التي خفضت فيها سياسات إدارة أوباما الدور الأميركي بشكل ملحوظ، والذي كان ذات مرة لا يتحداه أحد.
الآن، تمسك روسيا بزمام الأمور في سورية، وقد أقامت علاقة وثيقة مع تركيا، والتي يمكن أن تهدد روابط أنقرة مع حلف الناتو، وهي تخطب ود حلفاء الولايات المتحدة التقليديين مثل مصر والسعودية. والأحدث، إقدام روسيا على استكشاف سبل لتكوين علاقات في ليبيا، حيث أرسلت حاملة طائرات إلى المياه المقابلة لليبيا، ودعت الحليف الأميركي السابق خليفة حفتر إلى متن الحاملة وعقد مؤتمر فيديو مع وزير الدفاع الروسي هذا الشهر.
ومن الممكن أن تسهل الوعود المتكررة لترامب بإقامة علاقات أقوى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تشكيل نوع من التحالف ضد الإرهابيين في الشرق الأوسط الذي كانت إدارة أوباما تأمله، لكنها فشلت في إنجازه، كما قال فلاديمير فرولوف، كاتب العمود في صحيفة موسكو تايمز. لكن روسيا لا تريد أن يأتي مثل هذا التحالف على حساب الدور الذي صنعته لنفسها أصلاً في المنطقة.
وقال فرولوف: “ظلت الولايات المتحدة تخرج من الشرق الأوسط في عهد أوباما لبعض الوقت. ومع تحدث ترامب عن أجندة أميركا أولاً، فإن هذا يصنع فرصاً أكثر لروسيا لملء الفراغ. وقد نشهد حالة حيث تمكِّن الولايات المتحدة روسيا فعلياً للقيام بالعمل القذر في الشرق الأوسط”.
تبدو القيود أوضح ما يكون في سورية، حيث أخذت روسيا دور القيادة في ترويج مبادرة سلمية تضم تركيا وإيران كراعيين مشاركين، لكنها لا تقدم أي دور للولايات المتحدة. ويقول دبلوماسيون غربيون أن روسيا وتركيا نسقتا الأجندة والمفاوضات التمهيدية للمباحثات التي أجريت في العاصمة الكازاخية، أستانا.
وكان مسؤولون روس وإيرانيون ودبلوماسيون من الأمم المتحدة وأوروبيون وثوار سوريون وممثلون عن الحكومة السورية قد وصلوا إلى الأستانة يوم الأحد في الأسبوع الماضي. ولم ترسل إدارة ترامب وفداً، وإنما مثلها سفيرها في كازاخستان.
لا يريد النظام السوري على الأرجح أن تلعب الولايات المتحدة أي دور كبير في البلد الذي له تاريخ طويل من العلاقات السيئة مع واشنطن، كما قال سالم زهران، الإعلامي الذي يتخذ من بيروت مركزاً له والذي يدير منافذ إعلامية في سورية، وله روابط وثيقة مع النظام السوري.
وقال زهران إن تصريحات ترامب الداعمة للرئيس السوري بشار الأسد جاءت كنوع من الغوث للحكومة السورية، لتؤشر على نهاية مبدأ إدارة أوباما القائم على وجوب تنحي الأسد في نهاية المطاف. لكن النظام السوري يعلق الآمال غالباً على بقاء الولايات المتحدة بعيدة عبر وقف دعمها للثوار ورفع العقوبات والتوقف عن الدعوة إلى إسقاط الأسد.
وتساءل السيد زهران: “إن ترامب رجل أعمال، ولو كانت سورية شركة، فإنه سينظر إليها على أنها شركة خاسرة. فلماذا يستثمر أحد في شركة خاسرة”؟ وأضاف: “تريد سورية من ترامب أن يكون محايداً وحسب. والآن، ولأن روسيا معهم، فإنهم لا يحتاجون إلى أميركا”.
لدى إيران المزيد من الأسباب للخشية من الخطاب القاسي المعادي لإيران والذي عبر عنه ترامب ومرشحوه للسياسة الخارجية. لكن أي محاولة للدفع ضد إيران ستتناقض مع الأهداف الرامية إلى الاصطفاف أقرب مع روسيا وسورية —المتحالفتين، اسمياً على الأقل ، مع إيران- إضافة إلى المخاطرة بالمواجهة.
من جهته، تساءل توبياس شنايدر، المحلل الألماني المتمركز في واشنطن: “لماذا تستجيب إيران لأي شيء غير الضغط العسكري؟ لقد كسبت إيران الآن. إنها ممثلة في كل مكان؛ ومصطفة مع الكاسبين في كل مكان”.
ما تزال إيران عاكفة على مساعدة الأسد على الاستدامة، وتقوم بإرسال الأموال والمليشيات للقتال على خطوط المواجهة، وفي العملية تأمين بسط نفوذ واسع في البلد. وفي الأسابيع الأخيرة، وقعت طهران سلسلة من العقود مع مسؤولي الحكومة السورية، والتي تتضمن منح إيران السيطرة على أكبر منجم للفوسفات في سورية، وترخيصاً لتشغيل شبكة اتصالات نقالة.
يقول ريان كروكر، السفير الأميركي السابق في العراق والذي يعمل حالياً مع جامعة تكساس: “لقد أمنت إيران موقعها منذ الانسحاب الأميركي من العراق في العام 2011، باعتبارها القوة الأكثر نفوذاً في العراق”. وأشار إلى أن إحياء الدور الأميركي هناك لن يكون مستحيلاً، لكنه “سيكون صعباً جداً جداً”.
تمتلك الولايات المتحدة حلفاء أقوياء بالفعل. وتعول إسرائيل على ترامب للوفاء بتعهده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، مما جعل الفلسطينيين إحدى المجموعات القليلة التي تعارض رئاسته بشدة. وتأمل المنطقتان الكرديتان في العراق وسورية بأن تتم ترجمة تعهداته بمحاربة “داعش” إلى تقديم المزيد من المساعدات العسكرية لهما.
ما تزال الولايات المتحدة تحتفظ بنفوذ مهم في الشرق الأوسط، خاصة تواجدها العسكري الكبير في الخليج وجبروتها الاقتصادي اللذين لا تستطيع روسيا مجاراتهما، كما يقول أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية. ويتطلع الحلفاء العرب مثل السعودية، والذين يلومون أوباما على صعود قوة إيران، إلى إدارة أميركية تعكس أولياتهم بطريقة أكثر قرباً، كما يقول.
وأشار كوردسمان إلى أن “الدول الخليجية تحتاج إلى الولايات المتحدة كقوة توازن مع إيران. إنك تحتاج إلى إعادة تأسيس الثقة، من أنك ستعمد إلى دعم حلفائك. وهذا ليس شيئاً في حاجة إلى تغيير جذري، لكنه يحتاج إلى جهد ثابت وصبور ومستمر”.
أما إذا كان ترامب سيكون قائداً يوفر الصبر والاستمرارية، فهو مكمن قلق البعض في المنطقة، كما يقول حميدي، الذي يضيف: “الأمر المخيف هو أن تمهيد الطريق لدور أميركي في الأعوام المقبلة يحتاج إلى رؤية وخيال. إذا لم تكن لديك هذه الرؤية، فقد تجد نفسك في مواجهة. أو أنك ستستسلم وتسلم الأمور كلها لروسيا”.
ليز سلاي
صحيفة الغد