ربما كان أكثر الأمور إثارة للقلق في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء الماضي، كما كان ليحدث مع أي رئيس أميركي آخر، لم يكن تخليه عن حل الدولتين، وإنما العفوية والاستهتار اللذان طرح بهما الموضوع: نبرته المراوغة وكلماته المتلعثمة وجهله المطبق الواضح بحيثيات الموضوع. قال: “إنني أنظر في حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وأحب الحل الذي يحبه كلا الجانبين”، منحياً بذلك جانباً المسألة التافهة المتعلقة بالكيفية التي قد يصل معها الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاق في هذا الصراع العصي على الحل.
أما إذا كانت ملاحظاته قد شكلت جزءا من استراتيجية مدروسة، فهو موضع شك. وما إذا كان حتى تخليه عن الالتزام بحل الدولتين أمراً مقصوداً، فهو أمر غير واضح. والآن قال سفيره لدى الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة تدعم “بشكل مطلق” حل الدولتين، لكنها “تفكر من خارج الصندوق أيضاً” مع ذلك. وقد أرسلت إدارته رسائل متناقضة حول الاستيطان وعن نقل السفارة الأميركية، ربما مدفوعة بمَن هو الذي تحدث مع الرئيس آخر مرة. ويستشهد البعض بعدم التساوق كسبب للتفاؤل. وهم بذلك لا يتعلقون بالقش، وإنما بالديناميت.
يبعث التوجه الكلي للإدارة على القلق. ومن أعراض ذلك اختيار ترامب للسفير. كان ديفيد فريدمان قد دعم المستوطنات غير الشرعية مالياً، ووقف إلى جانب ضم أراضي الضفة الغربية، وأدلى بملاحظات هجومية الطابع عن اليهود الليبراليين، وهو ما أعرب متأخراً عن ندمه عليه خلال جلسة استماع محمومة لتثبيته. وحتى لو كان بالمستطاع في بعض الأحيان دفع السيد ترامب إلى التراجع، فإن افتقاره إلى المعرفة والثبات، سوية مع تصميمه على التدخل، يجعلان الأمور أكثر خطورة، لا أقل خطورة. إن ما يقوله الرئيس الأميركي يهم -حتى لو تغير في اليوم التالي. إنه يضع المعايير. وتسير ملاحظاته في عكس اتجاه السياسة الأميركية المكرسة، وسياسة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك) الصقرية. وقد أبدى السيد نتنياهو على الأقل خدمة شفوية لحل الدولتين. وما تزال أغلبية صغيرة من الإسرائيليين والفلسطينيين تدعمه. بينما يظل مستوى الدعم لدولة واحدة أقل بكثير.
وهناك سبب وجيه لذلك، والذي جاء على لسان جون كيري في محاولة آخر جهد لحماية عملية السلام المحتضرة قبل أن تستطيع الإدارة القادمة دفنها. وتضمن الاتجاهات الديموغرافية أن دولة واحدة لا تستطيع أن تكون يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه. ويعتبر تحقيق مثال الدولة ثنائية القومية القائمة على المساواة ضرباً من الخيال. ولعل الأكثر ترجيحاً بكثير، على ضوء عدم التساوق المستمر في المفاوضات بين دولة معترف بها دولياً وبين لا دولة تحت الاحتلال، سيكون خفض مرتبة الفلسطينيين إلى منزلة مواطنين من الدرجة الثانية بشكل دائم -بحيث لا تتم خيانتهم وحسب، وإنما خيانة المثل التأسيسية لدولة إسرائيل نفسها أيضاً. وسيكون ذلك خطأ وكارثياً. لا يمكن توقع أن من شعبين يختلفات بمرارة على شروط انفصالهما أن يعتنقا بعضهما بعضا.
من غير العادي الإشارة -كما فعل السيد نتنياهو- إلى أن السيد ترامب هو أكبر داعم للشعب اليهودي. وبسؤاله مباشرة عن تزايد هجمات الكراهية منذ فوزه وعن الاعتقادات بأن إدارته كانت تتحدث بنبرة عنصرية ومصابة برهاب الخوف من الأجانب، فشل الرئيس في شجب المعاداة للسامية وراوغ حول انتصاره الانتخابي ووعد “بالكثير من الحب، أليس كذلك؟”.
كما لا يعتبر السيد ترامب صديقاً يمكن الاعتماد عليه لإسرائيل. فهو لا يتبنى نهجاً واضحاً. وقد أزال أفضل دفاع كان يتمتع به للسيد نتنياهو لمقاومة الضغط من داخل ائتلافه والذي حركه دائماً باتجاه اليمين. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد سعى إلى الحفاظ على الوضع القائم –على الرغم من أنه وضع قائم متغير على أرض الواقع؛ حيث تنزع المستوطنات المنتشرة كالفطر جدوى قيام دولة فلسطينية. ولم يعد نتنياهو يستطيع الاستشهاد بدعوات ضبط النفس الأميركية. وبالإضافة إلى ذلك، وكما أشار السيد كيري، فإن الأصدقاء هم الذين يقولون الحقائق القاسية.
وتجدر الإشارة إلى أن المجموعة الدولية، التي رأت هذا قادماً، استخدمت قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ومؤتمر باريس للسلام اللاحق لوضع حل الدولتين على جهاز دعم الحياة. وقد اختار السيد ترامب تجاهلهم. لكن القرار الأممي وضع على الأقل علامة في القانون الدولي؛ ويجب إعادة طرح القضية مرة أخرى وأخرى. وكانت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية قد حذرتا من أنه لا يوجد أي بديل عادل. ويجب على أوروبا أن ترسل رسالة واضحة بهذا الخصوص أيضاً. ويعتبر إلغاء انجيلا ميركيل للقاء قمة كان مقرراً مع السيد نتنياهو -بشكل غير رسمي وإنما ذكر على نطاق واسع أنه يعكس غضبها من القانون الجديد لانتزاع الأراضي الفلسطينية- مثالاً جيداً على الكيفية التي يستطيع القادة من خلالها أن يلفتوا الانتباه. وكانت المملكة المتحدة قد توسطت في تصويت الأمم المتحدة؛ ولكن، وفيما يفترض أنه جاء انطلاقاً من شغفها غير الحكيم بالفوز بالحظوة عند الرئيس الأميركي، قوضت تيريسا ماي كلمة السيد كيري اللاحقة. ولعل من المهم كثيراً أن تدفع بريطانيا في اتجاه حل الدولتين من دون تقتير.
افتتاحية جارديان
ترجمة صحيفة الغد