تحرك محسوب: ما بعد معركة سامراء.. ثنائية الامتداد والتواصل

تحرك محسوب: ما بعد معركة سامراء.. ثنائية الامتداد والتواصل

الحشد-الشعبي-ما-بعد-سامراء

بعد غزو العراق عام 2003 شهدت المنطقة العربية تعميقا لظاهرة الطائفية السياسية، نتيجة للتوافق الإيراني-الأمريكي بهذا الخصوص، والذي جرى بموجبه توظيف الطائفة والملة والمذهب، لتحقيق غايات ومصالح سياسية، ليتصاعد مبدأ التحصيص الطائفي والاثني.
ويتوافق ما تقدم مع المقاربة الإيرانية، الساعية إلى إضعاف الأنظمة في المحيط العربي، ما يتطلب بناء تكوينات حزبية وسياسية مؤثرة مرتبطة بطهران، تمارس الفرز الطائفي في المجتمع، وتتمكن من المساهمة والتأثير في عملية صنع القرارات داخل دولها، بحيث تصبح الطائفة هي الأصل، أو أن يصار إلى تحالف بين أقلية حاكمة، تعتنق المذهب ذاته، لتكون ذراعاً مساندة للمشروع الفارسي التوسعي.
ففي لعبة السياسة والمصالح، تتشابك المزاعم والادعاءات بالأيديولوجيا، لنشهد اصطفافات طائفية، وهو امر اكدته تداعيات الثورة السورية، التي كشفت عن حدة الاستقطاب الطائفي، متمثلاً بموقف الحكومة العراقية الداعم لنظام بشار، ووقوفه ضد إرادة الشعب السوري، وهو أمر يصب في دائرة دعم المصالح الإيرانية، إذ تخشى طهران انهيار محورها المذهبي، ما يحدث صدعا سياسيا كبيرا، ينجم عنه تراجع هيمنتها على المنطقة. فمحور شرق المتوسط الشيعي، والمكون من بغداد ودمشق و”حزب الله” اللبناني، يعد ظهيراً مسانداً للمشروع الإيراني بمستوياته المتعددة، والذي يراد منه تحقيق مزيج من المصالح الحيوية التي تختلط فيها الجغرافيا السياسية بالمنافع الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، وفي كل الحالات فان الوجه البارز لهذه المصالح عادة ما يصطبغ بالصبغة الدينية.
وبالنسبة لإيران، فإن الإطاحة بنظام الأسد في سوريا ستكون أهم نكسة لها منذ نهاية حربها مع العراق في عام 1988، التي استمرت ثماني سنوات، وربما منذ ثورة عام 1979. لقد كانت سوريا النصير المهم لإيران على مدى العقود الثلاث الماضية، وواحدة من الدول العربية القليلة التي وقفت إلى جانب إيران خلال حربها الطويلة مع العراق. وقناة رئيسة لشحنات الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله” في لبنان. وبذات المعنى فإنها رئة النظام الايراني وحلقة الوصل بينه وبين “حزب الله” تسليحا وتدريبا واستخبارا.
ومن هنا فإن ما كان يقلق طهران هو تغير اللعبة الإقليمية، وفي وجه آخر للتحليل، فالإبقاء على نظام بشار ومنع انهياره، مصلحة استراتيجية عليا لايران، وباستقراء للواقع فان إيران ستبقى تنافح عن سوريا الابن كما فعلت مع الأب، فسلامة الهلال الشيعي خيار ثمين لن تقبل التفريط به، حتى لو استلزم الأمر إحراق المنطقة برمتها، وتحريك خلايا شيعية نائمة. الامر الذي حمل امين المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني السابق سعيد جليلي على القيام بزيارة مفاجئة لسوريا في اذار /مارس 2011 بعد بضعة أيام من اندلاع الحراك الشعبي، وقال انه جاء برسالة واضحة مفادها: عدم الاستسلام لمطالب المتظاهرين او السماح لتأثيرات الربيع العربي من الامتداد الى سوريا، مقترحا ما سماه بـ”الستار الحديدي” الجديد مع إيران وروسيا ضد “مؤامرة” غربية في المنطقة.
وتراوح الاسناد الايراني لدمشق بين تقديم المشورة الاستخباراتية واللوجستية ومساعدة الجيش عسكريا، حيث اتسعت عمليات فيلق “الحرس الثوري” الايراني البرية، مع ارسال المستشارين والقناصة، وقوات خاصة للتعويض عن الانشقاقات التي حدثت في صفوف العسكريين السوريين، لتكشف عن الاستعداد الملحوظ لايران وقدرتها على توظيف قوتها العسكرية خارج حدودها، ومع هذا فان طهران تفضل تجنيد الميليشيات الشيعية من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، للقيام بمهام القتال في سوريا، ويكون لها التخطيط والاشراف والتدريب.
وفي تفسير آخر لظاهرة انتشار الميليشيات المؤيدة لإيران في المنطقة، يعد محللون ان ثبات نظام الاسد واستقراره لم يعد من أولويتها الأولى، بل انها تسعى لتشكيل ميليشيات عسكرية محلية قوية قادرة على حماية مصالحها ما يشكل مصلحة عليا ايرانية، بغض النظر عن من سيحكم في دمشق. فالعديد من المعلومات الواردة من داخل المنظومة العسكرية والأمنية لنظام الأسد تأكد توسع عملية خصخصة الميليشيات الشيعية وانتشارها في سوريا، وربطها مباشرة بالحرس الثوري الإيراني دون مرور سلسلة القيادة عبر نظام الاسد، الامر الذي يؤكد ضعف ثقة النظام الإيراني بقدرة الأسد على الاستمرار ضمن المعطيات الحالية. وبالتالي ستشكل هذه الميليشيات ذراعا عسكرية لإيران تعمل على إضعاف وزعزعة أمن أي حكومة أو نظام جديد يأتي بعد انهيار الأسد، كما أنها ستكون ورقة تفاوضية مرتفعة الثمن في لعبة تبادل المصالح مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة بعد أن أثبت هذا الأسلوب نجاعته في لبنان واليمن.
وبالاستناد لما تقدم ابدت حكومة بغداد التزامها بنظام الاسد، ولم تمنع عبور المساعدات الإيرانية العسكرية إلى دمشق، سواء عن طريق الجو او البر. وعلى وفق المشهد أعلاه فان العراق اليوم يقف على خط التماس الطائفي، واحدا من أهم محطات النفوذ الإيراني، ما تطلب منه تعضيد الجهود التي تقوم بها ايران و”حزب الله” في التصدي للمعارضة السورية، لتكون الميليشيات العراقية جزءا من مجموعات اجنبية مسلحة، يجمعها رابط عقائدي لتعوض هشاشة قوات نظام الاسد وضعفها ، وهي أكثر كفاءة عند مقارنة ادائها بالقوات الحكومية. وما تدركه ايران اليوم ان القتال في سوريا يتعلق بتوزيع السلطة والنفوذ، وربما تحديد شكل نفوذها المستقبلي في المنطقة.
وقبل عدة أشهر تغير ميزان القوى لصالح الأسد، واصبح اعداؤه في حالة من الضعف، لكن تطورات الاوضاع في العراق خاصة بعد انهيار الجيش في 9 حزيران/ يونيو2014 ووقوع محافظتي الموصل والانبار بيد “داعش”، افضت الى تعثر الامدادات العسكرية الايرانية المنقولة عبر البر، أو عندما اضطروا لإعادة جزء من الميليشيات مثل “عصائب اهل الحق” والكتائب وألوية مليشيات “ابو الفضل العباس” و”ذوالفقار” للانخراط هذا التنظيم. مترافقاً مع تعزيز حركة المعارضة السورية المعتدلة، ما يغير من سير الاحداث ضد نظام الأسد.

قرار بالهجوم على سامراء
اظهرت الاشهر الماضية وجودا كثيفا لقيادات “الحرس الثوري” وقواته في مدينة سامراء، حيث سبق أن أعلنت إيران عن مقتل بعضهم في معارك هناك، وتشكل هذه المدينة اهمية استراتيجية، حيث تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محافظة صلاح الدين، وعلى بعد 110 كيلومترات شمال غربي العاصمة بغداد. وتسكنها اغلبية سنية، وتضمّ مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، العاشر والحادي عشر من بين الأئمّة الشيعة الاثني عشر، وتمثل المدينة للإيرانيين خطاً أحمر، وكان مسؤولون إيرانيون عدة، من بينهم الرئيس حسن روحاني، قد أعلنوا أن المزارات الشيعية “خط أحمر”، يجب الحفاظ عليها. ولعل لذلك أسباباً تتعلق بقدسيتها ومكانتها الروحية، او اهمية موقعها الاستراتيجي، لتوسطها بين بغداد والموصل، ووقوعها على الطريق الرابط بينهما.
وتفيد المعلومات الاستخباراتية بعزم ميليشيات الحشد الشعبي خلال الايام المقبلة، شن هجوم من مدينة سامراء لاستعادة السيطرة على المنفذ الشرقي لتكريت من ايدي مسلحي “داعش” الذي يؤدي الى ناحية العلم وقرية البو عجيل وقضاء الدور وبقية اقضية صلاح الدين وذلك بعد إحكام سيطرتها على العديد من المناطق المحيطة بالقضاء، فضلا عن المداخل الرئيسية الثلاثة للمدينة من الجهة الشمالية والجنوبية والغربية.
وفي حال تم طرد “داعش” من اقضية محافظة صلاح الدين، فان الطريق يصبح سالكا للوصول الى قضاء الشرقاط، ومنها الى مدينة الحضر، ثم تلعفر، التي سبق ان تمكنت مليشيات الحشد الشعبي من السيطرة على مطارها العسكري، الذي يبعد 90 كم غرب مدينة الموصل، وتكمن الأهمية الإستراتيجية لتلعفر بوقوعها على طريق الإمداد الرئيس لعناصر “داعش” عبر الحدود السورية، ولاشك ان السيطرة على هذا القضاء سيسمح بفتح طريق الامدادات العسكرية الى سوريا عبر مطار تلعفر العسكري.
ويبدو أيضاً أن هذا الخيار تبلور كجزء من العبر المستخلصة من المواجهات مع “داعش” وخصوصاً بعد نجاحه في منع التواصل الجغرافي واللوجستي والتسليحي، وهو ما كان له وقع كبير على خطوط الاسناد الايراني. وبحلول خريف 2012، تعرضت هذه الخطوط الى التوقف بسبب المخاوف الأمنية، وتحديدا الخط الواصل من سنجار الى سوريا، وادى انسحاب الأسد من المناطق الكردية شمال شرقي سوريا الى ترك هذا الطريق الشمالي غير صالح كقناة دعم برية رئيسة، بالاضافة الى ان استيلاء المعارضة السورية على نقطة العبور الحدودية القائم ـ البوكمال في وقت مبكر من شهر سبتمبر/ أيلول 2012 ادى إلى إغلاق حزام نهر الفرات أمام إعادة الإمداد البري من العراق.

الفيديو التالي يبين تحركات الحشد الشعبي كما هو مذكور في المقال:.

الحسكة السورية..رابط لإدامة التواصل البري العسكري
كشفت مصادر إعلامية كردية بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، عن “اجتماع عقد بمقر فرع أمن الدولة بمدينة القامشلي، في 13/2/2015، وحضره قيادي بارز من “الحرس الثوري” الإيراني وقيادات عسكرية لقوات النظام، إضافة إلى وجهاء وشيوخ بعض العشائر العربية الموالية للنظام، لبحث آلية تجنيد المزيد من الشباب”.
وقالت المصادر: “إن الهدف الرئيس من الاجتماع هو تشكيل قوة عسكرية مشتركة تضم في صفوفها قيادات من “الحرس الثوري” وعناصر من قوات الأسد وأبناء العشائر؛ حملت اسم “القوة الضاربة”.
وينظر لهذا التشكيل الجديد ان يكون رديفا داعما لجهود الميليشيات في الجانب العراقي الذي سيكون على مقربة من مدينة تلعفر من جهة، ولإسناد قوات الشبيحة وقوات الاسد من جهة ثانية، وفتح جبهة اسناد عسكرية موازية ثلاثية؛ قوامها الحشد الشعبي، وقوات الاسد مع مقاتلي “حزب الله” اللبناني والميليشيات الاجنبية التي تقاتل في سوريا، ومن المتوقع لها ان تنشط عسكريا على مدى الاسابيع، ما يزيد من تعقيد المرحلة المقبلة.

وحدة الدراسات الاقليمية / مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية