في المستهَّل ينبغي أنْ نُدرِكَ كون هذه الاتفاقية قد وقِّعتْ مساءَ الخميس الماضي الموافق (19 شباط 2015) في العاصمة التركية (أنقرة)، وتحت عنوان “اتفاقية تدريب وتجهيز” المعارضة السورية المعتدلة، بين الولايات المتحدة الأمريكية ممثلةً بشخص سفيرها في أنقرة (جون باس) وبين تركيا ممثلةً بشخص مساعد وزير خارجيتها (فريدون سينيرلي أُوغلو). وقد أكَّد وزير خارجية تركيا (مولود جاويش أُوغلو) على “أنَّ الاتفاقية سيتم الشروع في تنفيذ بنودها أوائل شهر آذار المقبل”.
واستغرقت المفاوضات ذات الصلة بين الجانبَين وبقية حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قرابةَ التسعة أشهر، بالشكل الذي قاد الى اقتناع الحلفاء لاسيما الولايات المتحدة بضرورة الدمج بين المشروعَين التاليَين:
1- الإطاحة بنظام بشار الأسد، وهو موقف تركيا والسعودية وقطر والإمارات المتحدة العرب.
2- اجتثاث التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وسوريا لاسيما داعش وجبهة النُصرة، وهو الموقف الذي شدَّدت عليه الإدارة الأمريكية.
والهدف المنشود في الاتفاقية من وراء مفهوم “المعارضة السورية المعتدلة” هو الحؤول دون انفراط عقد المكوّنات السياسية للمجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر بوصفها الممثل الشرعي والحقيقي للشعب السوري، عبر العمل المشترك على تقويتها من خلال التدريب العسكري والتسليح المنظّم. بحيث سيتم تدريب وتسليح نحو (15) ألف مقاتل سوري خلال (3) سنوات وبمعدل (5) آلاف مقاتل سنوياً.
وفي هذا السياق، ستوفر تركيا ثلاث معسكرات تدريب رئيسية داخل أراضيها وعلى امتداد حدودها مع سوريا بالتنسيق والتعاون المباشر مع الولايات المتحدة والجيش الأمريكي، الذي سيعمل من جانبهِ على توفير التجهيزات العسكرية والمُدرِّبين، ناهيك عن إمكانية إنشاء معسكرات تدريبٍ أُخرى في الأردن وقطر والسعودية.
وقد سبق لقيادة أركان الجيش الأمريكي أن أعلَنت خلال الشهر الجاري عن خطتها لإرسال أكثر من (400) جندي أمريكي، بعضهم ينتمي لِقوات العمليات الخاصة لِتدريب المعارضة السورية. أما الأخيرة، أي المعارضة السورية، فلها الحرية الميدانية في مقاتلة داعش والقوى المتطرفة فضلاً على مقارعة النظام السوري مستفيدةً من التغطية الجوية للحلفاء.
ومن غير المتوقع أن يشتمل الاتفاق على إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود التركية-السورية، لِتكون ملاذاً آمناً للمعارضة السورية المسلَحة والمدنيين على حدٍّ سواء. فقد رَفضت تركيا هذه الفكرة بشدة خشية أنْ تتطورَ منطقة الحظر الجوي هذه مستقبلاً الى إقليم كوردي جديد على غرار إقليم كوردستان-العراق. غير أنَّ ذلك لا يمنع الولايات المتحدة، وفقاً للاتفاقية نفسها، من استخدام القواعد العسكرية التركية لِغرض الانطلاق منها لتوجيهِ ضرباتٍ جوية لأوكار التنظيمات الإرهابية داخل الأراضي السورية.
يبدو أنَّ هناك جملةً من الأسباب التي دفعت تركيا الى توقيع الاتفاقية. فمن جانب أخذتْ خلايا تنظيم داعش الإرهابي بالنفاذ والنشاط داخل تركيا لِغرض استهداف رعايا دول التحالف والبعثات الدبلوماسية، سواءً عبر الخطف أو القتل، وهو ما قد يُعرِّضُ الاقتصاد التركي بخاصة لأزماتٍ حادة. من جانبٍ ثاني أشار (فريدون سينيرلي أوغلو) نفسه الى “أنَّ هذه الاتفاقية هي خطوة هامّة ضمن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والتوقيع عليها خطوةٌ أولى في مسارٍ يحتاج من الطرفين الى الكثير من العمل”.
ومثل هذا القول إنما يُشير صراحةً الى توقع الحكومة التركية لِقرب تدشين التدخل البري الأمريكي في الحرب على داعش في العراق وسوريا. فقد أرسلت الولايات المتحدة في هذا الخصوص نحو (4) آلاف مقاتل الى قاعدتها العسكرية في الكويت، بالإضافة الى إرسال فرنسا أواخر عام 2014 زهاء (5) قاصفاتٍ استراتيجية الى الأردن، وأيضاً إرسال حاملة طائراتها المعروفة بإسم “شارل ديغول” الى الخليج العربي في كانون الأول 2015. وهو ما يؤكد وجود تحركات جدّية من لَدن الحلفاء صوب حشد الجهود اللازمة لتدخل عسكري قد يكون واسع النطاق في العراق وتحديداً في شمالي الموصل وغربي الأنبار وجنوبها.
أما بالنسبة الى إقليم كوردستان، فإنَّ هذه الاتفاقية ستقود الى التخفيف من الضغوط الاقتصادية والعسكرية والديموغرافية الناجمة بفعل مقارعة الإقليم لِتنظيم داعش الإرهابي منذ منتصف عام 2014. وهي حرب مفروضة على الإقليم يَستَنِدُ فيها الى إمكاناتهِ الذاتية والدعم العسكري والإنساني الدولي في المقام الأول. ومن ثمَّ، من المرجّح أن تتوزع تلك الضغوط على بقية الحلفاء بصورةٍ مباشرة فضلاً على تَحَّمل الحكومة العراقية لأعبائها المادية والأخلاقية، بوصفها حكومة المركز وليس حكومة للفضائيين والهوائيين، في حربٍ تشير تقديرات الإدارة الأمريكية نفسها وفي الكثير من المناسبات الى أنَّها ستستغرق ثلاث سنوات.
وهنا لابدّ للحكومة العراقية من أنْ تُدرِك حقيقة التوازنات الدولية الجارية في المنطقة، من حيث أنَّ إيران باتتْ قابَ قوسَين من طلاقِ النظام السوري لِكونها باتتْ على وَشَك عقد قِرانها النووي مع الولايات المتحدة، وربّما هذا ما أتاح السبيل أمام تركيا لتمرير مطالبتها بالدمج بين إسقاط النظام الأسدي ودعم الجيش الحر في سياق هذه الاتفاقية. باختصار، لقد أخذت قاطرة التغيير الشرق أوسطية بالتحرك منذ عام 2011، وها هي اليوم تُطلِقُ أصوات أجراسها المُدوية في محطتها الجديدة، مُنذرةً الركّاب بضرورة لُزوم مقاعدهم، فهناك رُكّاب جدد.
د. حسام الدين علي مجيد
قسم العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين-اربيل
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية