منذ عام 2000، وهناك أنباء متواترة نقلًا عن شخصيات دبلوماسية غربية وأخرى إيرانية مقربة من خامنئي، تؤكد أن مرشد الثورة يعاني من مراحل متقدمة من سرطان البروستاتا، وتتوقع صراع على السلطة بعده؛ لأنه منذ توليه منصب القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية في 1989، لم يعين خامنئي خليفة له، بعكس ما فعل الخميني، ما يؤشر على أن موته أو حتى غيابه لفترة طويلة، قد يتسبب في صراع على السلطة، وصراع آخر في المفاوضات مع الغرب حول الملف النووي الإيراني.
ربما لهذا علق ضابط في إحدى وكالات الاستخبارات الغربية العاملة في منطقة الخليج، بقوله إن “إشاعات مرض خامنئي تم تداولها بكثافة في الآونة الأخيرة بطهران، وهو ما أعطانا دروسًا بعدم التفاؤل كثيرًا بأن وفاته قد أصبحت وشيكة“، بحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.
عام 2009 نشرت وسائل الإعلام الغربية سلسلة تقارير تتحدث عن تدهور صحة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي (76 عامًا)، وذكرت صحيفة الجارديان حينئذ أن خامنئي قد يكون يعاني من مرض السرطان، وظلت هذه التكهنات تتصاعد عام 2011 و2012 و2013 حيث زاد القلق على صحته بعدما سقط أثناء حضوره اجتماعًا مغلقًا على الأرض وفقد وعيه في الخامس من أكتوبر 2013.
وفي سبتمبر الماضي 2014، دخل أول مرشد أعلى للثورة الإيرانية -بعد المرشد المؤسس للثورة “آية الله الخميني”- المستشفي للعلاج، وبعد الجدل حول صحته حرصت الصحف الإيرانية على نشر صور له على سرير المرض، مع التأكيد أنه يتعافى من عملية جراحية في البروستاتا في مستشفى طهران.
ولكن، في فبراير الماضي أصبحت هذه الشائعات أمرًا واقعًا بسبب اختفاء خامنئي عن الظهور، وقالت صحيفة “لو فيجارو” الفرنسية نقلًا عن مصادر استخباراتية غربية تأكيدات أن مرض خامنئي بسرطان البروستاتا وصل إلى المرحلة الرابعة والأخيرة، بعد أن انتشر في جميع أنحاء جسده.
وجاء عقد مجلس خبراء القيادة في إيران جلسة مهمة أول أمس الثلاثاء، 10 مارس، قيل إنها لاختيار شخصية تتولى قيادة دفة المجلس، وبحث موضوع خلافة خامنئي في منصب المرشد الأعلى للثورة، ليطرح تساؤلات جدية عن المرشحين لمنصب المرشد وكيف سيتم اختياره في ظل الصراع الحالي بين المحافظين والإصلاحيين؟
صراع الخلافة
في كل مرة كان يختفي فيها خامنئي لمرضه ثم يظهر لدحض الشائعات حول صحّته المتدهورة، من جديد، كان الصراع المثير يشتعل بين المحافظين والإصلاحيين، وتظهر المخاوف من تدهور يطال الدولة الإيرانية؛ لأن هذه هي المرة الأولى التي سيتم فيها اختيار مرشد أعلى، ليس من قبل الأب المؤسس (الخميني)، ولكن من قبل المتصارعين أنفسهم.
ولكن، هذه المرة وفي ظل التقارير عن وفاته الوشيكة؛ لأن حالته الصحية باتت صعبة، ودخوله هذه المرة إلى المستشفى من جديد، مرتبط بالحديث عن وصول سرطان البروستاتا إلى الدرجة الرابعة والأخيرة الأخطر التي ترتبط غالبا بالوفاة، تبدو المشكلة أكبر.
فهناك من جهة صراع حالي داخلي بين خلفاء خامنئي المحتملين، وهناك من جهة ثانية، صراعات متورطة فيها إيران خارجية في ظل سعيها لاستعادة مجد الإمبراطورية الإيرانية الفارسية القديمة مصبوغة بمسحة طائفية، ما جعلها متورطة عسكريًا في اليمن والعراق وسوريا، فضلًا عن اشتباكها في مفاوضات ساخنة مع الدول الغربية في مفاوضات حول النووي الإيراني، وكلها قضايا تحتاج قيادة قوية من “الولي الفقيه” أو المرشد الأعلى الذي يقود البلاد ويجمع بين الخبرة الدينية والسياسية بحسب شروط الدستور.
ورغم أن الدستور يحدّد الإجراء الرسمي لانتخاب مرشد جديد للثورة، حيث يتم انتخاب المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء “المنتخب من قبل الشعب”، إلا أن المراقبين يخشون أن تؤثر الصراعات الحالية على تعيين وريث لخامنئي، بحيث يكون اختياره تغلب عليه علاقاته السياسية، أكثر من سموّه الديني.
فهناك من يدعمون مرشحًا إصلاحيًا مثل رفسنجاني، ولكن هناك بالمقابل من يؤكدون أن من ترشح لهذا المنصب الرفيع، يجب أن يكون قريبًا من الحرس الثوري الذي يكون له دور كبير في اختيار المرشد الجديد.
المرشحون الخمسة
بحسب الدستور الإيراني، فإن مجلس خبراء القيادة، وهو هيئة منتخبة من 86 عضوًا، هو الذي يقرر من سيكون المرشد القادم للجمهورية الإسلامية، والمجلس مسؤول أيضًا عن الإعلان عن إعلان “عجز” أو إقالة المرشد الأعلى الذي لا يستطيع القيام بواجباته.
ومن الممكن أن يقوم المجلس ورئيسه بدور المرشد الأعلى حتى انتخاب خلف له في حالة وفاته أو عجزه، ولكن المشكلة هي أنه لم يتم اختبار هذا الإجراء الرسمي أبدًا من قبل؛ إذ إن خامنئي، الذي يحكم منذ 25 عامًا في إيران، هو المرشد الأعلى الأول والوحيد الذي تم تعيينه بعد وفاة آية الله الخميني، الذي كان هو من عيّن خامنئي كخلف له، ولهذا تدور مخاوف من مشكلات قد تصاحب تنفيذ هذه التجربة للمرة الأولى.
ويمكن الحديث هنا عن خمسة مرشحين محتملين لخلافة خامنئي سوف يترتب على تعيين كل منهم حسم العديد من المخاوف مثل صراع الخلافة وصراع التعاون مع الغرب في اتفاق نووي فضلًا عن استمرار الخطط الإيرانية للتوسع والتمدد الشيعي الدائرة حاليًا، ولو أن هناك من يرى من الخبراء في الشأن الإيراني أن وقف سياسة التدخلات الإيرانية في البلاد العربية، مستبعد باعتبار أن سياسة تصدير الثورة إلى بلاد المنطقة وتوسيع النفوذ ركن في السياسات الإيرانية سواء في العهد الملكي السابق أو الجمهوري الحالي.
المرشح الأول: هاشمي شاهرودي
وهو أبرز المرشحين، حيث يتولى منصب رئيس مؤقت لمجلس خبراء القيادة ومن المحتمل انتخابه كرئيس دائم، ووُلد شاهرودي في العراق، ودرس في المدينة الشيعية المقدسة النجف، وبرز في السياسة الإيرانية عندما تم تعيينه رئيسًا للقضاء. ويعتبر في رأي كثيرين “وسطيًا محافظًا، ولكنه ليس متطرفًا“.
ويُعتبر شاهرودي أيضًا واحدًا من أثرى الناس في إيران، حيث صنع ثروته من خلال استيراد السلع، ويوصف نمط حياته بأنه بعيد عن التقشف، وتؤهله دراساته الكثيرة والأصيلة من الناحية الدينية وقربه من الحرس الثوري في الوصول لهذا المنصب بحكم الدعم السياسي المطلوب له.
ولكن، البعض يعتبر اختياره مرشدًا أعلى احتمالًا ضعيفًا؛ بسبب جنسية شاهرودي العراقية وأنه من مواليد النجف؛ لذلك توجد أصوات كثيرة تخالف توليه المنصب.
المرشح الثاني: هاشمي رفسنجاني
وهو مرشح على منصب رئيس مجلس خبراء القيادة أو منصب المرشد الأعلى، ويؤهله أنه تولى سابقًا منصب الرئيس الإيراني ورئيس مجلس خبراء القيادة، كما أنه يترأس اليوم “لجنة دراسة مصالح البلاد”، وهي هيئة ذات أهمية وتأثير على عمليات التشريع وتشكيل السياسات.
ويميل رفسنجاني، الذي تصل ثروته إلى نحو مليار دولار والذي تولى كرئيس لفترتين، للتيار الإصلاحي، وسبق له أن انتقد خامنئي علنًا، كما شبه رفسنجاني جناح المحافظين الذي يعرقل التوصل لتسوية حول ملف إيران النووي، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد أثارت هذه التصريحات ضجة واسعة في البرلمان الإيراني وفي أروقة المؤسسات التابعة للجناح المحافظ وفي الصحافة الإيرانية.
وقد ترشح رفسنجاني، البالغ من العمر 81 عامًا، في الانتخابات الأخيرة للرئاسة ولكن تم إلغاء ترشحه بسبب سنه، وفي أعقاب ذلك، شجع أنصاره على نقل تأييدهم إلى حسن روحاني، الذي تم انتخابه فعلًا في نهاية المطاف ما يؤشر لنفوذه القوي في الحكم.
وتتمحور مخاوف المحافظين المناهضين لرفسنجاني بالأساس حول إمكانية تولي رفسنجاني، الذي يسيطر على مجلس تشخيص مصلحة النظام، منصب القائد الأعلى في حالة وفاة علي خامنئي، ويروج بعضهم أن هذا سيتسبب في ثورة عارمة لدى المحافظين، الذين أعلنوا عن استيائهم في مناسبات عدة من العلاقات الوثيقة التي تربط رفسنجاني بالإصلاحيين، وعلى رأسهم حسن روحاني، الذي حظي بدعم رفسنجاني بقوة في الانتخابات الرئاسية الماضية.
وسبق أن دعم مجلس خبراء القيادة هاشمي رفسنجاني، ووجهت مجموعة من أعضاء المجلس البالغ عددهم 86 عضوًا رسالة إلى رفسنجاني، طالبوه فيها بترشيح نفسه لهذا المنصب المهم في هذه المرحلة الحرجة من عمر النظام.
وخوفًا من ترشح رفسنجاني لهذا المنصب، شنّ المحافظون هجومًا واسعًا وشرسًا عليه في الصحف الموالية لخامنئي، واتهموه بـ “دعم الفتنة التي استهدفت النظام“، في إشارة إلى المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009، عقب ما قالوا إنه تم “تزويرها لصالح الرئيس السابق أحمدي نجاد“.
ويعتقد المحافظون داخل أروقة النظام الإيراني، أن تقارب الرئيس حسن روحاني مع الغرب يحمل في طياته تحييدًا لدورهم في أزمة الملف النووي، وهو ما يعني أنه لو فاز إصلاحي فسوف يتم تمرير الاتفاق، وسيحدث العكس لو فاز محافظ بمنصب المرشد الأعلى.
إذ إن آية الله علي خامنئي لعب دورًا هامًا في بناء القدرات النووية وتوسيع مشاريع البنية التحتية المرتبطة بها منذ البداية، ودعم خطوة الانفتاح على الغرب التي اتخذها روحاني مؤخرًا؛ إلا أن دوائر المتشددين داخل النظام مازالت تعتمد عليه في عرقلة أي اتفاق قد يؤدي إلى تحقيق مكاسب للغرب أكثر مما ينبغي.
ويذهب محللون إلى أنه في حالة وفاة خامنئي وتولي رفسنجاني المنصب، فإنه من المحتمل أن يؤسس تحالفًا أو ائتلافًا إصلاحيًا مع روحاني، قد يؤدي إلى إعادة هيكلة البنية المحافظة التي يقوم عليها النظام في إيران ككل.
المرشح الثالث: صادق لاريجاني
وهو يترأس القضاء، ورغم أن لاريجاني يُعتبر في مستوى رفيع بين آيات الله، وله حظ معقول ليصبح المرشد الأعلى بسبب علاقاته القوية بالحرس الثوري، ولكنه يُعتبر فقيهًا شابًا وأقل خبرة من رفسنجاني ومن شاهرودي، ولكن في المقابل، فهو من عائلة مهمة لكونه نجل الفقيه المعروف هاشم أمولي، وأحد أشقائه هو علي لاريجاني، رئيس البرلمان والذي كان في الماضي قائدًا للحرس الثوري.
ولديه شقيق آخر، وهو جواد لاريجاني، الذي كان يرأس معهد الدراسات التابع للبرلمان الإيراني، ويتولى منصب المستشار السياسي لخامنئي ولديه ارتباط بالحرس الثوري أيضًا.
ويُعتبر صادق لاريجاني، مثل شقيقه علي، أحد المحافظين المتطرفين في الحكومة الإيرانية وممن تمسك بمواقف خامنئي في كل ما يتعلق بالحفاظ الصارم على كل قيم الثورة التقليدية.
المرشح الرابع: مصباح اليزدي
وهناك حظوط أيضًا للفقيه محمد تقي مصباح اليزدي الذي يحتمل أن يترشح هو أيضًا لمنصب المرشد الأعلى، وهو محسوب على التيار المحافظ اليميني الذي يرهب في كثير من الأحيان ليس فقط الإصلاحيين وإنما أيضًا التيارات المحافظة وسط الخارطة السياسية.
ويرى البعض أن هناك احتمالًا لاختيار رجل الدين المتشدد مصباح يزدي؛ لأنه معروف بولائه الكامل للحرس الثوري وداعم له، ويتوقع أن يكون للحرس الدور الأكبر في حال حصل يزدي على المنصب.
المرشح الخامس: مجتبى خامنئي
وهو الابن الثاني للمرشد الحالي علي خامنئي، ولكن هناك شك أن يحظى بالتأييد لكونه صغيرًا جدًا (45 عامًا) وبسبب عدم اكتمال تعليمه الديني، فرغم أن خامنئي الابن يدرس أصول الدين؛ إلا أن قوته تنبع من العلاقات الوثيقة التي تربطه بالحرس الثوري، وبسيطرته على قوات الباسيج (قوات المتطوعين في الحرس الثوري).
ولكن، البعض يعتبر أنه في الحقيقة هو صانع القرار في مكتب والده المرشد، ولكنه يوصف أيضًا في بعض الدوائر الإيرانية باعتباره “رئيس المافيا”، ومرتبط بالكثير من الصفقات الاقتصادية التي يقوم بها الحرس الثوري.
وفقًا لبعض التقارير في إيران، فقد ترأس مجتبى حملة أدت إلى انتخاب محمود أحمدي نجاد عام 2009، وقبيل نهاية ولايته، اتهم أحمدي نجاد بالاختلاس من أموال الدولة.
ويرى البعض أن فرصه ضعفت بعد المظاهرات التي خرجت عام 2009، شملت طهران ومدنًا أخرى، وكان أبرز الشعارات التي رفعت فيها تندد بديكتاتورية خامنئي ومحاولته توريث ابنه، وكان لتلك المظاهرات دور في إجبار النظام على إخفاء محاولات من يسعون إلى تهيئة نجل خامنئي لوراثة أبيه في منصب المرشد الأعلى، بعد وفاته أو حتى خلال حياته.
ويبقى السؤال: هل ستختار النخب الدينية والسياسية والعسكرية، مرشدًا ينتمي لهذا التيار أو ذلك، بحيث يكون من السهل عليهم العمل معه، ويتعزز بذلك نفوذهم، أم سيختارون مرشدًا وسطًا يجمع بين التيارين، ليضمن بذلك تيار مركزي واحد تحقيق التوازن وقيادة إيران في هذا التوقيت الزمني الحرج، الذي تواجه فيه تحديات خارجية قد تعصب بها، أو تزيد مكاسبها الإقليمية.
كيف ينظم الدستور الإيراني الخلافة؟
تنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمة تؤول إلى أعدل، وأعلم، وأتقى رجل في الأمة، ليدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107) من الدستور، ونصت المادة نفسها على تساوي المرشد مع عامة الشعب أمام القانون.
ومؤهلات المرشد هي: العلم، والعدالة، والمروءة، والفقه الواسع بظروف العصر، والشجاعة، والفطنة، والذكاء، والقدرة على إدارة الأمور.
ويحظى الولي الفقيه الذي تطلق عليه الصحافة العربية مسمى “المرشد الأعلى” بصلاحيات دستورية واسعة، بدءًا من القيادة العامة للقوات المسلحة، وتعيين رئيس السلطة القضائية، والمصادقة على صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتخابه، وتعيين رئيس مجلس صيانة الدستور، ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام. كما يحق له إلغاء قرارات البرلمان وإعلان الحرب والسلم، فهذه الصلاحيات في مجملها تجعل غياب المرشد يحدث فراغًا في غاية الدقة والحساسية في إيران.
ويتم انتخاب المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء “المنتخب من قبل الشعب”، وكان الخميني أول من أنيطت به ولاية الفقيه إلى أن توفي عام 1989، فتولى المرشد الحالي علي خامنئي هذا المنصب.
وينسق “مكتب المرشد الأعلى” نشاط الولي الفقيه وظهوره أمام الناس، وهو مكون من أربعة أعضاء، يشترط أن يكون كل منهم “حجة الإسلام” أو “آية الله”.
وللمرشد الأعلى أكثر من ألفي ممثل، أغلبهم برتبة حجة الإسلام، ينتشرون في كل الوزارات وفي مؤسسات الدولة، وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها، وفي محافظات إيران الثماني والعشرين.
ويمكن لمجلس الخبراء -دستوريًا- أن يعزل القائد من مهامه في إحدى الحالتين التاليتين: في حال عجزه عن أداء واجباته الدستورية، وفي حال فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) و(109) من الدستور، أو إذا تبين أنه لا يملك تلك الصفة من الأساس.
التقرير