مدينة الموصل بموقعها الاستراتيجي تظل مغرية للقوى الإقليمية المحيطة بالعراق، والتي تريد أن يكون لها دور فيها خلال مرحلة ما بعد داعش، وهو ما شرعت إيران فعليا بالعمل عليه متّخذة من ملف إعادة الإعمار مدخلا لذلك، رغم أنّ طهران نفسها متهمة بالمساهمة في تدمير المدينة. فوفق تقارير إعلامية ومنظمات حقوقية فقد دمرت الحرب بالموصل 63 دار عبادة بين مسجد وكنيسة، غالبيتها تاريخية، و308 مدراس، و12 معهدًا، وجامعة الموصل وكلياتها. كما تم تدمير 11 ألف منزل، و4 محطات كهرباء، و6 محطات للمياه، و212 معملًا وورشة، و29 فندقا، ومعامل للغزل والنسيج والكبريت والإسمنت والحديد، ودائرة البريد والاتصالات.وشمل التدمير أيضا 9 مستشفيات و76 مركزا صحيا، ومعمل أدوية، وفق المنظمات والنشطاء، وقدرت المصادر نسبة التدمير في الموصل بنحو 80%، فيما ينتظر أن تصدر الإحصائيات الرسمية خلال الأيام المقبلة.
وفي سياق إعادة إعمار مدينة الموصل، أعلن وزیر الصناعة والمناجم والتجارة “محمد رضا نعمت زاده في 16 تموز/يوليو الحالي”، استعداد إيران لتطویر التعاون مع العراق سیما اعادة اعمار مدینة الموصل التی دمرتها الحرب. وصرح بان ایران تمتلك خبرات جیدة فی مجال انشاء الاحیاء الصناعیة ومستعدة لوضع هذه الخبرات بتصرف الجانب العراقی. واشار الي ان العراق بحاجة الي أعادة الاعمار والتطویر سیما فی القطاعات الهندسیة والبناء، وإيران مستعدة لدعم العراق فی مجال انشاء البنیة التحتیة سیما مد شبكات الماء والكهرباء وبناء الارصفة البحریة والمنشآت العامة والرفاهیة وغیرها. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ما هدف إعلان إيران عن نيتها في المساهمة في إعادة إعمار الموصل؟.
يرى مراقبون متابعين للشأن العراقي إنّ إيران شديدة القلق على مستقبل نفوذها في المنطقة وأنها تنظر بعين الريبة إلى الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق وسوريا، والتي بات الحضور العسكري الأميركي في البلدين أحد أبرز سماتها، وأنها تود تثبيت حضورها الاقتصادي”إعادة الإعمار” والعسكري”الحشد الشعبي”لتعطيل أي محاولات دولية لتقويض نفوذها في المنطقة. لذلك أعلنت عن استعدادها للمشاركة في جهود إعادة إعمار الموصل التي هي “مجرّد مزايدة الهدف منها تهدئة خواطر الموصليين المشحونين بالغضب من إيران ومن الطبقة السياسية العراقية الموالية لها، كون تلك الطبقة هي من سهّلت دخول داعش للمدينة في حزيران/يونيو سنة 2014، وهي ذاتها التي قادت حرب استعادتها من التنظيم بذلك الأسلوب التدميري الأقرب إلى الانتقام”.
واعتبروا، أنّ أي دور لإيران في الموصل في مرحلة ما بعد داعش سيكون مرفوضا، وأنّ محاولة فرض ذلك الدور من قبل حكومة بغداد سيكون عامل تعطيل لجهود إعادة الأمن والاستقرار للمدينة. ويرى مراقبون أيضَا أن ايران تريد المشاركة في اعادة اعمار العراق تمهيدا لدور أكبر لمستقبل ميليشياتها في العراق وضمان تموقعهم على الساحة. واكد هؤلاء أن ايران تبحث عن توسيع نفوذها في العراق عبر سيطرة اتباعها على المحافظات المحررة. فالموصل هي المدخل لتمدد النفوذ الشيعي في المنطقة، وإعادة تركيبة الديموغرافيا العراقية بتقليص الوجود السني شمالي العراق.
تعد عملية إعادة الإعمار وتنشيط الدورة الاقتصادية في المناطق المتضرّرة من الحرب جزءا أساسيا مكمّلا للجهد العسكري في بسط الأمن والاستقرار، لكن العراق المنهك اقتصاديا وماليا جرّاء تراجع أسعار النفط واستشراء الفساد وثقل فاتورة الحرب، سيصطدم بقلّة الإمكانيات الضرورية لذلك، ما يجعل الأنظار تتجه إلى دول عربية غنية للمساهمة بفعالية في إعادة إعمار البلد، الأمر الذي سيكون أفضل بوابة لتصويب المسار غير السوي الذي اتخذته علاقة العراق بمحيطه العربي، حيث سيمثّل فرصة لإعادة ربط البلد بالدول العربية بعد فترة من ارتباطه الكبير بإيران عن طريق الطبقة السياسية الممسكة بمقاليد الحكم في بغداد.
ويجزم الخبراء الاقتصاديون أنّه لن يكون بإمكان إيران التي تعرف بدورها مصاعب اقتصادية ومالية جرّاء العقوبات المفروضة عليها، مجاراة بلدان عربية مثل المملكة العربية السعودية في تقديم دعم مادي للعراق إذا اتجهت الرياض إلى الانخراط بقوّة في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب على داعش.وتلوح مرحلة ما بعد داعش في الموصل صعبة، ومثيرة للقلق نظرا للخلافات العميقة حول الطريقة المثلى لإدارة محافظة نينوى بطريقة تجنّبها الوقوع مجدّدا في مطبّ الانهيار الأمني.
وبعد مشاركة الحشد الشعبي في استعراض عسكري أطلق عليه اسم “التحرير والنصر” وسط العاصمة العراقية بغداد جنبا إلى جنب مع تشكيلات عسكرية وأمنية في وزارتي الدفاع والداخلية. تبدو مصالح إيران في المنطقة، ما بعد حسم معركة الموصل، مرشحة للتعاظم. تسعى إيران لرسم خريطة المنطقة المقبلة حيث تقترب عن طريق مشاركة مستشاري الحرس الثوري مع قوات «الحشد الشعبي» من إكمال تمددها نحو الحدود الدولية بين العراق وسوريا. إذ يأتي تحركها حيال مدينة الموصل، كجزء من إستراتيجية متكاملة الأدوار على الصعيدين الإقليمي، وتهدف من خلاله إلى تقوية أدوات فعلها الخارجي من خلال عناصرها غير دولتية المقاتلة على الساحة العراقية، والدولي من خلال تقوية موقفها التفاوضي حيال القوى الكبرى، ليس فما يتعلق ببرنامجها النووي فحسب ، وإنما فيما يتعلق بنفوذها وثقلها في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية