ورأى مراقبون أن أي خطوات تصعيدية أخرى ستزيد الأزمة تعقيدا وتكبد جميع الأطراف خسائر اقتصادية، في وقت تشهد الساحة العراقية تحركات سريعة لاحتواء هذه الأزمة.
لكن متابعين آخرين يعتقدون أن ما اتخذته حكومة بغداد كان موافقا للصلاحيات الدستورية، دون أن ينفي ذلك رغبة بغداد في عدم التصعيد.
وفي هذا الصدد عبر عضو مفوضية كردستان للانتخابات والاستفتاء جوتيار عقراوي عن اعتقاده بأنه كلما زادت حدة الإجراءات بحق إقليم كردستان، كسب الإقليم تعاطفا دوليا أوسع، وارتفع منسوب إصرار القيادات الكردية على المضي نحو خيار الانفصال.
وقال للجزيرة نت إن أي “إجراءات عقابية بحق كردستان العراق في المستقبل ستظهر أمام المجتمع الدولي على أنها خطوات تعسفية”.
وأضاف أن ذلك لن يكون في صالح بغداد بقدر ما سيعمق من الأزمة، في وقت تشهد الساحة السياسية حراكا على مستوى القيادات السنية لدفع هذه الأزمة نحو الحل.
وبخصوص الموقف التركي، أكد عقراوي أن العلاقات بين أنقرة وأربيل كانت ولا تزال قائمة، رغم ما تلوح به تركيا من إمكانية اتخاذ خطوات تصعيدية بحق الإقليم.
مصالح
وقال عقراوي إن تركيا قد تتخذ بعض الإجراءات لكن ليس إلى حد قطع علاقاتها مع إقليم كردستان لما يمثله هذا الأخير من مصلحة اقتصادية وتجارية للجانب التركي.
ولفت إلى أن حجم التجارة بين أنقرة وأربيل يفوق 9 مليارات دولار سنويا، بجانب وجود نحو ثلاثة آلاف شركة تركية على أراضي إقليم كردستان، وهي أرقام ستجعل تركيا تفكر أكثر من مرة قبل اتخاذ أي خطوة تصعيدية.
أما الطرف الإيراني فيعتقد عقراوي أنه سيلعب بورقة بغداد لتمرير أي إجراءات قد يرى أنها مناسبة لثني قيادات إقليم كردستان عن الاستمرار في مسار الانفصال.
وقال إن طهران ستستمر في علاقاتها التجارية مع أربيل بالموازاة مع استمرار لغة التهديد، وبرر ذلك بكون حجم المبادلات بين الطرفين تقدر بـ4 إلى 5 مليارات ولار في السنة، بالإضافة إلى كون الإقليم يمثل سوقا استهلاكية كبيرة للشركات الإيرانية.
من جانبه اعتبر الأستاذ بجامعة صلاح الدين في أربيل عبد الحكيم خسرو أن من الصعوبة جدا أن تنتقل بغداد أو أنقرة أو طهران إلى خطوات أكثر تعقيدا في تحديد مستقبل العلاقة الاقتصادية والتجارية مع إقليم كردستان.
وقال للجزيرة نت إن هناك العديد من العوامل التي تجعل الوضع أكثر تعقيدا، حيث إن الإقليم يستقبل أكثر من ثلاثة ملايين نازح، بينهم ثلاثمئة ألف سوري، لذلك فإن الأمم المتحدة الراعية لتقديم المساعدات الإنسانية ستمنع أي شكل من أشكال الحصار الاقتصادي، لما لهذا الأمر من انعكاسات سلبية على تدفق المواد الغذائية وعلى أسعارها في الأسواق.
خسائر
وأضاف خسرو أن تركيا إذا أقدمت على غلق الحدود مع الإقليم فإنها ستكون الخاسر الأكبر، لأن تجارتها مع هذا الإقليم تقدر بـ14 مليار دولار سنويا، مشيرا إلى أن 60% من هذه التجارة تدخل الإقليم، بينما تنفذ 40% الأخرى من هناك نحو مناطق عراقية أخرى.
كما أوضح أن أي تحرك من جانب أنقرة لقطع إمدادات النفط من الإقليم عبر الحدود التركية سيؤثر على الموقف الروسي الذي يحضر بقوة عبر شركة روسنفت، وهو ما لن تجازف به القيادة التركية.
ويقدر خبراء صادرات إقليم كردستان من النفط بنحو 550 ألف برميل نفط في اليوم تذر عليه نحو 11 مليار دولار.
بالمقابل يرى أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ السياسي للعراق المعاصر مؤيد الونداوي أن فرض بغداد حظرا جويا على الرحلات الدولية من وإلى إقليم كردستان جاء منسجما مع الصلاحيات الدستورية الممنوحة للحكومة، لذلك لا يمكن وصفها بكونها “عقوبات”.
وقال للجزيرة نت إن هذا الإجراء جاء عقب رفض قيادة الإقليم تسليم مطاري أربيل والسليمانية للحكومة العراقية.
وأضاف أن حكومة أربيل ولسنوات طويلة لم تقدم كشوفات بالضرائب المستخلصة من المسافرين والتجار عبر منافذ الإقليم، كما أنها كانت تصدر تأشيرات دخول لعدد من الفئات، بينما هي عملية في واقع الأمر من اختصاصات الحكومة المركزية.
لا حصار
ولفت الونداوي أيضا إلى أن تعليمات الحكومة العراقية للبنك المركزي بوقف التعاملات المالية الخارجية لبعض المصارف في الإقليم، نابعة من أن هذه المصارف لا ترغب في أن تعمل تحت رقابة “المركزي العراقي”.
كما لفت إلى أن الحكومة العراقية لم تتخذ أي إجراء بحق الشعب الكردي، حيث ظلت المنافذ الداخلية التي تربط الإقليم وباقي مناطق العراق مفتوحة، بجانب استمرار المنافذ الرئيسية للإقليم مع كل من تركيا وإيران، وتسيير الرحلات المحلية وكذا الرحلات الخارجية، لكن عبر مطارات أخرى غير مطاري أربيل والسليمانية.
ورأى في ضوء ذلك أن المشكلة بين بغداد وأربيل لا تزال في بدايتها، معبرا عن أمله بأن تجد طريقها إلى الحل.
وقال الونداوي إن “الحل قادم ما دامت بغداد تصر على عدم التصعيد”، وأضاف أن الإيرانيين والأتراك لا يزالون عند لغة التهديد ولم يذهبوا بعد إلى التطبيق على أرض الواقع.
محمد أفزاز
الجزيرة