قضت المحكمة الاتحادية العليا في بغداد، أمس، بعدم دستورية الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، وقررت إلغاء الآثار والنتائج المرتبة عليه كافة. ورأى مراقبون أن القرار يقدم مخرجاً للطرفين لبدء الحوار.
ورحبت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بالحكم، ودعت الجميع إلى «احترام الدستور والعمل تحت سقفه في حل جميع المسائل الخلافية وتجنب اتخاذ أي خطوة مخالفة للدستور والقانون»، معتبرة أن القرار «جاء معززاً لموقف الحكومة الدستوري في بسط السلطة الاتحادية ورفض الاستفتاء وعدم التعامل معه».
غير أن رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني اعتبر أن قرار المحكمة الاتحادية «صدر من طرف واحد». وقال في مؤتمر صحافي عقده في أربيل أمس، إن «استقرار العراق يتحقق بتطبيق الدستور بكامل فقراته وليس بانتقائية». وأضاف أن «قرار المحكمة الاتحادية صدر بغياب الطرف المعني، وهو ممثل عن حكومة الإقليم، ومع ذلك فإن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة ولا يمكن تمييزها، ونعتقد أن المكتسبات المتحققة للشعب الكردي في الدستور العراقي لا يمكن المس بها، وعليه إذا التزم الجميع بهذا الدستور، فإن جميع الخلافات والمشكلات بين أربيل وبغداد ستحل».
وعقدت المحكمة الاتحادية العليا، أمس، جلستها برئاسة رئيسها القاضي مدحت المحمود وحضور أعضائها كافة، ونظرت في دعاوى الطعن بعدم دستورية الاستفتاء المرفوعة ضد رئيس إقليم كردستان المستقيل مسعود بارزاني ومحافظ كركوك السابق نجم الدين كريم، من قبل الأمين العام لحزب «الوفاء الوطني» ونائبين تركمانيين، إضافة إلى دعوى تقدم بها نائبان عن «ائتلاف دولة القانون»، وأخرى حرّكتها برلمانية مستقلة.
واعتبرت المحكمة أن قرار الاستفتاء «لا سند له من الدستور ومخالف لأحكامه، واستناداً إلى أحكام الفقرة الثالثة من المادة 93 من الدستور، قررت (المحكمة) الحكم بعدم دستورية الاستفتاء في إقليم كردستان والمناطق الأخرى التي شملها». وأكدت «إلغاء آثار الاستفتاء والنتائج المترتبة عليه كافة، وتحميل المدعى عليهم، إضافة إلى وظائفهم، المصاريف وأتعاب المحاماة وأتعاب وكلاء المدعين في الدعاوى الأربع».
وقال الناطق باسم المحكمة الاتحادية إياس الساموك، إن المحكمة «وجدت أن المراد من الاستفتاء استقلال إقليم كردستان والمناطق المشمولة به خارج الإقليم عن العراق، وإنشاء دولة مستقلة خارج النظام الاتحادي لجمهورية العراق الذي نصت عليه المادة 116 من الدستور والمتكون من العاصمة والأقاليم والمحافظات اللامركزية والإدارات المحلية».
وأشار إلى أن «الأمر الإقليمي المنوّه عنه آنفاً» يتعارض مع أحكام المادة الأولى من الدستور التي تنص على أن جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق. وأكد أن «قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة، استناداً إلى المادة 94 من الدستور».
وانتقد رئيس الإقليم المستقيل مسعود بارزاني قرار المحكمة الاتحادية، معتبراً أنها «محكمة سياسية لم تقرر قراراً يظهر حيادها». وقال في رسالة وزعها مكتبه، مساء أمس، إن «قرارات ومواقف وصمت المحكمة في المرحلة السابقة تثير الكثير من الأسئلة الدستورية والقانونية بخصوص قرار عدم دستورية الاستفتاء».
ورأى أن المحكمة «قامت بتفسير النصوص الدستورية وفق رغبات بعض الجهات السياسية، لذلك أصدرت قراراً أحادياً وسياسياً، وتغاضت عن خرق 55 مادة دستورية من قبل الحكومة العراقية… تلك الخروقات التي شجعت شعب كردستان، استناداً إلى الدستور وحقوقه الطبيعية والقانونية، على أن يتوجه بشكل سلمي وديمقراطي لممارسة حقه الطبيعي». وأضاف أنه «من الضروري أن تدرك كل الأطراف عدم وجود مسوغات قانونية ودستورية لوصف أصوات 3 ملايين إنسان بغير الدستورية، لأن صوت الشعب مصدر الشرعية والدستور والقانون».
لكن رغم المواقف الكردية الرافضة لحكم المحكمة، إلا أن مراقبين يرون أن من شأن القرار المساهمة في حلحلة الأزمة بين بغداد وأربيل، لجهة أن القرار سيرضي حكومة بغداد المطالبة بإلغاء الاستفتاء ونتائجه من جهة، ويعطي مخرجاً مناسباً لحكومة إقليم كردستان يرفع عنها الحرج الذي قد تتعرض له أمام مواطنيها في حال أعلنت إلغاء الاستفتاء.
وكان مصدر قانوني كردي توقع في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أول من أمس، إلغاء الاستفتاء بقرار من المحكمة الاتحادية استناداً إلى «نوع من الاتفاق» جرى بين السلطتين الاتحادية والإقليمية للخروج من الأزمة عبر تحويل الأمر إلى المحكمة، ما يهيئ الأجواء للشروع بالمفاوضات بعد تلبية مطالب بغداد.
واعتبر النائب عن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الحاكم في الإقليم فارس البريفكاني، أن «القرار الصادر من المحكمة الاتحادية يفتح باب الحوار الجدي بين بغداد وأربيل». وأشار في تصريحات صحافية إلى أن «القرار ملزم لسلطات إقليم كردستان».
إلى ذلك، طالبت حكومة إقليم كردستان، أمس، المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة الاتحادية لإلغاء القيود التي فرضتها على الإقليم، خصوصاً قرار حظر الرحلات الجوية الدولية، مشددة على أن هذه القيود «أثرت بشكل مباشر على حياة مواطني الإقليم والنازحين العراقيين الموجودين فيه». ووصف بيان لحكومة الإقليم إجراءات بغداد بـ«العقوبات الجماعية»، واعتبرها «انتهاكاً لالتزامات العراق بموجب القانون الدولي والإنساني».
وأضاف البيان أن «إغلاق مطاري الإقليم يؤثر بشكل كبير في حركة الكوادر المختصة بتقديم المساعدة لأكثر من مليون ونصف المليون نازح، ومع اقتراب فصل الشتاء سيحرم هؤلاء النازحون من الإمدادات الضرورية والرعاية التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وغيرها من المنظمات الدولية».
ودعت المجتمع الدولي إلى «التدخل من أجل حث بغداد على رفع حظر الرحلات الجوية الدولية من دون شروط، وإنهاء العقوبات الجماعية الأخرى لتقليل الآثار السلبية على الخدمات الإنسانية والصحية والتعليمية والأمن الغذائي ومواجهة الإرهاب».
الشرق الاوسط