د. سليم محمد الزعنون*
رغم عدم وجود رغبة لدى جميع الأطراف في التصعيد، قد يشهد عام 2018 حرباً على واحدة من ثلاث جبهات (سوريا، ولبنان، وقطاع غزة)، على اعتبار أن عدم استقرار الوضع في الجبهات الثلاثة قد يؤدي لتصاعد الأحداث وصولاً إلى المواجهة، ويتمثل المُدخل الجديد في “تعزيز” الإنسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط، فبينما ارتفعت التوقعات مع انتخاب “ترامب” للعودة إلى المنطقة، تؤشر الممارسة العملية للإدارة الأمريكية إلى تعزيز الانسحاب مقابل التركيز على آسيا، والصعود الصيني، ومواجهة كوريا الشمالية، وفي حال اندلاع مواجهة عسكرية مع “بيونغ يانغ” سوف تنعكس بشكل عام على دول المنطقة، بحيث تكون الولايات المتحدة ملتزمة بالتركيز على ما يجري هناك، ولن يكون لديها متسعاً للخوض العميق في إشكاليات المنطقة، ولن تكون إسرائيل بمعزل عن ذلك في حال اندلاع مواجهة على إحدى الجبهات الثلاثة.
أولاً: الجبهة الشماليه.
خلافاً لتقديرات مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي لعام 2017 والتي أشارت إلى وجود احتمال ضئيل لاندلاع حرب تكون إسرائيل ضالعة فيها، فإن تقديرات المركز، والعديد من المحللين الإسرائيلين للشئون الأمنية والعسكرية تُشير إلى تصاعد احتمالات اندلاع الحرب خلال العام 2018 على الجبهة الشمالية تشترك فيها إيران وسوريا ولبنان.
ويعزز هذا الاحتمال مجموعة من العوامل المتراكمة، فطهران تعمل جادة على تعزيز تواجدها في سوريا بالقرب من الحدود مع إسرائيل “هضبة الجولان”، وفي ذات السياق أنشأت قاعدتين عسكريتين في سوريا، الأولى في مدينة “الكسوة” قرب دمشق، والثانية بحرية في ميناء اللاذقية، ويؤشر توجيه إسرائيل ضربة للقاعدة الإيرانية في مدينة “الكسوة” إلى الانتقال من مرحلة التهديد والإنذار إلى مرحلة العمليات، وأن إسرائيل جادة بعدم السماح لإيران بترسيخ تواجدها في المنطقة، حتى لو كان ذلك ينطوي على تصعيد عسكري.
ويُشكل قيام إيران ببناء منظومة صواريخ أرض – أرض موجهة في سوريا ولبنان، تهديداً للجبهة الداخلية الإسرائيلية من الجبهات الثلاثة بواسطة وكلائها، إلى جانب ذلك سيطرة النظام السوري على مساحات كبيرة، يمنح حزب الله طريقاً برياً آخر إلى لبنان، يُمكنه من نقل الأسلحة والعتاد، وتقوم إسرائيل بعمليات مستمرة لاستهداف نقل العتاد لحزب الله.
أي من هذه العوامل من الممكن أن يخرج عن السيطرة في أي لحظة ويؤدي لاشتعال الجبهة الشمالية، وتحسباً لمثل هذا الاحتمال، تعمل إسرائيل بشكل استباقي للتحضير، بدءً من تكثيف التدريبات العسكرية للجيش في محاكاة لطبيعة البيئة اللبنانية والسورية، ووقعت مع الولايات المتحدة بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2017 على مذكرة تفاهم مشتركة تنص على التعاون الكامل لمواجهة البرنامج النووي، والصاروخي، والأنشطة التهديدية الأخرى لإيران، ويتضمن تَشكيل (4) مجموعات مشتركة لمواجهة مختلف جوانب التهديد الإيراني.
تتعامل الأولى مع النشاط الايراني في سوريا ودعم طهران لمنظمة حزب الله، وتعمل الثانية للتصدي لطموحات إيران النووية، وتتصدى الثالثة لبرنامج الصواريخ الباليستية والجهود الرامية إلى بناء منظومات صاروخية دقيقة في سوريا ولبنان، وتعمل الرابعة على التحضير لأي تصعيد من جانب إيران و/أو حزب الله.
ثانياً: الجبهة الجنوبية “قطاع غزة”.
منذ انتهاء حرب عام 2014 تعمل إسرائيل على تحييد الأصول الاستراتيجية “الأنفاق” لحركات المقاومة الفلسطينية، في هذا الإطار انشأت الجدار التحت أرضي على طول الحدود مع غزة المجهز بحساسات للكشف المبكر عن الانفاق، وتمكنت مؤخراً من تطوير تكنولوجي يمكنه اكتشاف الانفاق، وتم اختباره مرتين بنجاح خلال الفترة الماضية، وحسب التقديرات الإسرائيلية سيتم تحييد الانفاق بشكل كامل حتى نهاية عام 2018، إن تحييد الأصول الاستراتيجية للمقاومة الفلسطينية يضعها تحت الضغط، وربما يدفعها لاستخدام ما تبقى من منظومة الانفاق قبل أن تُفككه إسرائيل بشكل كامل.
وتؤشر تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى أن حالة الهدوء الموجوده بمثابة هدوء مخادع، فحركة حماس تواصل التخطيط لتنفيذ هجمات، وأن أي عملية تحمل في طياتها احتمالات التفجير الكبير، ويتضمن قطاع غزة مجموعة كبيرة من العوامل التي قد تدفع الاحداث باتجاه التدهور وصولاً إلى مواجهة عسكرية.
إضافة إلى أن تَعَثر المصالحة وتصريحات “يحي السنوار” عن انهيارها تؤشر إلى الخطر القادم، فتجدد الأزمة الداخلية والضائقة السياسية والاقتصادية التي ستواجه حماس في حال فشل المصالحة، من شأنه أن يدفعها إلى زاوية لا خيار فيها إلا خوض جولة عسكرية أخرى ضد إسرائيل.
يتزامن مع ذلك التشجيع الإيراني للفصائل الفلسطينية على التصعيد ضد إسرائيل بعد إعلان القدس، وبدا ذلك واضحاً في اتصال “قاسم سليماني”، وما تبعه من اطلاق صواريخ على إسرائيل، من الممكن أن تخطئ وتؤدي لاشتعال المواجهة، غير أن إستمرار موجة الاحتجاجات الحالية في إيران وعدم السيطرة عليها قد يدفعها للانكفاء لمعالجة الشأن الداخلي، وتراجع الاهتمام بالقضايا الأخرى.
الخلاصة:
حتى اللحظة فإن جميع الأطراف غير معنية بالتوجه نحو الحرب، بيدَّ أن الأحداث وحالة عدم الاستقرار في الجبهات الثلاثة قد تتطور وتتصاعد وصولاً لاندلاع الحرب، وتعتبر جبهة قطاع غزة المرشح الأول لامكانية التصعيد بوصفها تواجهة تهديدات مركبة ومعقدة سياسية واقتصادية واجتماعية، وتأتي جبهة الشمال في مرتبة ثانية من حيث تصعيد المواجهة العسكرية، ولكن في حال اشتعالها ستكون خطيرة جداً ومن المحتمل أن تتسع فتشترك فيها إيران، ويبقى الأمر مرهون بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حال اشتعال أي من الجبهات الثلاثة، فإذا ما شنت الولايات المتحدة حرباً على “بيونغ يانغ” فإن احتمال اخذ التخوفات الإسرائيلية في الحسبان، وتقديم الدعم والمساندة لإسرائيل سيكون أقل مقارنة بالحروب السابقة.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية