شذى خليل*
تعد ظاهرة البطالة في العراق مشكلة و آفة اقتصادية واجتماعية، تعطل القدرات البشرية، وفرص النمو والرفاه الاقتصادي، وتسبب العجز في البنى الاقتصادية الاجتماعية للبلد.
وازدادت خطورتها في العراق لما حل به من خراب بسبب الحروب المتواصلة ، والحصار الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات، والمحاصصة الطائفية، مما يستدعي العمل على مواجهتها ووضح الحلول التي تخفف من تأثيرها في كل مناحي الحياة ؛ للنهوض بواقعه الاقتصاد ومواكبة التطور العالمي والتكيف مع ظروف المنافسة والعولمة.
يؤكد الاقتصاديون ان للبطالة آثارا عديدة على البلدان باختلاف انظمتها الاقتصادية (الرأسمالية- الاشتراكية)، ويتفقون على انها التوقف الاجباري او الاختياري لجزء من القوة العاملة في الاقتصاد عن العمل مع وجود الرغبة والقدرة على العمل، ويقصد بالقوة العاملة الفئة القادرة والراغبة في العمل مع استبعاد الاطفال والعجزة وكبار السن، وفي معظم دول العالم تكون سن العمل محصورة بين (15- 65عاماً).
مما يترتب عليها الكثير من المشكلات الاجتماعية التي تحدث بالمجتمع محصلة لوجودها ومن هذه الآثار الجرائم والتطرف والانحراف، التي يقترن ظهورها وانتشارها مع البطالة.
وتعد البطالة زيادة القوى البشرية التي تبحث عن عمل على فرص العمل التي يوفرها المجتمع بمؤسساته المختلفة، والعاطل هو من لا عمل له وهو قادر عليه ويبحث عنه ولا يجده، والانسان العاطل عن العمل، يشعر بالتهميش الاجتماعي الذي يسبب له أضرارا اسرية واجتماعية.
وتحرص القوانين و المواثيق والاتفاقيات الدولية كافة على حق الانسان الطبيعي بضمان فرصة عمل لكن افة البطالة ضربت شرائح واسعة ومهمة في البلد ، من فئات القادرين على العمل والمؤهلين له، من مختلف الأعمار وفي المجالات والتخصصات جميعها.
ووصلت البطالة في العراق حدّاً لم يعرفه من قبل، على الرغم من ثروته النفطية الهائلة ووفرة اراضيه الزراعية.
و اكثر من عانى وما زالوا يعانون من البطالة هم خريجو الجامعات والمعاهد وذوو المؤهلات الفنية والتقنية، اذ بلغ عددهم نحو 45 الف متخرج في 2017، ويضاف اليهم اعداد السنين الماضية ممن لم يجدوا عملا ، علماً ان المقبولين في الجامعات لعام 2016/2017 بلغ 121285 طالبا، وعدد التلاميذ وطلاب المدارس قبل الجامعية بلغ حوالي 9 ملايين، والأرقام الحالية مرشحة للارتفاع.
وللبطالة انعكاس سلبي على الاقتصاد العراقي ، اذ تحدث تدنيا في معدلات الدخل، مما يؤدي الى تدهور في القدرات الشرائية، وتراجع الاقتصاد كلياً وتلكؤ التنمية، مما يعني فقدان المزيد من الوظائف وفرص العمل، وضخ افواج جديدة من العاطلين، واتساع دائرة الأزمة وتفاقم نتائجها.
والبطالة انواع منها :
* البطالة الاحتكاكية: وهي التي تتمثل بعدم ملاءمة بعض مهارات الايدي العاملة لطبيعة التقنية السائدة في وقت معين، بسبب تسارع التطور والتقدم التقني ومثل هذا النوع من البطالة يكون قصير المدى على الارجح إذ لا يستغرق سوى الوقت اللازم لإدخال هذه الفئات من الايدي العاملة في دورات تدريب مهني لإكسابها المهارات اللازمة التي تؤهلهم للانخراط مرة أخرى في النشاط الاقتصادي.
* البطالة الهيكلية: التي تعتمد على حجم التأثير الذي تتركه البطالة الاحتكاكية، فعندما تتزايد وتستديم هذه الاسباب المؤدية الى البطالة الاحتكاكية تصبح هناك بطالة هيكلية تصيب الهيكل الاقتصادي، وظهرت هذه البطالة في العراق في نهاية عقد الثمانينيات بعد نهاية الحرب مع ايران اذ تم تسريح اعداد كبيرة من القوات العسكرية التي لم يكن الاقتصاد العراقي قادراً على استيعابها مرة واحدة.
* البطالة الاجبارية: هي التي تتعلق بالأفراد العاطلين عن العمل الذين يبحثون عن العمل وبالأجر السائد ولا يجدونه ويعد هذا النوع من اشد انواع البطالة حيث تضطر اغلب الفئات الى الهجرة خارج بلدانهم للبحث عن فرص عمل لها وهناك البطالة الاختيارية التي يكون فيها الافراد مجبرين على ترك العمل، حيث توجد فرص عمل وبأجور مناسبة ولكن لا توجد لديهم الرغبة في العمل.
وظهرت خلال عقد التسعينيات مع فرض حالة الحصار على العراق وتوقف معظم قطاعاته عن العمل الامر الذي زاد من نسب البطالة ولاسيما في قطاعي النفط والزراعة وقطاع الخدمات العامة.
*البطالة المقنعة: وهي حالة تكدس عدد كبير من العاملين بشكل يفوق الحاجة الحقيقية للعمل، مما يعني وجود عمالة زائدة او فائضة انتاجها يساوي صفرا ، ويسود هذا النوع في اغلب مؤسسات القطاع العام في العراق.
البطالة في العراق بالأرقام
بحسب وزارة التخطيط 2017 بلغ عدد نفوس العراق اكثر من 37 مليون نسمة بنمو سنوي 2.61% (كان اكثر من 3%)،. اي بزيادة مقدارها 812741 مواطنا جديدا سنوياً، وحسب الامم المتحدة يعد العراق من أكثر دول العالم شباباً، وهذا يعني توافر القوة العاملة ، وان البطالة فيه تعمل على تدمير المجتمع اجتماعيا واقتصاديا ، حيث انّ نحو 59% من السكان تحت 19 عاماً، وتصيب النسبة الاعلى للبطالة الشباب (15-24عاماً) حيث ترتفع لديهم الى 18%، ولعلها اكثر من ذلك.
وتضيف الامم المتحدة ان نسبة البطالة 11% (تقديرات اخرى 16% واكثر) من قوة العمل التي تقدر بـ7.9 مليون مواطن.
وبلغ عدد العاطلين 653 الف شخص، وهي اعداد المسجلين، ولا تشمل غير المسجلين، مما سيضاعف الاعداد، فهناك فوضى في الاحصاءات والمعلومات، وعدم دقة.
وتوفر الدولة العراقية نحو 40% من العمل والباقي يوفره القطاع الخاص، لكنه مازال ليس بالمستوى المطلوب لاستيعاب من هم بسن العمل والراغبين به، وهذا يعني عدم توافر الاموال الكافية للقطاع العام بما يسمح بتنفيذ المشاريع والاستثمارات، لاستيعاب المزيد من العمالة.
ويعتمد الاقتصاد العراقي ، على القطاع النفطي الذي يعد المرتكز الرئيس والاساس لاقتصاد البلاد، ومازال الاقتصاد ريعي ، لذلك سيعجز القطاعان العام والخاص عن تحريك القطاعات الحقيقية الزراعية والصناعية والخدمية والتجارية والسياحية والاستثمارية وهي الامل الوحيد لامتصاص البطالة الحالية، واستيعاب الجديدة.
وما لم يعالج الامر بنظرة جذرية كاملة فان طريق القطاعات الحقيقية سيبقى محجوزاً، لعجز القطاع العام المالي والتنفيذي، ويجب ان يأخذ القطاع الخاص دوره الحقيقي ويتجاوز المعوقات والصعوبات والعقليات السائدة والتشريعات البالية والبيئة السلبية والاجراءات اليومية للدوائر وممثليها، والتعامل مع القطاع الخاص واصحاب المصالح بالشكل اللائق والحضاري للمشاركة في بناء البلد والقضاء على البطالة .
البطالة في كردستان
كشف تقريرٌ لمنظمة السلام والحرية بالتعاون مع منظمةِ الاغاثة الشعبية النرويجية عن بلوغ نسبة البطالة في إقليم كردستان والعراق نحو 25 % في عام 2017، وسجلت النسبة الاكبر للبطالة في اوساط خريجي المعاهد والجامعات والاعداديات، اما النسبة الاقل فسجلت في اوساط غير الحاملين للشهادات.
أسباب البطالة في العراق:
من اهم الاسباب التي ادت الى تفاقم مشكلة البطالة في العراق، وطرد رؤوس الأموال والاستثمارات الاجنبية والوطنية، عدم الاستقرار السياسي، والتدهور الامني، وانتشار الجريمة، وغياب التخطيط الاقتصادي العلمي الصحيح، والحصار والحروب، والمحاصصة والتطرف، والهجمات الارهابية لتنظيم داعش الارهابي، وتعرض البلاد الى ازمة امنية وعسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية
وتعد مشكلة البطالة في الاقتصاد العراقي من المشاكل المركبة حيث يتداخل فيها العديد من المسببات، وتمس تداعياتها الجوانب الاقتصاد والسياسة والاجتماع، ومن اسبابها:
– فشل برامج التنمية والاهتمام بالجانب الاجتماعي بالقدر المناسب وتراجع الاداء الاقتصادي، وقدرة القوانين المحفزة على الاستثمار وتوفير فرص العمل بالقدر الكافي وتراجع دور الدولة في إيجاد فرص عمل في مؤسسات الدولة والمرافق العامة وانسحابها تدريجياً من ميدان الانتاج، وضعف دور القطاع الخاص.
– الحروب التي خاضها العراق خلال العقود الثلاثة المنصرمة وما تبعها من حصار اقتصادي، وتدني مستوى الانتاج والتنمية الى ادنى مستوى وتوجيه الدخل القومي نحو متطلبات الحروب.
– نظام المحاصصة (المبني على معايير الانتماء) والمعمول به حالياً في أجهزة الدولة والذي انعكس سلباً على قوة العمل وأدى الى تفاقم أزمة البطالة وزيادة عدد العاطلين عن العمل.
– الاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد العراقي ، فهو أقرب ما يكون الى الاقتصاد الخدمي (إذا ما استبعدنا القطاع النفطي)، ذلك ان مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الاجمالي تصل الى نحو (22%)، بينما تبلغ مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الاجمالي قرابة (1.5%)، وان مساهمة القطاع الزراعي لا تتجاوز نسبة (6.5%) علماً ان مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الاجمالي تصل الى(70%) وهو قطاع لا يسهم في مكونات تشغيل قوة العمل العراقية الا بنسبة منخفضة لا تتجاوز في أفضل الاحوال (2%) منها وهذا يعني ان (98%) من قوة العمل توجد في القطاعات لا تتجاوز مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي (30%)، لذلك فان سيادة قطاع الخدمات الهامشية في مكونات النشاط الاقتصادي لها تأثيرات سلبية على تكوين سوق العمل العراقية وتركيبه، والقدرة على التوظيف والاستخدام المنتج حيث ان (50%) من العاملين في قطاع الخدمات يعملون في خدمات هامشية (ضعيفة الانتاجية) وتعد من ضمن تصنيفات البطالة في سوق العمل وحتى الدخل الذي يحصلون عليه وهو دخل هامشي (دون خط الفقر).
– السياسة التشغيلية في العراق التي ما زالت دون مستوى الدعم الذي تقدمه منظمة العمل الدولية (ILO) لتطوير الشراكة الاجتماعية في بلادنا بالصيغة التضامنية لتوسيع الانشاءات الوطنية واستقطاب رؤوس الاموال الاجنبية وخلق فرص العمل الفعالة، لتقليل الفقر ومكافحة البطالة وتطبيق برامج تأهيل وتدريب القوى العاملة، وتنشيط سوق العمل العراقي وتنويع المهارات بما ينسجم والطلب على قوى الانتاج، وتحديث تشريعات العمل الوطنية بما يتلاءم مع التجارب العالمية، ومعايير العمل الدولية.
– زيادة السكان في العراق ، عدم وجود برامج فعال لمعالجة البطالة والتحكم الايجابي بعدد الداخلين الجدد الى سوق العمل، والتقليصات في تعيين الخريجين، وتراجع التخطيط التعليمي وتدني ربط المؤسسات التعليمية بسوق العمل وعدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب البطالة مما ادى الى رفع معدلات البطالة.
– شيوع ظاهرة الفساد المالي والاداري في بعض مؤسسات الدولة مما يؤدي الى ضعف فرص التنمية وتقليص فرص العمل.
وضمن خطط الحكومة العراقية بتوجيه رئيس الوزراء حيدر العبادي في محاربة البطالة خصصت أكثر من 700 مليار دينار لدعم استراتيجية التخفيف من الفقر.
– الأعداد الكبيرة من النازحين الذين فقدوا أعمالهم وأصبحوا عاطلين على العمل فزادوا نسبة البطالة.
يتضح مما تقدم ان البطالة بكل اشكالها البشعة، هي في حقيقتها انموذج سيئ من نماذج الهدر المتعسف والمفرط للموارد البشرية الفاعلة، وهي الظاهرة السلبية الأكثر ايلاماً للفرد وللمجتمع وللدولة على السواء، وهو ما يضعها في مكان الصدارة من جميع البرامج والخطط الوطنية، وتفعيل دور القطاع الخاص، والتسريع في عمليات إعادة الاعمار للقطاعات الاقتصادية والبنى التحتية التي دمرتها الحرب والذي من شأنه خلق فرص عمل جديدة تسهم في سحب أو تشغيل العاطلين عن العمل وخاصة الشباب.
وتوفير المناخ الملائم والمناسب للاستثمار المحلي والاجنبي مما يزيد من فرص الاستثمار والتشغيل مع التركيز على توجيه الاستثمار الى الصناعات التي توفر فرص عمل حقيقية
وتنهض بالمجتمع، وتعمل على تأهيل الاقتصاد الوطني وخلق المقدمات الضرورية، لتنمية مستدامة والتصدي لمعضلاتنا المزمنة بجدية وبحزم .
ولعل العمل على مواجهة (البطالة ) والحدّ منها، وخفض معدلاتها الى معدلات مقبولة نسبياً، وفق المعايير الدولية المعمول بها، يتطلب وقتاً غير قصير تعززه جهود صادقة ودائبة وعزم ، بخاصة والعراق يمرً بمرحلة صعبة، من مراحل التحول نحو العالمية واقتصاد السوق والتعددية السياسية.
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية