الكفاح ضد الاستعمار: مراجعة لكتاب “لماذا فلسطين تهُم”؟

الكفاح ضد الاستعمار: مراجعة لكتاب “لماذا فلسطين تهُم”؟

ثمة قول مأثور شائع، هو أن بعض المحادثات الأكثر إنتاجية في المؤتمرات غالبا ما تحدث في الممرات خارج غرف الاجتماعات. وقد تم تصور فكرة كتاب “لماذا فلسطين تهم: الكفاح من أجل إنهاء الاستعمار”Why Palestine Matters: The Struggle to End Colonialism في محادثة كهذه، في ردهة فندق، في اجتماع العام 2016 للحملة الأميركية من أجل حقوق الفلسطينيين. وبينما تقفان خارج قاعة الاجتماعات الخاصة بمنظمات الكنائس عشية ذلك الاجتماع السنوي، تأملت سوزان لانداو من منظمة “حلفاء مسيحيون ويهود من أجل سلام عادل في إسرائيل – فلسطين”، ونوشين فرامكي من “شبكة بعثة الكنيسة المشيخانية إلى إسرائيل-فلسطين”، والتي كانت قد نشرت في وقت سابق كتابين آخرين، “الصهيونية المضطربة: دليل دراسة للكونغرس” (2014)، و”الأمل الثابت: السعي الفلسطيني من أجل السلام العادل” (2009)، تأملت الكاتبتان فكرة تجميع مجلد آخر يصدر عن شبكة الكنيسة المشيخانية، والذي يكون موجهاً هذه المرة إلى عدد أكبر من القراء، العلمانيين والمؤمنين على حد سواء.
وفي الحقيقة، تشكل ثمرة هذه المحادثة الأولى، كتاب “لماذا فلسطين تهم”، الذي يصدر في نيسان (أبريل) 2018، مساهمة قيّمة للغاية في مجموعة الأدبيات الحديثة عن فلسطين. وقد تم تصميم العمل كدليل دراسي، فجاء مصحوبا بموقع إلكتروني مخصص يضم العديد من مقاطع الفيديو المصاحبة لكل واحد من الفصول، بالإضافة إلى إرشادات ومصادر إضافية للمناقشة.
يقدم الكتاب لمحة تاريخية عن محنة الشعب الفلسطيني، ويصنف نضالهم بقوة كحركة كفاحية ضد الاستعمار، ويضع الكفاح من أجل العدالة في فلسطين في سياق الصراعات العالمية الأخرى من أجل التحرر. وكما تشير مارتينا ريس في الفصل الأول من الكتاب، فإن “حافز الشعوب الأصلية لمقاومة المستعمرين وطردهم هو نشاط مقبول عموماً كرد فعل مبرر وضروري ضد الهيمنة والاضطهاد؛ وهو حق مكرس في القانون الدولي. ومع ذلك، تم فصل الكفاح الفلسطيني من أجل تقرير المصير، في أذهان الكثيرين، عن الكفاح العالمي الأوسع الذي تخوضه الشعوب الأصلية ضد الاستعمار” (ص 11).
في حين أصبحت الأدبيات المتعلقة بفلسطين متخصصة إلى حد ما، مع تركيز الكتب مؤخراً على جوانب محددة من النضال، مثل المقاطعة الأكاديمية، والمقاطعة الثقافية، وترويج القضية، وغيرها من مثل هذه المواضيع ذات التركيز الخاص، ينجح كتاب “لماذا فلسطين تهم” في أن يكون شاملاً -وإنما ليس سطحيا بأي حال من الأحوال. ويغطي الكتاب كامل مكونات الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، مع فصول متخصصة عن غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وفلسطينني إسرائيل 1948، وكذلك الشتات الفلسطيني.
تعرض المقدمة، التي كتبها ريتشارد فولك، لمحة تاريخية ممتازة عن المائة عام التي مرت منذ إعلان بلفور، والتي يختمها بعرض أطروحته المقنعة بأنه لا يكفي التركيز على “الاحتلال” في بحثنا عن العدالة، وإنما من الضروري كذلك النظر إلى معاملة إسرائيل للشعب الفلسطيني، وهي معاملة يؤكد فولك أنها تندرج في فئة الفصل العنصري. ومع ذلك، وجدت نفسي في حيرة أمام بعض المصطلحات التي استخدمها فولك، مثل إشارته إلى “الشعب اليهودي في فلسطين التاريخية”. هل كان يعني اليهود الفلسطينيين قبل إسرائيل؟ اليهود الإسرائيليين اليوم، الذين يعيشون في الأرض من النهر إلى البحر؟ أم أنه يشير في الحقيقة إلى “شعب يهودي”، بمعنى كيان وطني يتألف من اليهود؟ وبالمثل، كنت أود أن أقرأ تفسيرا حول كيف سيكون هناك، في “دولة ما بعد الفصل العنصري”، متسع لـ”وطن يهودي” في فلسطين التاريخية.
لماذا فلسطين تهُم
بالإضافة إلى المقدمة، يحتوي الكتاب على وحدات مدمجة موثقة بشكل جيد عن “فلسطين من خلال عدسة الاستعمار ومن مختلف الجوانب”، “مقاربة متعددة الجوانب للعدالة”، و”أين نحن الآن: الحقائق على الأرض”، و”لقطة من الواقع المعاصر داخل إسرائيل 1948″، و”إعادة تسمية بلد”، و”اللاجئون”، و”المقاومة”. وتضم كل واحدة من هذه الوحدات مساهمتين أصليتين أو أكثر، بالإضافة إلى نسخ من مقتطفات من بعض أفضل المقالات التي ظهرت حديثاً حول هذه العناوين. وقد وجدت المقالات في الفصل المعنون، “الحقائق على الأرض” مفيدة بشكل خاص، حيث تنظر كل مساهمة في هذا القسم في الظروف الخاصة للفلسطينيين الذين يعيشون في واحدة من “شذرات” الوطن التاريخي: في القدس الشرقية؛ في الضفة الغربية؛ في غزة، وفي إسرائيل 1948، وكذلك في مختلف مخيمات اللاجئين في البلدان العربية.
تلقي فصول مثل “القدس في ليمبو” الضوء على عملية الغش التي حدثت بعد ضم العام 1967، عندما “أخفت إسرائيل” الحدود، والمعضلة التي وجد سكان القدس الشرقية أنفسهم فيها بينما يسعون إلى الحفاظ على هويتهم المقدسية التي يمكن أن يخسروها بمجرد العيش في الخارج –تعتبر إسرائيل العيش في الضفة الغربية إقامة “في الخارج”. والمعلومات في هذه الفصول مفيدة بشكل خاص. أما بالنسبة لغزة، فلدينا جوهرة جينيفر بينج التي تقول “الفكرة القائلة بأن حماس تستخدم المدنيين كدرع بشري هي طريقة مكشوفة لصرف الانتباه عن الواقع الحقيقي –ليست هناك بوصة مربعة واحدة غير مأهولة. إن غزة هي الإنسانية كلها (ص 41). أو كما يقول رون سميث: “الحصار ليس بديلاً عن الحرب، إنه حرب بوسائل أخرى، والتي تستهدف السكان المدنيين الذين يعانون من نقص الأساسيات ومن الغارات الجوية والغزوات، وإغلاق طريق الهروب عليهم من خلال فرض القيود القاسية على الحركة داخل وخارج القطاع”. (ص. 44)
تعرض الخاتمة، التي كتبها جوناثان كُتّاب تحت عنوان: “والآن ماذا؟ “مقاربة واقعية للمأزق الحالي” تقييماً واقعياً للخيارات وسبل الوصول إلى العدالة، والتي لا يقدم أي منها حلاً فورياً، وإنما توفر كلها سبيلاً للمضي قدماً. أما كم هي هذه الخيارات “واقعية”، فمسألة قابلة للنقاش، حيث يقترح كُتَّاب أن تقوم إسرائيل بـ”رفع الحصار عن غزة”، و”التخلي عن سياسات العقاب الجماعي والاحتجاز الإداري”، من دون تحديد كيفية الضغط على إسرائيل حتى تفعل ذلك.
ثمة فصل سابق في الكتاب يتحدث عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS، بطبيعة الحال، والذي عالج كيفية ممارسة الضغط على إسرائيل. كما يناقش جوناثان كُتاب أيضاً فكرة “تخلي (الفلسطينيين) عن الكفاح المسلح”، مع اعتراف غير كاف منه بأن هذا النهج لم يكن شيئاً اعتنقته الغالبية الساحقة من الفلسطينيين في المقام الأول، وبأنهم يطرحون هذا الخيار مسبقاً على أي حال، مع دعوة العام 2005 إلى المقاطعة. ومع ذلك، فإن اعتناق كُتّاب البراغماتي للاستراتيجيات اللاعنفية صيغ في ملاحظته الذكية، فكتب أن “القضية ليست شرعية النضال المسلح، وإنما فعاليته” (ص 95). ومهما يكن عمق الاضطهاد والقمع الشديدين، كما يلاحظ كُتاب، فإن المقاومة المسلحة لا تستطيع أن تساعدهم. “وبالمثل، فإن استمرار الاعتماد الإسرائيلي على القوة المميتة أثبت عدم فعاليته أيضا”.
كما أن الجملة الأخيرة المطلقة في المجلد صدمتني أيضاً كإلماح إلى التطبيع، بدلا من الحاجة إلى المقاومة المشتركة. ويكتب كُتاب: “سوف يقطع تطبيق هذه التدابير شوطاً طويلاً للتخفيف من البؤس اليومي في حياة الفلسطينيين، وسوف يحرك الإسرائيليين أيضاً نحو وضع أكثر إنسانية واستدامة، وأكثر انسجاماً مع قيمهم اليهودية الخاصة، ومن يريدون أن يكونوا”. ويكون كُتاب قد ختم بذلك كتابا عن محنة الشعب الفلسطيني بلفتة نحو تحسين النسيج الأخلاقي الإسرائيلي. فلماذا لا نركز على أشخاص أصبحت بشريتهم نفسها، وليس إنسانية سلوكهم وحده، موضع استنطاق؟
أعتقد أنني وجدت في التأطير العام للكتاب مشكلة صغيرة في بعض الأحيان. فقد كتب المقدمة، بالإضافة إلى معظم المقالات التمهيدية للفصول، مؤلفون من غير الفلسطينيين، في ممارسة أدبية تديم ديناميات السلطة، حيث يَمنح أصحاب الامتياز الإذن للمظلومين بالكلام. لقد حان الوقت لكسر هذا القالب. وكنت لأفضل أن تكون هناك أصوات فلسطينية هي التي تؤطّر التحليل. وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯽ ذﻟك، سيتردد صدى بعض اﻟﺗﻌﺑﯾرات الواردة في الكتاب بشكل قاس لدى ﺑﻌض اﻟﻘراء، ﻋﻟﯽ ﺳﺑﯾل اﻟﻣﺛﺎل، ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺣﺔ ٩: “يحيط بهذا اﻟﻣﺷروع اﻓﺗراض أﺳﺎﺳﻲ هو أن الناس مهمون. حياة السود مهمة. حياة الفلسطينيين مهمة. حياة الإسرائيليين مهمة. كل الأرواح مهمة”. آه، نعم بالطبع، ولكن ألا يمكننا التعبير عن ذلك بشكل مختلف، عندما نعلم كيف تم وضع هذا “الافتراض الأساسي” في الاستخدام بطريقة إشكالية للغاية؟ كما يتردد الصدى أجوف لعبارات من قبيل، “لقد حان الوقت لسماع سرد المستعمَرين بقلوب وعقول مفتوحة” (ص. 11) عند تكون هناك ثلاث مساهمات فقط لمؤلفين فلسطينيين في الكتاب: جوناثان كتّاب، غسان طرزي، ورامي خوري. ومع ذلك، فإن هذا لا يلغي القيمة الجوهرية للمساهمات المختلفة.
لقد كشفت المأساة الأخيرة في المدرسة الثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا، مرة أخرى، أن “الأفكار والصلوات”، بينما تكون موضعا للترحيب والتقدير، فإنها لا تحل محل الحاجة إلى القيام بعمل فعال. ومع كتاب “لماذا فلسطين تهم”، تثبت شبكة “بعثة فلسطين-إسرائيل” التابعة للكنيسة المشيخانية مرة أخرى أنها جادة في تفعيل التضامن، بإصدار كتاب مقروء للغاية، يوفر تحليلات سهلة الفهم، ومصادر مهمة على الإنترنت، ومبادئ توجيهية للمناقشة، وخطوات عملية ملموسة نحو التوصل إلى حل. وقد عبرت عن تحفظاتي بدافع الرغبة في دفع المحررتين إلى أن تكونا أكثر تقدمية أيضاً في مشروعهما القادم. ومع ذلك، أوصي تماما -بكل تأكيد وإخلاص- بقراءة هذا الكتاب، بسبب التزامه الراسخ والشجاع بالعدالة، ومساهماته المدروسة جيداً والتي تغطي مجموعة واسعة من المواضيع، مع المصادر المصاحِبة الممتازة على الإنترنت. وقد استند تعليقي أعلاه إلى نسخة PDF المنشورة على الإنترنت من المخطوطة، وأنا أعتزم تماماً الخروج لشراء الكتاب عندما يصدر مطبوعاً.

ندى إيليا

الغد