عقوبات على وقع الاحتجاجات.. ما الذي ينتظر إيران؟

عقوبات على وقع الاحتجاجات.. ما الذي ينتظر إيران؟

مع فجر اليوم دخلت الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية ضد إيران حيز التنفيذ، وبينما وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مرسوم إعادة فرض العقوبات على إيران، مد إليها يد التفاوض مرة أخرى.
ويأتي بدء تطبيق هذه الدفعة من العقوبات على وقع احتجاجات شعبية متصاعدة تشهدها عدة مدن إيرانية، احتجاجا على الأوضاع المعيشية المتفاقمة.

ما العقوبات المفروضة؟
أعلنت واشنطن بعد خروجها من الاتفاق النووي في مايو/أيار الماضي أنها ستفرض دفعتين قاسيتين من العقوبات على إيران، أولاهما في 7 أغسطس/آب -وبدأ تنفيذها اليوم- والثانية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني القادم وستكون الأقسى والأصعب.

وينتظر أن تستهدف عقوبات نوفمبر/تشرين الثاني القادم قطاعات النفط والغاز والبنك المركزي والموانئ والنقل البحري وبناء السفن الإيرانية.

التفاف أوروبي
وبالتوازي مع إعادة واشنطن فرض العقوبات على إيران، لجأ الاتحاد الأوروبي إلى آلية قانونية أقرت في 1996 -وتعرف بقانون التعطيل الأوروبي- للالتفاف على العقوبات الأميركية، وفقا لما جاء في بيان مشترك بين وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع وزيرة خارجية الاتحاد.

ويعني ذلك -نظريا على الأقل- أن بإمكان الشركات الأوروبية العاملة في إيران استكمال أغلب أنشطتها دون التعرض للعقوبات، ولكن أغلب الشركات الأوروبية الكبيرة غادرت إيران وأوقفت نشاطاتها هناك.

وتم إقرار قانون التعطيل الأوروبي في 16 يوليو/تموز 1996 للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على كوبا وليبيا وإيران، ويسمح بحماية الشركات الأوروبية من العقوبات التي يتخذها بلد ثالث، ولكن هذا التشريع لم يستخدم أبدا.

وتشمل العقوبات التي فرضت اليوم ما يأتي:

– مشتريات الحكومة الإيرانية من الدولار. – قيود على تجارة الذهب والمعادن النفيسة الأخرى. – تجارة المعادن من الغرافيت والألمنيوم والحديد والفحم. – الحصول على برمجيات تستخدم في الصناعة. – التعاملات المالية الكبرى بالريال الإيراني. – الاحتفاظ بأموال أو حسابات خارج إيران بالريال الإيراني. – عقوبات أخرى تتعلق بالاستثمار في أدوات الدين الإيرانية. – عقوبات على قطاع السيارات الإيراني. – منع أي واردات إلى الولايات المتحدة من السجاد الإيراني والمواد الغذائية. – سحب تراخيص طهران لشراء طائرات مدنية

 

ماذا بعد العقوبات؟
تحاول إيران تأكيد قدرتها على الصمود في وجه العقوبات الأميركية، وتعول في ذلك بدرجة أساسية على شركائها غير الأميركيين في الاتفاق النووي، وخصوصا أوروبا والصين وروسيا.

ومع أن الأوروبيين حاولوا ثني واشنطن عن فرض العقوبات، وبحثوا مع طهران سبل مواجهتها أكثر من مرة، فالواقع أن الجهد الأوروبي قد لا يكون بمستوى طموحات إيران.

فأغلب -إن لم نقل كل- الشركات الأوربية الكبيرة انسحبت من إيران خوفا من سيف العقوبات القادمة، ولم تعبأ بتطمينات بلجيكا ولا بتشجيعات طهران.

وحتى إذا نجح الأوروبيون في إبقاء بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة في إيران -تحت بريق الحوافز والوعود- فإن ذلك سيحقق بلا شك نتيجة رمزية تفيد إيران سياسيا وإعلاميا، ولكن المردود والنتيجة الاقتصادية تبقى محل نظر.

فحجم المبادلات بين الاتحاد الأوروبي وإيران ما زال ضعيفا، حيث اشترى الاتحاد منتجات إيرانية في 2017 بقيمة عشرة مليارات يورو منها تسعة مليارات من السلع النفطية، وباع إيران منتجات بقيمة عشرة مليارات يورو هي أساسا منتجات كيميائية وأدوية ومعدات، بحسب المفوضية الأوروبية.

أما روسيا والصين فقد تعهدتا في الأسابيع الماضية بإبقاء مبادلاتهما مع إيران، ووعدت روسيا باستثمار خمسين مليار دولار في الفترة القادمة بإيران.

وتختلف روسيا عن الاتحاد الأوروبي في ارتباطها بعلاقات أكثر دفئا مع إيران، تتشابك فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية بالتاريخية.

ورغم ارتفاع حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران 36% منذ بداية العام الجاري، وما تعهدت به روسيا قبل أسابيع من استثمار خمسين مليار دولار جديدة في النفط الإيراني، فالواضح أن روسيا لن تكون قادرة هي الأخرى على تعويض خسائر الاقتصاد الإيراني بسبب تحديات تواجه الاقتصاد الروسي الذي يعاني من وطأة عقوبات غربية أثقلت كاهله، ومن أثمان الحرب في سوريا، وتداعيات العقوبات الجديدة على الحليفة طهران.

كما تعول إيران على دور الصين التي تعهدت هي الأخرى بالاستمرار في الاتفاق النووي، خصوصا أن شركاتها أكثر تحررا من نظيراتها الأوروبية وأقل حذرا من العقوبات الأميركية، في ظل الاستقلالية النسبية للاقتصاد الصيني ومحدودية تأثير الإجراءات الأميركية العقابية عليه بالمقارنة مع الاقتصادي الأوروبي الأكثر ارتباطا بالأميركي.

وتعول الولايات المتحدة على تفاقم الاحتجاجات الداخلية المتناغمة مع العقوبات الخارجية، خصوصا في ظل تقديرات غربية بأن إسقاط النظام الإيراني لن يكون بالعقوبات الخارجية التي أثبتت السنوات الماضية أنها تزيد من الالتفاف الشعبي حوله، وإنما بالاحتجاجات الداخلية التي تشهدها عدة مدن إيرانية.

ويلاحظ أن هذه الاحتجاجات أخذت منعطفا واضحا خلال العام، حيث شهد العام الجاري ثلاثة احتجاجات كبرى، مما يعني أنها أخذت زخما أكبر في عددها وتقاربها وطبيعة المشاركين فيها وأعدادهم.

ويبقى تأثير هذه العقوبات التي بدأت اليوم غير معروف حتى الآن على مستقبل الاحتجاجات؛ فبينما ساهمت العقوبات التي فرضت على إيران خلال السنوات الماضية في زيادة اللحمة والالتفاف نحو النظام هناك، ليس من المرجح أن يبقى الأمر كما هو بحكم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وحجم الضغوط التي تتعرض لها إيران، وتغير الظروف الداخلية والإقليمية والدولية.

المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية