بعد مخاض صعب، وتأجيل تلوَ آخر، اختار مجلس النواب العراقي برهم صالح رئيساً لجمهورية العراق. وسبقت جلسة التصويت مفاوضات عاصفة بين القوى السياسية، خصوصاً بين «الاتحاد الوطني الكردستاني» ومرشحه الفائز برهم صالح، و»الحزب الديموقراطي الكردستاني» ومرشحه فؤاد حسين. وجاء فوز صالح بالجولة الثانية من الاقتراع السري بفارق كبير على منافسه فؤاد حسين مرشح «الحزب الديمقراطي».
وفيما يلي نبذة عن برهم صالح
ولد برهم صالح في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق عام 1960 في أسرة متعلمة ميسورة الحال حيث كان والده قاضيا في محاكم السليمانية، قبل نفيه وأسرته إلى الناصرية في جنوبي العراق، بسبب مواقفه السياسية المناهضة للسلطة البعثية، غداة انهيار الثورة الكردية، بقيادة الزعيم الكردي الراحل ملا مصطفى بارزاني عام 1975. برهم صالح متزوج من الدكتورة سرباغ صالح رئيسة جمعية التنوع النباتي في الاقليم والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء ولهما ولدان ذكر وانثى.
التحصيل العلمي:
- بكالوريوس في الهندسة المدنية والإنشائية، جامعة كاردف، بريطانيا.
- نال درجة الدكتوراه في الإحصاء والنظريات الاحتمالية في مجال هندسة البحار،1987م، جامعة ليفربول، بريطانيا.
الخبرات العملية:
عمل مهندسًا إستشاريًّا في شركات عالمية في بريطانيا بين عامي 1987م/ 1991م.
العمل السياسي:
- التحق بصفوف التنظيمات السرية للاتحاد الوطني الكردستاني في أواخر عام 1976م، واعتقل من قبل النظام السابق عام 1979م،في الهيئة التحقيقية الخاصة في كركوك، ومرة أخرى في الاستخبارات العسكرية في السليمانية. وتعرض للتعذيب في سجن مدينة كركوك بسبب التقاطه صور للمظاهرات المناهضة للحكومة في المدينة.
- أصبح عضوًا في تنظيمات أوروبا للاتحاد الوطني الكردستناني ومسؤولًا عن مكتب العلاقات الخارجية للإتحاد في لندن، وتم انتخابه عضوًا في قيادة الإتحاد في أول مؤتمر له عام 1992م.
- انتدب من قبل جلال طالباني، الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستناني، نائبًا للأمين العام للاتحاد وأعيد انتخابه لهذا الموقع في المؤتمر الثالث للإتحاد بتوصية من طالباني.
- عمل بصورة فاعلة في صفوف المعارضة العراقية، وشارك في العديد من المؤتمرات وفعالياتها.
- أسس عام 2018م تيار “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة”.
- اتفق على معاودة عمله السياسي ضمن الاتحاد الوطني الكردستاني.
المهام الحكومية:
- تولى برهم صالح رئاسة حكومة إقليم كردستان – إدارة السليمانية للفترة من 2001م وحتى منتصف 2004م، وحقق كثيراً من الإنجازات في مختلف المجالات، وشهدت مناطق إدارته حالة غير مسبوقة من الإعمار والازدهار المعيشي، والاستقرار الأمني والسياسي، وكان أول رئيس حكومة يخصص رواتب شهرية ثابتة للشباب الخريجين العاطلين عن العمل.
- في أعقاب سقوط نظام حكم صدام حسين عام 2003م عاد برهم صالح إلى العراق وتولى منصب وزير التخطيط في الحكومة الانتقالية عام 2005، كما تولى منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة نوري المالكي الأولى عام 2006. ولعب دوراً محورياً في رأب الصدع في علاقات حزبه مع الحزب الديمقراطي، ومعالجة تداعيات الاقتتال الداخلي بينهما على مدى سنوات، وإعادة توحيد إدارتي حكومة الإقليم في كل من أربيل والسليمانية عام 2006، التي كانت قد انقسمت بفعل الاقتتال.
- تولى منصب رئاسة حكومة إقليم كردستان.للفترة 2009م-2011م وشهد الإقليم في تلك الفترة انتعاشاً اقتصادياً، ومشاريع عمرانية واستثمارية فريدة، ارتقت بالإقليم كثيراً في مختلف المجالات، كما شهدت ارتفاعاً كبيراً في المستوى المعيشي لسكان الإقليم عموماً.
الانجازات العلمية والثقافية:
- أنشأ برهم صالح الجامعة الأميركية في مدينة السليمانية عام 2008م، وجعلها مؤسسة غير ربحية توفر التعليم العالي بأجور رمزية للطلبة المتميزين في كل أنحاء العراق، دون استثناء أو تمييز، ولا يزال يشغل منصب رئيس مجلس أمنائها.
- أطلق برهم صالح عدة برامج اقتصادية واستثمارية في مجالات التعليم والصحة والإعمار والخدمات العامة في إقليم كردستان، كان أبرزها برنامج الزمالات الدراسية لطلبة الإقليم في الجامعات العالمية المعروفة.
- ترأس هيئة أمناء الملتقى العراقي، وهو لقاء ديمقراطي عراقي يضم شخصيات وطنية وثقافية ووجهاء من أطياف المجتمع العراقي، كما يضم الملتقى منظمة “واعدون” ومشروع “هيوا” لدعم الطلبة المتميزين في الجامعات العراقية في بغداد وجنوب العراق وكردستان.
- أطلق برهم صالح مبادرة العهد الدولي مع العراق لضمان الالتزامات الدولية المتبادلة مع دول العالم ومساعدة البلاد في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية
موقف برهم صالح من الأزمة السياسية التي نشبت بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد على خلفية الاستفتاء
كشف هذه الأزمة عن موقفه الوطني الجامع لعراق موحد أكسب هذه الشخصية السياسية المستنيرة حضورًا في إقليم كردستنان وبغداد والدول الإقليمية والدولية، إذ تمحورت رؤيته لحل تلك الأزمة على مستويين: الأول:، يجب أن يكون الحل في الداخل الكردي، وأن يتم ضمان وحدة الصف الكردي، وعدم القبول بتحويل الأخطاء التي رافقت القرارات الأخيرة في كردستان إلى كارثة صراع داخلي واقتتال واحتراب بين الفصائل الكردية المسلحة. المستوى الثاني: خوض الكرد حواراً مفتوحاً مع بغداد. فقد رأى أيُّ حل مبنيّ على الانشقاق الكردي يبقى قلقاً وغير مجدٍ. والوحدة الداخلية الكردية المبنية على مراجعة عملية اتخاذ القرار وإبعاد المحسوبية والفساد عنها وإعادة ثقة المواطن الكردي بالحكم، هي المدخل الأول لأي حل، حيث طالب بتشكيل حكومة انتقالية في إقليم كردستان العراق قادرة على تجاوز الإشكاليات الناجمة عن الاستفتاء، وتكون ذات شرعية، وتحظى بثقة المواطن الكردي، وتتولى مسؤولية إدارة الحوار مع بغداد. هذا يتطلب اتفاق القوى السياسية ، والترفع عن الحساسيات الحزبية، وتغليب منطق المصلحة الوطنية على مصلحة الأحزاب والعوائل، ويتطلب عدم الانجرار إلى المهاترات الجانبية والسجالات العقيم المطلوب تدارك الأخطاء وعدم المكابرة حول تبعات الاستفتاء. الشجاعة ليست في المغامرة بأرواح الناس وأرزاقهم، بل تستوجب مراجعة الذات والإقدام نحو الحل المنشود في بغداد، مستندين إلى الدستور.
يحظى برهم صالح بعلاقات سياسية محلية ودولية واسعة وقدرته على الانفتاح على مختلف التيارات الفكرية والدينية، وله حضورًا لافتًا في الأوساط الإعلامية داخل وخارج البلاد. بمايمتلكه من رؤية سياسية ناضجة ومنفتحة على جميع وإيمانه بالقيم الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية، كما أن تربطه علاقات جيدة مع طهران وأنقرة وواشنطن والمملكة المتحدة والدول العربية، والأهم مع سائر القوى السياسية في بغداد. حتى أن أصدقاءه يقولون إنه لا يوجد شخص بعد الطالباني بين الأكراد يملك شبكة واسعة من العلاقات الدبلوماسية الإقليمية والدولية بقدر ما يملكه برهم صالح. هذه العلاقات للسيد برهم صالح قد يشجع الدول على جلب الاستثمارات الخارجية، وهذا من شأنه أن يدعم الاقتصاد العراقي.
وخلال مسيرته السياسية بقي برهم صالح يُذكر العراقيين ومن خلال لغته العربية السليمة جدا والمشوبة بلهجة جنوبية، بأنه عراقي مثله مثل عراقيي البصرة أو النجف أو الأنبار أو ديالى، وأنه ابن بغداد التي بادلها مشاعر الحب، مثلما هو ابن السليمانية، والأهم من هذا وذاك هو أن المناصب التي تقلدها في الحكومة العراقية، على أهميتها، لم تبن حاجزا بينه وبين الناس، سواء في إقليم كردستان، أو في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى.
خلاصة القول : هناك نوعان من الشخصيات السياسية والحزبية، الأولى تسعى بكل جهد ولا تعدم أي وسيلة انتهازية من أجل الوصول إلى الحكم أو شغل منصب وزاري، فهو بهذه الحالة يركض نحو غنائم المنصب السياسي، بينما النوع الثاني من الشخصيات السياسية، تلك التي لا يشغلها تلك المناصب ولا تكرس عملها للوصول إليها للانتفاع من امتيازاتها بل جل همها النهوض بالوطن، فهذا النوع من الشخصيات، تجد الحكم والمنصب السياسي هو من يركض نحوها، وهذا ما ينسجم تمامًا مع شخصية السياسي المثقف برهم صالح.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية