البترول مطمع الإرهاب ومحرّك الخراب

البترول مطمع الإرهاب ومحرّك الخراب

تؤدي الثروات الليبية وخام »النفط« تحديداً دوراً بارزاً في الأزمة الليبية الحالية، لا سيما في ضوء مخططات غربية ومطامع في الشرق الأوسط، وهي المطامع التي قد تجعل للغرب حسابات أخرى في ليبيا..

لربما تكون دون المأمول عربياً، وذهب خبراء إلى أن البترول بات متحكماً بشكل كبير في الأزمة الماثلة، وعاملاً مهماً في استطالة أمدها، باعتبار أن الجميع يسعى للسيطرة عليه، خاصة التنظيمات الإرهابية التي تعتمد بشكل كبير في تمويل عملياتها داخلياً وفي بلدان أخرى مثل سوريا.

استغلال القوة

وأكد الخبير العسكري الليبي عادل عبد الكافي أن البترول من أهم منافذ القوة في ليبيا، وهناك استغلال من القوات الإرهابية له في الداخل، حيث يقاس نفوذ القوات عن طريق السيطرة على آباره.

وأضاف في حديثه لـ»البيان« أن النفط يستخدم في الفترة الحالية سلاحاً ضد الليبيين، وهناك استغلال دولي وإقليمي له لاستمرار الأزمة للاستفادة قدر الإمكان من موارده.

وأشار إلى أن هناك قوى دولية تستفيد من النفط وبيعه، وتدعم الجماعات الإرهابية بصورة غير مباشرة على حساب الشعب الليبي، وسرقة ثرواته ونهبها.

ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة المساعد السابق لمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي الدكتور فخري الفقي إن البترول الليبي يعد إحدى معادلات الصراع هناك، لا سيما مع مساعي الجماعات الإرهابية لفرض السيطرة عليه، للاستفادة من خلال النفوذ وبقائهم ضمن دائرة المفاوضات.

ولفت في تصريحات خاصة لـ»البيان« إلى أن استغلال البترول له عائد سلبي على الأراضي الليبية، حيث إنه يزيد من أزمة السوق عن طريق بيعه خارج السعر العالمي، وهو ما يرجح بدعم دول إقليمية ودولية لاستمرار الأزمة للاستفادة من السعر القليل للنفط.

وفي هذا السياق، أكد الخبير العسكري المصري اللواء محمد عبد المنعم طلبة أن هناك الكثير من الدول الغربية التي تحمل مطامع تجاه دول المنطقة، ولا سيما ليبيا، انطلاقاً من تلك المطامع تحاول أن تؤجج الصراع هناك فترات طويلة، حتى تنفذ أغراضها في التحكم في هذه الدول ومقدراتها وثرواتها..

مشيراً إلى أن سيناريو الدول الطامعة واضح، حيث ترفض هذه الدول السماح بتسليح الجيش الوطني، لتظل ليبيا في احتياج عسكري لهذا الدول، ومن ثم تستطيع التدخل بالشكل الذي يحلو لها في وفق رأيه.

وأضاف طلبة لـ»البيان« أن الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية إذا كانت صادقة النية بالفعل في مساعدة ليبيا على تجاوز أزمتها، لكانت رفعت حظر التسليح عن الجيش..

لكنها تدرك أنه سيكون بمقدوره إنهاء الصراع في حال توفر لديه السلاح، وهو الأمر الذي لا ترغب فيه هذه الدول، مشيراً إلى أنها في الوقت الذي تمنع فيه هذه الدول السلاح عن الجيش الوطني، تساند الميليشيات هناك بصورة غير شرعية من خلال تمويلها بالسلاح.

نعمة نقمة

ووفقاً للخبير العسكري اللواء حمدي بخيت فإن وضع ليبيا يُعد مختلفاً عن باقي الدول التي تمر بأزمة تستدعي تدخلات خارجية للحل، حيث إن ليبيا بها حكومة وطنية معترف بها من دول العالم، ومن ثم سيكون لزاماً أن توافق هذه الحكومة على التدخل أو أن يكون بطلب منها، وهو الأمر الذي من المستبعد تماماً حدوثه.

واستبعد بخيت، في حديثه لـ»البيان«، أن يتدخل الغرب والولايات المتحدة الأميركية بصورة عسكرية كما يحدث في سوريا والعراق، حتى في ظل الحديث عن توسيع عمليات التحالف، لتشمل معاقل التنظيم في ليبيا، نظراً إلى أن وجود تنظيم »داعش« ليس بالحجم أو القدرات التي تستدعي تدخل التحالف.

ورأى مراقبون أن فرص تدخل المطامع الغربية طرفاً في الأزمة الليبية أمر وارد وغير مستبعد، وهو ما ينبئ بغرق البلد في تلك الأزمة والوضع الطاحن سنوات طويلة، وهو ما يجب أن يضع له المجتمع الدولي حداً، ويتحمل مسؤولياته كاملة تجاهه، من خلال تفعيل قرارات مجلس الأمن.

فيما أوضح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير وهيب المنياوي أن ثروات ليبيا البترولية جعلت منها مطمعاً للكثير من دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يجعل هذه الدول تحاول أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، من أجل تحريك دفة الأمور لمصلحة هذه المطامع. وأضاف المنياوي لـ»البيان« أن المشهد في ليبيا على الرغم من أنه شديد الفوضى والضبابية..

فإن تأثيره في دول الجنوب المتوسط القريبة جداً لها يجعل فكرة تدخل الولايات المتحدة والغرب في ليبيا من أجل تنفيذ مطامعها أمراً صعباً، حيث ستحد المطامع هذه الدول التي ستقف عقبة أمام هذه السيطرة على مقدرات وثروات ليبيا، لما سيكون لها من تأثير.

بينما يعول البعض على دور مصر ودول الجوار الليبي في منع تكرار سيناريو المطامع الدولية. وبحسب مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية السابقة، السفيرة منى عمر، فإن تأجيج الصراع من أجل تحقيق المطامع الدولية في ليبيا وثرواتها يعد واحداً من أبرز العوامل التي كانت سبباً في استمرار الأزمة بذلك الشكل.

وتابعت بقولها لـ»البيان« إن غنى ليبيا كان وبالاً عليها، حيث إن غناها بالثروات البترولية أجج من أزمتها على عكس الدول الفقيرة الأخرى التي تعاني أزمات، مشيرةً إلى أن دول الجوار ومصر على إدراك تام بتلك المطامع، ومن ثم ستكون بمنزلة حائط الصد ضد تلك المحاولات الطامعة في ليبيا.

” هلال النفط” .. تاريخ صراعات

 تضم منطقة الهلال النفطي عدة مدن تقع بين بنغازي وسرت (500 كلم) شرق العاصمة، كما أنها تتوسط المسافة بين بنغازي وطرابلس، وتحوي المخزون الأكبر من النفط،..

إضافة إلى مرافئ السدرة ورأس لأنوف والبريقة الأكبر وتحولت هذه المنطقة إلى ساحات صراع بتعدد محاولات الجماعات الإرهابية لدخولها والسيطرة عليها وسعت ميليشيات »فجر ليبيا« إلى بسط نفوذها منذ ديسمبر الماضي من خلال ما سمي بـ»عملية الشروق« لتحرير الحقول النفطية، قبل أن يواجهها الجيش الليبي بقوة لترتد على أعقابها.

وكانت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أعلنت حالة القوة القاهرة في 11 من حقول النفط بسبب تدهور الوضع الامني في البلاد وبعد تعرض بضع منشآت نفطية لهجمات، وقال بيان نشر على موقعها »جراء الاحداث الامنية الخطيرة التي ترتفع وتيرتها يوما بعد يوم وتستهدف مقدرات الشعب الليبي بسرقة وتخريب وتدمير الحقول النفطية..

فإن المؤسسة الوطنية للنفط مضطرة وبصورة عاجلة لإعلان حالة القوة القاهرة عن عدد من الحقول النفطية«. وبحسب المراقبين، لا يمكن فصل الأحداث المتتالية في ليبيا منذ أوائل العام 2011 عن ملف النفط والغاز، فالصراع على الثروات ليس جديدا، خصوصا وأن البلاد تعتبر الأقرب إلى أوروبا، كما أن النفط الليبي معروف بجودته وغزارة إنتاجه وقربه من موانئ التصدير.

رحلة الصراع

في العام 1955 أصدرت الحكومة الليبية قانوناً خاصاً للبترول وشكلت بمقتضاه هيئة خاصة لمعالجة كل أموره ومن بينها منح امتيازات التنقيب والاستغلال لعدد من الشركات الأجنبية وصل عددها في العام 1959 إلى 15 شركة..

وبرزت أول اكتشافات بترولية مهمة في ليبيا في عام 1957 من خلال أول حقل بترولي في منطقة زلتن الكائن جنوب خليج سرت بنحو 200 كم، وانطلق إنتاج النفط الليبي في العام 1959 عندما اكتشفت شركة إسو أول بئر بطاقة إنتاج بلغت حوالي 17500 برميل في اليوم.

وفي 1961 دخل البترول الليبي فضاء التجارة العالمية واخذ إنتاجه مذ تلك السنة يتزايد سريعاً جداً فارتفع من 6.6 ملايين برميل في العام 1961 إلى 445 مليون برميل في العام 1965 والى 948 مليون برميل في العام 1968 و1138 مليون برميل في سنة 1969 ..

وفي نفس الوقت كان معدل الإنتاج اليومي يتزايد بنفس السرعة فارتفع من ربع مليون برميل يوميا في السنة 1961 إلى 1.12 مليون في سنة 1965 ثم إلى 2.6 مليون في سنة 1968 وإلى 3.1 ملايين في سنة 1969.

القذافي وتأميم النفط

بعد الإطاحة بالنظام الملكي ووصول العقيد معمر القذافي إلى الحكم في العام 1969 دخلت ليبيا مرحلة تأميم قطاعي النفط والغاز في أوائل السبعينيات وكان البداية مع المطالبة بأسعار أعلى للبترول..

وحصة أكبر في العائدات وسيطرة أكثر على تنمية هذه الصناعة ما أدى إلى إجبار شركات النفط الأجنبية على الموافقة على زيادة الأسعار ومضاعفتها لأكثر من ثلاثة أضعاف السعر السابق (من 90 سنتاً للبرميل إلى 3 دولارات و45 سنتاً للبرميل) وكان ذلك في أوائل العام 1971.

وفي مارس من عام 1970 حلت الشركة الليبية للنفط والتي كانت وظيفتها إلى ذلك الوقت تشمل المفاوضة ومراقبة تعاقدات منح الامتيازات وقد تم استبدالها بالمؤسسة الوطنية للنفط. وعلاوة على ذلك قام النظام بتأميم شبكات توزيع المنتجات النفطية المملوكة للشركات الأجنبية ومنذ ذلك الوقت أصبحت المؤسسة الوطنية للنفط هي المؤسسة الوحيدة التي لها الحق في توزيع مثل هذه المنتجات في طول البلاد وعرضها.

تأميم ومصادرات

وفي وقت لاحق من عام 1971 قامت ليبيا بتأميم ممتلكات شركة النفط البريطانية بريتش بتروليوم ردا على ترك بريطانيا الجزر الإماراتية الثلاث في ذمة الاحتلال الإيراني، وهو ما اعتبر آنذاك إعلاناً واضحاً عن المواقف القومية للسلطات الحاكمة الجديدة..

وفي العام 1973 أعلنت ليبيا تأميم أصول شركة ميجور هنت النفطية في حقل السرير رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، كما تم تأميم شركة أوكسيد نتال المملوكة للولايات المتحدة.

تحولات

في شهر سبتمبر من عام 1973 أصدر قانون من 16 مادة أممت بمقتضاه 51% من أصول كل الشركات الأخرى العاملة في مجال النفط في ليبيا، ولعبت ليبيا دوراً نشطاً في الحصار النفطي الذي فرضه العرب على الدول الداعمة لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973، ثم وفي العام 1974 قرر القذافي تأميم ثلاث شركات أميركية.

وبحلول عام 1975 كانت أصول معظم الشركات اما أن تكون قد أممت بالكامل، مثل بي بي (BP) أو أن معظم أصولها أصبحت ملكاً للدولة الليبية والتي امتلكت 63% من أصول »شركة ونترشال« الألمانية و85% من »او.ام.في« النمساوية و59.2% من أصول مجموعة الواحة و50% من أصول شركة أجيب الإيطالية.

البيان