طموح روسي لبناء تواجد عسكري في القرن الأفريقي يصطدم بالنفوذ الإماراتي

طموح روسي لبناء تواجد عسكري في القرن الأفريقي يصطدم بالنفوذ الإماراتي

عدن – تتطلع روسيا إلى التحول إلى لاعب رئيسي في معادلات الصراع في منطقة القرن الأفريقي وتضع عينها نصب جنوب اليمن، معتمدة على إرث سياسي وتاريخي في المنطقة، لكنها تواجه عقبة استراتيجية تتمثل في نفوذ إماراتي أصبح القوة المحركة الجديدة لمطالب الجنوبيين ومعادلة الأمن في محافظاتهم، بالإضافة إلى انتشار استراتيجي على الضفة الأفريقية من خليج عدن.

وتطمح روسيا للعودة مجددا إلى منطقة نفوذ قديمة تركها الاتحاد السوفييتي بعد انهياره في مطلع تسعينات القرن الماضي، من خلال إنشاء شبكة قواعد بحرية تخلق تواجدا روسيا بين منطقتي القرن الأفريقي وجنوب الجزيرة العربية.

وفي سبيل ذلك، بدأت تصريحات المسؤولين والدبلوماسيين الروس في التحول باتجاه “السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى جنوب اليمن، وإبقاء كافة ممرات المساعدات مفتوحة”، كما صرح المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نبنزيا أواخر أكتوبر الماضي.

وقالت مصادر لـ”العرب” إن روسيا ضغطت على الأمم المتحدة من أجل توجيه دعوة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي يطالب بانفصال اليمن الجنوبي، كي يحضر “بصفة مستقلة” خلال جولة المفاوضات الفاشلة التي عقدت في جنيف في سبتمبر الماضي.

وتنتهج روسيا نهجا قائما على تشجيع استقلال الكيانات التي تملك نزعة انفصالية في الدول التي تعاني من غياب الاستقرار، بينما تسرع لبناء نفوذ بطابع عسكري في هذه الدول الوليدة، بشكل يجعلها تعتمد بشكل كبير على روسيا. وتحاول روسيا تكرار السياسة نفسها التي اتبعتها إزاء شبه جزيرة القرم، إذ أسرعت بفصلها “بالقوة” عن أوكرانيا بعد ساعات من إسقاط نظام فيكتور يانكوفيتش الموالي لها عام 2014.

وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ”العرب” إن “روسيا تتطلع إلى دعم الانفصاليين الجنوبيين، استنادا إلى إرث تاريخي لها منذ حكم نظام الشيوعيين لليمن الجنوبي، من أجل بناء نفوذ روسيا الذي قد يتجسد في صورة قاعدة بحرية مطلة على طرق تجارة النفط الحساسة في خليج عدن”.

وفي أبريل الماضي، أبرمت روسيا اتفاقا مع حكومة أرض الصومال غير المعترف بها دوليا لإنشاء قاعدة عسكرية روسية في ميناء “زيلا” الواقع بالقرب من الحدود مع جيبوتي المجاورة، التي تحتضن قواعد عسكرية أميركية وصينية وغربية عدة.

ومن المقرر أن تضم القاعدة الروسية الجديدة 1500 جندي روسي، ضمن اتفاق يشمل قيام الجيش الروسي بتدريب قوات أرض الصومال حديثة العهد بالتشكيلات المسلحة المحترفة. واشترطت السلطات المحلية في أرض الصومال اعتراف موسكو بها كدولة مستقلة، مقابل الموافقة على السماح لها ببناء قاعدة على أراضيها.

كما توصلت روسيا، في مطلع سبتمبر الماضي، إلى اتفاق مع إريتريا لإنشاء مركز دعم لوجيستي وعسكري. وتحاول القيادة الروسية ربط هذه المنشآت الجديدة لبناء شبكة نفوذ على البحر الأحمر.

وخلال حقبة الاتحاد السوفييتي، كان السياسيون الروس ينظرون إلى دولة اليمن الجنوبي كحليف استراتيجي في جامعة الدول العربية، كما امتلكت موسكو قواعد عسكرية ومنشآت بحثية في كل من مدينة عدن وجزيرة سقطرى اليمنية. واليوم يطمح الرئيس فلاديمير بوتين لـ”استعادة” الإرث السوفييتي في المنطقة.

لكن المعادلة الجيوسياسية تغيرت بشكل حاسم، منذ استيلاء ميليشيا الحوثيين على مدينة عدن، وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي عام 2015. ومنذ ذلك الحين شكلت الإمارات اللاعب المؤثر الوحيد، الذي بمقدوره التحكم في معادلة القوة في محافظات اليمن الجنوبية.

فالفصائل الجنوبية باتت تعتمد على القوات الإماراتية العاملة ضمن التحالف العربي في تثبيت الأمن ومحاربة تنظيم القاعدة، وتوفير الخدمات الأساسية لليمنيين الجنوبيين ودفع رواتب عناصر الأمن المحليين. كما أرسل الجيش الإماراتي قوات لجزيرة سقطرى في أبريل الماضي، بعد أيام قليلة من توصل روسيا إلى اتفاق لإنشاء القاعدة العسكرية في أرض الصومال القريبة.

وقالت المصادر الدبلوماسية لـ”العرب” إن الولايات المتحدة تشعر بقلق إزاء الطموح الروسي المتزايد في منطقة القرن الأفريقي وجنوب الجزيرة العربية. وأضافت أن “مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس دونالد ترامب عبروا عن هذا القلق أمام مسؤولين خليجيين وعرب خلال لقاءات جمعتهم معا”.

وتنظر واشنطن إلى النفوذ الإماراتي باعتباره قوة استقرار، وشغلا لفراغ قد يسهل على روسيا، التي مازالت تحافظ على علاقات دبلوماسية واستخباراتية قوية مع الأحزاب السياسية الجنوبية، ملؤه إذا ما تُرك للروس.

وإذا ما نجحت موسكو في إقامة قاعدة عسكرية في عدن، فستتأكد هواجس الأميركيين من إمكانية ظهور تعاون عسكري بين روسيا والصين في إحدى أكثر المناطق حساسية بالنسبة للغرب، من خلال قواعد البلدين في أرض الصومال وجيبوتي.

العرب