أربع ملاحظات على قمة بيروت الاقتصادية

أربع ملاحظات على قمة بيروت الاقتصادية

يتردد المرء أحيانا فى الكتابة عن فاعليات العمل العربى المشترك لأن البعض يتلقف عادة أى نقد موضوعى لهذه الفاعليات لترديد الصيحات المنادية بالتخلص من مؤسسات العمل العربى المشترك، وعلى رأسها الجامعة العربية، ويتجاهل الكثيرون أن الأعراض التى يعانيها هذا العمل تعود إلى الدول العربية ذاتها وليس إلى الجامعة كفكرة أو أمانتها العامة، ومع ذلك فإن المخلصين للعمل العربى المشترك لا يمكن أن تمنعهم هذه الصيحات عن مواصلة إبداء الرأى فى قضاياه وكيفية معالجاتها أملاً فى تطوير مساره إلى الأفضل، خاصة فى ظل الظروف العربية الراهنة، وقد عُقدت قمة بيروت فى ظروف عربية وعالمية مغايرة جذريا لظروف انعقاد القمة الاقتصادية العربية الأولى فى الكويت 2009، صحيح أننا كنا آنذاك قد ابتُلينا بالغزو الذى قامت به «قوة الخير» كما سماها وزير الخارجية الأمريكى أخيرا للعراق، ولكننا لم نكن قد نعمنا بعد بتداعيات «الربيع العربى» وما آل إليه من صراعات عصفت بعدد من الدول العربية الرئيسية، ومن ناحية أخرى تزامن انعقاد القمة مع بدء ولاية أول رئيس أمريكى من أصول إفريقية وكانت الآمال يومها معقودة على رؤية جديدة للسياسة الأمريكية، صحيح أنها لم تتحقق لكن الرئيس الأمريكى الحالى الذى تزامنت قمة بيروت مع مضى سنتين على رئاسته قد أتى بما لم يأت به غيره من الرؤساء الأمريكيين من انحياز مطلق لإسرائيل.

وعادة ما يصعب تقييم عمل كقمة بيروت فور انتهائه لأن جميع الحقائق والتفاصيل لا تكون قد اتضحت بعد، ومع ذلك فإن وثيقة البيان الختامى مع نظرة مقارنة يمكن أن تفضيا إلى انطباعات أولية، وثمة ملاحظات أربع يمكن إبداؤها فى هذا الشأن:

وترتبط الملاحظة الأولى بدورية انعقاد القمة، وقد عُقدت القمة الأولى فى الكويت 2009 والثانية فى مصر 2011 والثالثة فى السعودية 2013، أى أن هذه القمة عُقدت بعد ست سنوات من قمة السعودية، وهو خير دليل على تأثير الاضطراب الذى حاق بالوطن العربى على العمل العربى المشترك، وقد كان بيان قمة بيروت أكثر واقعية، فتحدث عن انعقاد القمة الخامسة فى موريتانيا بعد أربع سنوات، ولا يستطيع المرء أن يتجنب أحيانا الانطباع بأن دورية القمم العربية قد باتت عبئا على القادة العرب، وهو ما ينعكس كثيرا فى تدنى نسب تمثيلهم فيها كما حدث فى هذه القمة، وإن كان هذا يمكن أن يُعزى لأسباب أخرى منها موقع لبنان فى دائرة الاستقطاب فى المنطقة، وقد قرأت أن ممثل إحدى الدول المشاركة قد اقترح إلحاق القمم الاقتصادية بنظيراتها السياسية، وهو اقتراح مستحيل لما هو معلوم من ضخامة جداول أعمال القمم ناهيك بأنه يكاد يكون انعقادها ليوم واحد قد استقر كتقليد، ومن ثم فإن من شأن الأخذ باقتراح كهذا أن يعطى انطباعا قويا بعدم الجدية.

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالموضوعات التى تصدت لها القمة وهى بالغة الأهمية، مثل أزمة اللاجئين والنازحين التى أعطاها البيان الختامى أولوية أولى، وهو دليل آخر على أثر الاضطراب السياسى على العمل العربى المشترك، وكذلك دعم صمود الشعب الفلسطينى، وحظى بناء الاقتصاد الرقمى بأولوية ثالثة وبعده ضرورة متابعة التقدم المُحرز فى إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ومتطلبات الاتحاد الجمركى العربى أملاً فى الوصول إلى سوق عربية مشتركة، وبذل جميع الجهود للتغلب على المعوقات التى تحول دون تحقيق ذلك، وأتى بعد ذلك اعتماد مشروع الميثاق الاسترشادى لتطوير قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ثم اعتماد الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة وكذلك اعتماد الإطار الاستراتيجى العربى للقضاء على الفقر متعدد الأبعاد «2020-2030» بهدف خفض مؤشره بنسبة 50% بحلول 2030، وغير ذلك من الموضوعات، غير أنى لاحظت غياب موضوعين بالغى الأهمية عن البيان هما الأمن المائى العربى وقضية إعادة الإعمار، ويتعرض الأمن المائى العربى لتهديد حقيقى من كل الاتجاهات سواء من الاتجاه الإثيوبى أو التركى أو الإيرانى، ويبدو إغفال الإشارة إليه غريباً، أما إعادة الإعمار فلا يصح أن يُقال إن الصراعات لم تنته بعد، لأن القضية مطروحة على نطاق واسع لدى الطامعين وكان حرياً بالقمة أن تضع ولو مؤشرات عامة.

ويمكن أن ترد الملاحظة الرابعة على مضمون القرارات، ففى قضية اللاجئين والنازحين تتحدث عن مشاريع تنموية فى الدول المستضيفة لهم دون أن تذكر حرفاً عن حل الصراعات القائمة لتجفيف منابع الظاهرة أصلاً، وفى دعم الصمود الفلسطينى تؤكد توفير التمويل اللازم لخطة التنمية فى القدس الشرقية، بينما نذكر أن قمة الكويت قد خصصت مليارا وثلاثة أرباع المليار دولار لإعادة إعمار غزة، أما الاستراتيجيات المهمة التى اعتمدتها القمة كتلك الخاصة بالطاقة المستدامة والقضاء على الفقر متعدد الأبعاد فقد اكتفى البيان بذكر واقعة الاعتماد وإن أضاف فى الثانية هدفا محددا هو خفض هذا الفقر بنسبة 50% بحلول 2030، وهنا نأتى للملاحظة الأخيرة. وجوهر الملاحظة هو معدل التقدم فى تحقيق أهداف العمل العربى المشترك، فالهدف الذى حددت قمة بيروت 2030 توقيتا لتحديده كانت قمة الكويت قد حددته بعام 2012، أى أننا لو نجحنا فى تحقيق الهدف فى هذا التوقيت الجديد نكون قد تخلفنا عن التوقيت الأصلى بثمانية عشر عاما! كذلك تحدثت قمة بيروت بعبارات عامة عن متابعة التقدم المُحرز فى منطقة التجارة الحرة العربية ومتطلبات الاتحاد الجمركى العربى أملاً فى الوصول إلى سوق عربية مشتركة دون أى تحديد زمنى، علما بأن قمة الكويت كانت قد حددت عام 2015 لتحقيق هذا الهدف، ولا نستطيع المقارنة هنا لأن الهدف فى قمة بيروت غير محدد زمنيا وهو ما يتطلب وقفة مع النفس.

د.أحمد يوسف أحمد

الأهرام