تونس لا تتحمل 215 حزبا تتسابق على حكمها

تونس لا تتحمل 215 حزبا تتسابق على حكمها

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع إجراؤها في تونس أواخر العام الجاري، تكثّفت تحركات الأحزاب والشخصيات السياسية الساعية لخوض الانتخابات إما في شكل قوائم حزبية وإما في شكل ائتلافات وقوائم مستقلة.

ولم تقتصر التحرّكات السياسية في تونس على الأحزاب المعترف بها أو الكبرى التي تعوّدت على المشاركة في الانتخابات بشكل منتظم منذ ثورة يناير 2011 التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، بل تجلّت أيضا في ميلاد أحزاب جديدة.

في هذا الصدد، أعلنت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان أنه قد تمّ، وفقا لمقتضيات المرسوم عدد 87 لعام 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، تأسيس حزب سياسي جديد أطلق عليه اسم “الحزب الوطني الديمقراطي” رئيسه معز ختمي ليصبح بذلك العدد الجملي للأحزاب السياسية 215 حزبا.

وبعدما فشلت الطبقة السياسية التونسية برمتها طيلة ثماني سنوات في تلبية تطلعات الشعب أو تحقيق أهدافه الأساسية المرتبطة أساسا بوجوب تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والحد من ارتفاع الأسعار أو التنمية في المناطق الداخلية والقضاء على البطالة، يرى مراقبون أن تفاقم عدد الأحزاب السياسية في البلاد أصبح ضخما لا يتماشى مع طبيعة البلاد الصغيرة في حجمها وفي تعدادها الديمغرافي.

ويستدل العديد من المتابعين على ذلك بأن البلاد لا تتحمّل 215 حزبا، أولا بتعلة أن أغلبها يؤسس أحزابا بُغية الحصول على دعم عمومي يكلف خزينة الدولة أموالا طائلة، ثانيا لأن ارتفاع عدد الأحزاب يشتت توجهات الناخبين عند عملية التصويت ما يجعل نتائج العملية الانتخابية مشتتة بدورها وغير ضامنة لطرف بعينه حكم البلاد بأريحية تمكنه من فرض برامجه وتصوراته.

ويرجح أن يرتفع عدد الأحزاب السياسية في تونس في غضون الأسابيع القليلة القادمة، خاصة أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يعكف بدوره رفقة عدة وجوه سياسية ونواب بالبرلمان على تأسيس مشروع سياسي جديد سيدخل الانتخابات القادمة.

وقرر يوسف الشاهد تأسيس حزب سياسي جديد بعدما دخل في خصومة مع حزبه الأم نداء تونس عقب تشبث النداء منذ مطلع عام 2018 بوجوب إقالة الحكومة برمتها بمن في ذلك رئيسها.

الطبقات الضعيفة ومتوسطة الدخل في تونس لم تعد تثق في الأحزاب السياسية ولا في برامجها الانتخابية، فكل منظومات الحكم المنتخبة بعد ثورة يناير عجزت بقصد أو بغير قصد عن تحقيق أهداف الثورة

وتمكن رئيس الحكومة من ضمان مستقبله على رأس الحكومة بعدما ساندته حركة النهضة الإسلامية وكتلة الائتلاف الوطني البرلمانية المؤلفة من نواب استقالوا سابقا من حزب نداء تونس وكتلته البرلمانية.

وعلاوة على الأحزاب السياسية، تستعد العديد من الشخصيات الوطنية المستقلة لخوض الانتخابات، وفي هذا الإطار تم تأسيس مبادرة “مواطنون” التي يتزعمها العديد من النشطاء السياسيين وفي مقدّمتهم الكاتبة الصحافية نزيهة رجيبة ويقدّم هؤلاء أنفسهم كبديل حقيقي للانتخابات التشريعية تحت يافطة تحقيق أهداف الثورة.

واستقبلت جل الأحزاب السنة السياسية الجديدة، بسلسلة تحركات مكثّفة في الجهات الداخلية عبر تنظيمها لاجتماعات شعبية هدفها الوحيد البدء في استقطاب الناخبين حتى قبل تحديد مواعيد رسمية للانتخابات التشريعية أو الرئاسية.

من جهة أخرى، تتوجّس الأحزاب السياسية وخاصة منها الحاكمة التي بدأت تضع في حساباتها الإعلانات المتكررة من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) الذي هدّد مؤخرا خلال تنفيذه إضرابا عاما في القطاع العام والوظيفة العمومية بالمشاركة في الانتخابات القادمة.

ويعلل الاتحاد هذه الخطوة المعلن عنها بفشل الطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة التي حكمت البلاد طيلة ثماني سنوات في تحقيق أهداف الثورة المنادية بالعدالة الاجتماعية والتشغيل والحرية وتنمية المناطق المهمّشة.

ولا يعكس ارتفاع عدد الأحزاب أو المشاريع السياسية المستقلة في تونس حقيقة تفاعل التونسيين معها، حيث سبق للناخبين أن وجهوا رسالة مضمونة الوصول إلى السياسيين مفادها عدم الثقة فيهم وفي برامجهم عبر عزوف الناخبين الكبير خلال أول انتخابات محلية في تونس عقب ثورة يناير كانت قد أجريت في عام 2018.

ومنح التونسيون في هذه الانتخابات الأخيرة أسبقية واضحة للقوائم المستقلة التي تمكّنت من الفوز على حساب قوائم أحزاب كبرى كنداء تونس أو النهضة الإسلامية أو الجبهة الشعبية.

وتعيش تونس منذ نهاية عام 2018 وبداية العام الجاري على وقع احتجاجات شعبية عارمة تقودها العديد من الحركات الاحتجاجية والأحزاب وكذلك اتحاد الشغل الذي أعلن مؤخرا عن عزمه تنفيذ إضراب عام بيومين في 20 و21 فبراير في القطاع العام والوظيفة العمومية احتجاجا على مقترحات الحكومة التونسية في ما يتعلق بالزيادات في الأجور.

وتحمّل المنظمة النقابية وأحزاب المعارضة الحكومة ومن خلفها الائتلاف الحاكم الفائز بانتخابات عام 2014 نتائج الفشل في الملفات الاقتصادية والاجتماعية خاصة مع تردّي مستويات عيش التونسيين وضعف مقدرتهم الشرائية مقارنة بالسنوات التي سبقت ثورة يناير 2011.

العرب