تفاقمت الأزمة السياسية في فنزويلا بعد إعلان الزعيم المعارض خوان غوايدو نفسه رئيسا، في عملية انقلاب على الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو، تحمل الكثير من الخصوصية والتفاصيل التي تجعل منها جزءا مهما من عملية “التغيير” الكبرى التي يشهدها العالم والحرب البادرة بين القوى التقليدية (الولايات المتحدة وأوروبا) والقوى الصاعدة (روسيا والصين).
وبعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية في فنزويلا، ووصول نسبة تضخم إلى عشرة ملايين بالمئة خلال العام الحالي، اعتبر رئيس البرلمان غوايدو أن هناك فراغا في السلطة، فأعلن تسلمه الرئاسة بالوكالة خلفا للرئيس نيكولاس مادورو. إلا أن الأخير رفض بشدة هذا القرار، وأعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة التي يتهمّها بتحريك الأمور في بلاده عبر المعارضة.
ويبدو هذا الحدث، وفق المتابعين، عاديا وتقليديا، في مساره وتداعياته وتفاصيله الظاهرية، لكنه في نفس الوقت يعتبر حدثا مفصليا لا في تاريخ فنزويلا الحديث فحسب، بعد فترة حكم هوغو تشافيز الذي توفي في 2013، وخلفه مادورو، بل في تاريخ العالم أيضا عند ربطه بكل ما يجري بدءا من قلب أميركا اللاتينية، التي تشهد تغييرا كبيرا في ملامحها مع تراجع اليسار اللاتيني ووصول رئيس شعبوي ومن أقصى اليمين إلى الحكم في البرازيل، مرورا بالشرق الأوسط، الذي ارتبط الكثير من مجتمعاته عاطفيا وأيديولوجيا بفنزويلا، الاشتراكية اليسارية المعادية للخط الأميركي، المؤيدة لفلسطين.
ولا ينفصل ما يحدث في فنزويلا عما يجري في كل تلك المناطق والخلافات بين روسيا وبقية الدول الأوروبية، والتنافس الأميركي الروسي، وحتى الصيني، كما سياسة الاستقطاب التي تتبعها دول مثل تركيا التي سارعت إلى تصدر الدول الداعمة والمتضامنة مع الرئيس الفنزويلي.
اتهمت روسيا الولايات المتحدة بمحاولة اغتصاب السلطة في فنزويلا وحذّرت من تدخل الجيش الأميركي هناك مما يضعها في مواجهة احتجاجات تدعمها واشنطن والاتحاد الأوروبي ضد أحد أقرب حلفاء موسكو. وأدان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الجمعة السياسة الأميركية “التدميرية” في فنزويلا.
وكشفت وكالة رويترز أن عددا من “المرتزقة” الروس سافروا إلى كاراكاس بغرض مساندة مادورو. وأوردت رويترز نقلا عن ثلاثة مصادر، أن “المرتزقة” هم تابعون لمجموعة “فاغنر” الروسية وهي شركة عسكرية خاصة سبق لها أن نفذت مهمات بأوكرانيا وسوريا، فيما تقول تقارير إعلامية إنها حاضرة أيضا في دول أفريقية.
ونقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية، عن يفغيني شاباييف، وهو عسكري روسي سابق، أن أمرا صدر في روسيا حتى يتم تشكيل مجموعة للذهاب إلى فنزويلا بغرض حماية مسؤولين كبار.
وتعد فكرة الإطاحة بمادورو من حكم فنزويلا مبعث قلق شديدا من الناحية السياسية والاقتصادية لموسكو التي أصبحت هي والصين الملاذ الأخير لكاراكاس، إذ يقرضها البلدان المليارات من الدولارات مع انهيار اقتصادها الاشتراكي. وتستثمر روسيا في قطاع النفط في فنزويلا كما قدمت دعما لجيشها.
كما عبّرت الصين عن دعمها أيضا لمادورو وقالت إنها تعارض التدخل الخارجي في فنزويلا وتدعم جهود حماية استقلالها واستقرارها. وعرقلت روسيا والصين صدور قرار لمجلس الأمن يدعم من أسماه “الرئيس المؤقت لفنزويلا” خوان غوايدو.
وفي جلسة طارئة لمجلس الأمن بشأن التطورات في فنزويلا، السبت؛ ناشد بومبيو المجتمع الدولي بـ”دعم التحول الديمقراطي والوقوف إلى جانب غوايدو”.
وردّت الدول الأوروبية على رفض مادورو، الذي سارع إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، القبول بما حدث، بأن حددت له مهلة ثمانية أيام للدعوة إلى انتخابات في بلاده وإلا فإنها ستعترف بزعيم المعارضة خوان غوايدو “رئيسا” مؤقتا لتنضم إلى الولايات المتحدة.
وكالة رويترز كشفت أن عددا من المرتزقة الروس التابعين لمجموعة فاغنر التي سبق لها أن نفذت مهمات بأوكرانيا وسوريا سافروا إلى كاراكاس لدعم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو
وتأتي المهلة الأوروبية مع تصاعد الضغوط الدولية على نظام مادورو للموافقة على إجراء اقتراع جديد، خصوصا مع اعتراف الولايات المتحدة وكندا ودول بارزة في أميركا اللاتينية بغوايدو، الذي أعلن نفسه رئيسا بالوكالة خلال تظاهرات حاشدة الأربعاء.
وترتبط إسبانيا، المستعمر السابق، ارتباطا وثيقا بفنزويلا، إذ يعيش حوالي 200 ألفا من مواطنيها هناك.
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في إعلان رسمي بثه التلفزيون “إذا لم تتم الدعوة خلال ثمانية أيام إلى انتخابات نزيهة وحرة وشفافة في فنزويلا، فإن إسبانيا ستعترف بخوان غوايدو رئيسا”.
وتبعه الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قال إن فرنسا “مستعدة للاعتراف” بغوايدو “رئيسا” لفنزويلا في حال عدم الدعوة إلى إجراء انتخابات “خلال 8 أيام”.
Thumbnail
وفي برلين، أوضحت مارتينا فيتز، المتحدثة باسم الحكومة الألمانية في تغريدة، أنه “يجب أن يمنح للشعب الفنزويلي حق أن يقرر بحرية وأمان مستقبله. إذا لم تعلن انتخابات في غضون ثمانية أيام، فسنكون مستعدين للاعتراف بخوان غوايدو الذي يقود مثل هذه العملية السياسية، كرئيس بالوكالة”.
واختتمت بريطانيا المواقف الأوروبية بالسير على خطى باريس وبرلين ومدريد. وكتب وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت على تويتر “بعد منع مرشحي المعارضة وتزوير صناديق الاقتراع والمخالفات في عمليات الفرز في الانتخابات التي تضيق بالعيوب، أصبح من الواضح أن (الرئيس) نيكولاس مادورو ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا”.
وأضاف “غوايدو هو الشخص المناسب للمضي بفنزويلا إلى الأمام”. وهدّد بأنه “إذا لم يتم خلال ثمانية أيام إعلان إجراء انتخابات جديدة ونزيهة، فإن المملكة المتحدة ستعترف به (غوايدو) رئيسا مؤقتا يقود العملية السياسية في اتجاه الديمقراطية”.
ورحّب غوايدو بدعم القوى الأوروبية الكبرى. وتأتي هذه الإعلانات المتزامنة والأكثر وضوحا من جانب دول في الاتحاد الأوروبي الذي أعلنت وزيرة خارجيته فيديريكا موغيريني أنه “سيتخذ إجراءات” إذا لم تتم الدعوة إلى انتخابات في فنزويلا “في الأيام المقبلة”.
لكن، ورغم مواقف الدول الرئيسية في التكتل الأوروبي الداعمة لعملية الانقلاب، إلا أن عدم إعلان “بيان مشترك” حول فنزويلا يكشف حالة الانقسام التي تعيشها أوروبا بدورها.
وكانت إسبانيا توّد أن يمارس الاتحاد ضغوطا على مادورو من أجل إجراء انتخابات فورية، لكنّ دولا مثل النمسا واليونان والبرتغال أبدت ترددا حيال ذلك، فيما تغرد الدول التي تحكمها أنظمة شعبوية خارج السرب.
رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ منهجا مختلفا عن أسلافه الذين مروا بالبيت الأبيض، إلا أن عملية الانقلاب في فنزويلا تؤكد وفق المتابعين، أن النهج الرئيسي للولايات المتحدة لا حياد عنه مهما كان الرئيس، حيث تقود إدارة ترامب الضغوط الدولية على مادورو، باعتبار نظامه “غير شرعي”، في دور تقليدي مارسته الولايات المتحدة في دول كثيرة، عاشت، وتعيش نفس الأوضاع التي تشهدها فنزويلا من أزمات اقتصادية خانقة تصاعدت في الأشهر الأخيرة مما فاقم الاستقطاب السياسي ودفع الآلاف إلى التظاهر ضد السياسات الحكومية.
العرب