أما آن لقرارات المجلس المركزي الفلسطيني أن تنفذ؟ أم أن مفعولها انتهى والغرض منها استنفد. سؤال أو أسئلة ستظل مطروحة على نحو ملح، إلى أن تنفذ، أو يعلن عن سحبها ووقف التهديد بتطبيقها.
فتنفيذ هذه القرارات لدى صدورها، كان سيكون لها مفعول كبير، وكان يفترض أن تكون الرد المناسب على تنكر دولة الاحتلال لاتفاق أوسلو وبروتوكولاته، والرد الناجع على جرائمها وقضمها للقدس الشرقية والمسجد الأقصى، واغتصابها لمزيد من أراضي الضفة، وإطلاق العنان لقطعان مستوطنيها، ليس فقط لالتهام مزيد من الأراضي، بل لترويع أهالي القرى والبلدات المنكوبة بالمستوطنات، وحملهم على الرحيل لتفريغ هذه المناطق استعدادا لضمها.
وللتذكير فقط، فإن مناطق «ج» ووفقا لتصنيفات أوسلو، هي المناطق الخاضعة أمنيا وإداريا لجيش الاحتلال، وتمثل نحو 60% من أراضي الضفة، وهي الأقل كثافة بالسكان، ومناطق «ب» وتمثل 22 % وهي خاضعة أمنيا لجيش الاحتلال، وإداريا للسلطة الفلسطينية، ومناطق «أ» وتشكل نحو 18%، وهي التي يفترض أن تكون خاضعة أمنيا وإداريا للسلطة، ولكن جيش الاحتلال يستبيحها يوميا.
ولنفترض جدلا أن صلاحية هذه القرارات لم تنته بعد، فإنه ليس في صالح القيادة الفلسطينية، أو في صالح مصداقيتها أن تبقى معلقة بين السماء والأرض، نلوح بها بين الحين والآخر في وجه الخصوم السياسيين، أو نهدد بها الأعداء، فهي لا بد أن تفقد، إن عاجلا أو آجلا، تأثيرها، وستفقد القيادة بسبب ذلك ما تبقى لديها من مصداقية، أولا أمام نفسها، وثانيا ستفقد ثقة شعبها، وثالثا المصداقية بين الأصدقاء، وأخيرا أمام أعدائها. فمن كثرة التلويح بهذه التهديدات لم تعد تجد من يصدقها، أضف لذلك أن المماطلة وعدم التنفيذ ستفقد أي قرارات جدية لاحقة، المصداقية. وإذا كانت القيادة الفلسطينية تبحث عن ذرائع ومبررات، لتنفيذ هذه القرارات بأقل خسائر ممكنة، فهي عديدة، فخروقات دولة الاحتلال لاتفاق أوسلو وملحقاته، لا تتوقف عند حد، ولم يبق هناك بند واحد غير مخترق، باستثناء تلك التي تكون هي المستفيد الأكبر أو بالأحرى الوحيد منها.
* فعلى الصعيد الأمني، على سبيل المثال لا الحصر، أعادت إسرائيل عمليا احتلال الضفة، وأصبحت كل المدن الفلسطينية مستباحة، ولم يعد هناك فرق بين مناطق «أ» و»ب» و»ج»، ما يعني أن مسؤولية الالتزام سقطت عن الجهة الفلسطينية، طالما أن دولة الاحتلال هي المبادرة، وهذا أيضا يعني التحرر من قيود الاتفاق الأمني، الذي تتصدر المطالبة بوقفه قرارات المجالس المركزية منذ مارس 2015 وحتى الجلسة الاخيرة في رام الله في اكتوبر الماضي، الذي شهد تشكيل لجنة قيادية الغرض منها متابعة تنفيذ قرارات المجلس.
*الاختراقات الاقتصادية: لم يكن قرار الحكومة الإسرائيلية خصم أموال المقاصة أول ولا آخر هذه الخروقات، لاتفاق باريس الاقتصادي، ويضع مصير الأموال التي تجمعها حكومة الاحتلال وبفائدة قدرها 3% ، من الجمارك على البضائع المتجهة إلى أراضي السلطة، تحت رحمة هذه الحكومة اليمينية العنصرية والتصرف بها كيفما ارتأت، بغرض إذلال السلطة وتركيعها، ودفعها لاتخاذ قرارات غير وطنية. وإذا كنتم تبحثون عن ذريعة، فقد قدمها إليكم نتنياهوعلى طبق من ذهب، بقرار استقطاع حوالي 138 مليون دولار سنويا، من هذه الأموال، وهو المبلغ الذي تدفعه السلطة كمستحقات لأسر الشهداء والأسرى والجرحى. ونفذ نتنياهو تهديده باستقطاع 41 مليون شيكل (الدولار يعادل 3.6 شيكل) من أموال المقاصة لشهر فبراير الماضي. والحق يقال فإن موقف السلطة كان صحيحا، برفض استسلام هذه الاموال، لأن من شأن استلامها على هذا النحو أن يفسر قبولا من جانبها لهذه السياسة العقابية الجماعية الإجرامية، التي تعتبر خرقا للقانون الدولي.
وفي هذا السياق نؤكد مجددا على أن مستحقات أسر الشهداء والجرحى والأسرى، هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه، كما أكدت على ذلك القيادة الفلسطينية والمجالس الوطنية والمركزية لمنظمة التحرير، وكذلك جميع الفصائل الفلسطينية مرارا وتكرارا. وإن التنازل عنها هو تنازل عن القضية الوطنية، فالأسرى والجرحى والشهداء هم رموز ومعالم هذه القضية، وهم ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
* سرقة الأراضي والاستيطان وهدم منازل الفلسطينيين، وهي اعتداءات شبه يومية، متمثلة بتدمير الأراضي الزراعية، واقتلاع الأشجار المثمرة بحجة المناورات العسكرية، خاصة في مناطق الأغوار، قبل تسليمها للمستوطنين، وهناك ايضا الاعتداءات اليومية على أهالى القرى القريبة من المستوطنين التي زادت في الفترة الأخيرة كما ونوعا وعنفا إلى حد القتل.
الرصاص والصواريخ وبرودة السجون والخيام والحواجز، وسبعون عاما من الاحتلال لم تقتل روح الشعب الفلسطيني
تصاعد العدوان على القدس المحتلة ومقدساتها التي توصف في تصريحات المسؤولين الفلسطينيين من كل الاطياف السياسية مرارا وتكرارا بأنها خط أحمر. فقد انتهت سلطات الاحتلال عمليا وتدريجيا من تقسيم الحرم القدسي، زمانيا على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل. وشرعت في تتفيذ المخطط الصهيوني لتقسيمه مكانيا، توطئة لإقامة الهيكل المزعوم. وما الإجراءات التعسفية الأخيرة وقرار الحكومة الإسرائيلية بإغلاق باب الرحمة ومصلى الرحمة مجددا، والزيارات المشبوهة التي يقوم بها للمكان كبار مسؤولي الأمن، إلا دليل واضح على أن التنفيذ أصبح قاب قوسين أو ادنى.
دعم وتنشيط المقاومة الشعبية السلمية لمواجهة قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه وجرائمهم والتصدي لاعتداءاتهم، ولكن قبل ذلك لا بد من تعريف ماهية هذه المقاومة الشعبية، وتحديد أدواتها، فحتى اللحظة ليس هناك مفهوم واضح. فهل المقصود بالمقاومة الشعبية المسيرات الأسبوعية، التي تشهدها قرى بلعين ونعلين وكفر قدوم الأسبوعية؟ أم أن هناك مخططا لأن تكون أوسع وأشمل مقاومة تقلق الاحتلال وتزعزع أركانه وترهب مستوطنيه وتحرمهم حتى النوم، وتردعهم عن أفعالهم، بل وتجبرهم على هجر هذه المستوطنات والعودة إلى حيث اتوا، كما هو حال المقاومة الشعبية على حدود غزة الشرقية. ويمكن للضفة أن تبتكر أساليب المقاومة التي تناسبها.
والشيء بالشيء يذكر فإن المقاومة الشعبية في غزة أضافت ابتكارا جديدا لأساليبها وهي وحدة «الرماية»، وهذا يأتي طبعا بعد سلسلة من الابتكارات التي تسببت بالقلق لجيش الاحتلال ومستوطني غلاف غزة، خلال مسيرات العودة التي ستحتفل بعيد ميلادها الأول نهاية هذا الشهر. وهي وحدات إطارات الكاوتشوك، ومن بعدها وحدات الطائرات الورقية الحارقة، ثم بالونات الهيليوم المشتعلة، التي أحرقت آلاف الدونمات من الأراضي في منطقة غلاف غزة. وتأتي وحدة الرماية بعد وحدة «الإرباك الليلي»، التي تقلق مضاجع جنود الاحتلال ومستوطنيه.
واختتم بما نشرته شبكة أطلس سبورت أول شبكة رياضية فلسطينية تأسست عام 2002 وتبث من قطاع غزة، حوارا قالت إنه جرى بين معلقين إسرائيليين في كواليس القناة العبرية الخامسة، التي كانت تبث مباراة فلسطين وسوريا في نهائي كأس آسيا قبل أشهر، ورغم أنني شخصيا لا اعتقد أن مثل هذا الحوار جرى أصلا، ولكنه حوار ليس ببعيد عن الواقع، والحقيقة إن لم تكن الحقيقة نفسها التي تعكس مدى تمسك هذا الشعب بفلسطينيته وهويته وإرادة القتال، وهذا هو السر، ولولا ذلك لانقرض هذا الشعب عن بكرة أبيه بعد نحو قرن، بفعل أسوأ استعمارين الأول الاستعمار البريطاني، وهو الذي خطط ومهد الأرضية للاستعمار الثاني وهو الاستعمار الصهيوني.
وفي ما يلي نص شبكة أطلس الذي بعث به صديق لي: كان آفي يسأل شلومو: ألم تفلح سبعون عاما من الاحتلال في جعل الظاهر في الصورة رامي حمادة ابن مدينة شفاعمرو (مناطق 48) ينسى فلسطين وقضيتها ولغتها؟ كان شلومو مستغربا أيضا مما يدفع عبد الله جابر ابن الطيبة، ومحمد درويش ابن الفريديس وشادي شعبان ابن عكا (مدن داخل الخط الأخضر) لرفض كل مغريات الاحتلال وتلبية نداء فلسطين. وعندما جاءت الصورة على سامح مراعبة، صرخ آفي متسائلا: كيف لم تخف برودة الزنازين حماس سامح مراعبة، وهو أسير سجن الاحتلال لاشهر طويلة؟ لماذا لم يفلح نير بركات في ثني المقدسي تامر صيام عن تمثيل فلسطين؟ كيف خرج البهداري ومحمود وادي ومحمد صالح من غزة بعد كل هذا الدمار؟ ألم يهجر جد بابلو برافو وجوناثان سوريا وياسر سلامي من فلسطين إلى أبعد أصقاع الأرض في تشيلي، ما الذي يجعلهم يعودون لتمثيل فلسطين؟
لعل السؤال الأبرز كان، كيف لم يقتل الرصاص والصواريخ وبرودة السجون والخيام والحواجز، وسبعون عاما من الاحتلال لم تقتل روح الشعب الفلسطيني؟
ببساطة إنها الارادة والتصميم على المقاومة والصمود على الأرض ورفض الغبن وحب الحياة ونيل الحرية والكرامة.
القدس العربي