على مدى أربعة أيام توجه قرابة 436 مليوناً من مواطني 28 دولة منضوية في الاتحاد الأوروبي إلى صناديق الاقتراع لاختيار 751 نائباً لعضوية الدورة الجديدة للبرلمان الاوروبي، والتي تستغرق خمس سنوات. وقد أسفرت الانتخابات عن نتائج جديرة بالتأمل وتنبع أهميتها من التأثيرات التي سوف تتركها على حياة الشعوب الأوروبية بصفة عامة، وكذلك على ملايين المهاجرين واللاجئين بصفة خاصة، إلى جانب دور الاتحاد الأوروبي وطبيعة حضوره في السياسة الدولية والعلاقات بين تكتلات العالم وقواه الكبرى المختلفة.
وليس خافياً أن النتيجة الأهم كانت صعود أحزاب اليمين المتطرف والمجموعات الشعبوية والمعادية لفكرة الاتحاد وذلك في معظم أطراف القارة، رغم أن الظاهرة اكتسبت مغزى أكثر وضوحاً في فرنسا وإيطاليا والمجر على وجه التحديد. صحيح أن لكل بلد خصوصياته وعناصره المحلية التي تشجع ترسيخ هذه التيارات وقد لا تتطابق بالضرورة مع البلدان الأخرى، كما في حالة بريطانيا التي صعد حزب «بريكست» فيها على خلفية الخروج من الاتحاد، إلا أن القاسم المشترك الذي جمعها ويجمعها على الدوام هو اتخاذ مواقف معادية للهجرة واللجوء، يتفاقم الكثير منها إلى مستوى العنصرية الصريحة والتحريض على الكراهية.
نتيجة أخرى هامة هي ترسيخ صعود القوى القومية والشعبوية التي تمزج بين أكثر من وجهة واحدة في توظيف السخط الشعبي العام، كأن تحمّل الاتحاد الأوروبي والمهاجرين والأحزاب والتحالفات الحاكمة مسؤولية مشتركة عن اعتلال الاقتصاد وتدني المعيشة وهبوط القدرة الشرائية وارتفاع البطالة، هذه عدا عن الشكوى من أن انحسار القيم العائلية والشخصية القومية والخصوصية الثقافية ناجمة في مجموعها عن الاختلاط بالآخر أو الذوبان في جسم الاتحاد الأوروبي. وبهذا فإن حث الناخبين على معاقبة السلطات الحاكمة عن طريق صندوق الاقتراع في هذه الانتخابات أو تلك، يكتسي أيضاً صفة التحريض على المهاجر واللاجئ والآخر المختلف في اللون والعرق والثقافة.
والنتيجة الثالثة الهامة هي تفكك الاستقطابات القديمة بين أحزاب اليمين واليسار، أو بين المحافظين والاشتراكيين، وقد تجلى هذا في نتائج الغالبية الساحقة من انتخابات الاتحاد الأوروبي، وإن كانت مكاسب الاشتراكيين في إسبانيا قد شكلت شذوذ القاعدة. في بريطانيا مُني المحافظون والعمال بهزيمة مريرة، وكذلك كان حال الجمهوريين والاشتراكيين في فرنسا، ولم تسلم أحزاب ألمانيا من الأذى وإن كانت معدلات الخسارة أقلّ نسبياً. في المقابل، عاد الناخب الأوروبي إلى أحزاب الخضر والبيئة، وكذلك إلى مجموعات الديمقراطيين الليبراليين، في سياق منحها فرصاً جديدة بعد أن كانت قد أساءت ترجمة الثقة خلال جولات سابقة.
وتبقى نتيجة رابعة جديرة بالاهتمام أيضاً، هي أن نسبة الإقبال على التصويت تجاوزت الـ50٪ للمرة الأولى منذ 40 سنة، وهذا يعني أن حوافز المواطن الأوروبي في الذهاب إلى صندوق الاقتراع لم تعد تقتصر على جهود التعبئة التي يبذلها هذا الحزب أو ذاك، أو السعي إلى معاقبة الأطراف الحاكمة، بل كذلك محاولة إرسال نوّاب إلى البرلمان الأوروبي يتحلون بحسّ المسؤولية تجاه المواطن، بصدد التشريعات الجوهرية التي تمس حياته اليومية، في العمل والعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية.
القدس العربي