الحروب التجارية تعيد الجدل بشأن ضرورة تقليص دور الدولار

الحروب التجارية تعيد الجدل بشأن ضرورة تقليص دور الدولار

لا تمثل دعوة رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد إلى إصدار عملة موحدة لدول شرق آسيا خبرا عابرا، بغض النظر عن إمكانية تحقيقها، وهي تعيد تسليط الضوء على محاولات كثيرة لتقليص دور الدولار تقودها الصين بشكل أساسي من خلال التبادل التجاري بالعملات الثنائية.

لندن – أكدت تقارير عالمية أن اتساع نطاق الحروب التجارية الأميركية وخاصة مع الصين والاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى تراجع مكانة الدولار كعملة احتياطات عالمية ويعزز جهود الاستغناء عن الدولار كعملة وسيطة.

كما أن العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وروسيا يمكن أيضا أن تقلص استخدام الدولار في تعاملاتها مع دول العالم الأخرى.

وجاء اقتراح رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد هذا الأسبوع، بإصدار عملة تجارة موحدة لمنطقة شرق آسيا تكون مربوطة بالذهب، ليسلط الضوء على الكثير من الجهود لتقليص هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي.

وبغض النظر عن إمكانية إيجاد توافق بين دول شرق آسيا بسبب تحالفاتها الخارجية وخاصة مدى قربها من واشنطن فإنه يبدو خطوة عملية لأن العملة المقترحة سيقتصر استخدامها على تسوية الواردات والصادرات.

وقال مهاتير محمد خلال مؤتمر في طوكيو “إذا أردتم التقارب في الشرق الأقصى فيجب أن نبدأ بعملة تجارة موحدة، لا تستخدم في التعاملات المحلية بل لأغراض التعاملات التجارية فقط ويجب أن تكون مربوطة بالذهب لأنه أكثر استقرارا”.

وأضاف أن تلك العملة المقترحة ضرورة ملحة لأن نظام الصرف الأجنبي الحالي يسمح بتأثر العملات بالعوامل الخارجية وتعرضها للمضاربات والتلاعب.

وسبق أن اقترحت الصين خطوة كبيرة في هذا الاتجاه في ذروة الأزمة العالمية في عام 2008 ونصت على إصدار عملة احتياطات عالمية بين المصارف المركزية وتكون تحت إشراف صندوق النقد الدولي بعد إصلاحه وخفض هيمنة الولايات المتحدة عليه.

لكن ذلك المقترح كان صعب التنفيذ بسبب استحالة قبول واشنطن به، لكنها رمت كرة ملتهبة بقيت منذ ذلك الحين تتدحرج في أروقة الأوساط المالية دون أن تجد إمكانية تنفيذها، رغم إجماع الخبراء على أن ارتهان النظام المالي العالمي لهيمنة الدولار أمر غير مستدام.

62 بالمئة حصة الدولار في الاحتياطات العالمية مقابل 2.5 للعملة الصينية نهاية العام الماضي

وقطعت الصين شوطا كبيرا منذ ذلك الحين في تخفيف اعتمادها على الدولار من خلال توسيع التعاملات مع الكثير من شركائها التجاريين بالعملات الثانية.

وقد أبرمت اتفاقات ثنائية في هذا المجال مع الكثير من الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية، إضافة إلى الكثير من الدول العربية مثل السعودية ومصر ودول شمال أفريقيا.

وكان مهاتير محمد قد ربط الرنغيت الماليزي بالدولار في ذروة الأزمة المالية الآسيوية في تسعينات القرن الماضي، عند 3.8 دولار وفرض إجراءات للتحكم في تدفقات رؤوس الأموال، لكنه أوقف ذلك الربط في عام 2005.

ولوحت الإدارة الأميركية في بداية الشهر الحالي بإدراج أي دولة في قائمة سوداء للدول المتلاعبة بقيمة عملتها، في إشارة إلى اتهاماتها المتكررة للصين بخفض قيمة عملتها لتحقيق مكاسب تجارية غير عادلة.

قالت وزارة الخزانة الأميركية هذا الأسبوع إنها لم تجد أي شريك تجاري كبير تستدعي ممارساته الإدراج على قائمة المتلاعبين في العملة، لكنها أدرجت ماليزيا والصين على قائمة من تسع دول تستدعي المراقبة عن كثب.

وأكد صندوق إنفستك، الذي يدير أصولا بقيمة 134 مليار، هذا الأسبوع أن الحروب التجارية والعقوبات الأميركية أدت إلى “تراجع استخدام الدولار كعملة رسمية” في وقت يتزايد فيه سعي الدول لخفض انكشافها على الدولار.

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن صعود دور العملة الصينية الرنمينبي (اليوان) هو “قصة الدورة المقبلة” في النظام المالي العالمي بسبب التحولات السياسية والاقتصادية والهيكلية.

ويشير صندوق إنفستك إلى التحولات الهيكلية في الصين، التي أصبحت تفضل تمويل العجز في الحساب الجاري من خلال إصدار سندات سيادية بعملتها الخاصة، بدلا من العملة الأميركية.

وتشير أبحاث إحصائية أجراها بنك مورغن ستانلي الأميركي إلى أن العملة الصينية تجاوزت اليورو لتصبح ثاني أكبر كتلة عملة في العالم، بعد الدولار.

وتظهر الأبحاث التي أجراها البنك باستخدام تحليل يعتمده صندوق النقد الدولي لتحركات العملات التي تحدد كتل الاحتياطات المالية، أن كتلة الرنمينبي تمثل الآن 28 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بفارق 8 بالمئة عن الدولار.

وتأتي موجة الاهتمام بصعود الرنمينبي في وقت تتراجع فيه جهود بكين لتدويل عملتها، منذ انهيار سوق الأسهم في الصين في عام 2015، ما أدى إلى موجة بيع حادة في الرنمينبي، وفرض قيود أكثر صرامة على رأس المال في محاولة لوقف التدفقات الخارجة من الصين.

وبلغت حصة العملة الصينية من المدفوعات عبر الحدود، استنادا إلى الشبكة المصرفية العالمية سويفت، نحو 2.8 بالمئة في أغسطس 2015 قبل أن تنخفض إلى النصف في السنتين اللاحقتين.

لكن كتل العملات لا تعكس حصتها كعملة احتياطات عالمية، حيث تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى استمرار هيمنة الدولار، الذي يستأثر بنسبة 62 بالمئة.

ورغم ارتفاع حصة الرنمينبي الصيني من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية إلى مستوى قياسي فإنها لم تتجاوز 2.5 بالمئة في نهاية العام الماضي “بعد استبعاد احتياطيات الصين نفسها” مقارنة بنحو 1.5 بالمئة في نهاية العام السابق.

وبذلك تحتل العملة الصينية المرتبة الخامسة بعد كل من اليورو في المرتبة الثانية بنحو 20.5 بالمئة يليه الين الياباني بنحو 5.2 بالمئة والجنيه الإسترليني البريطاني بنحو 4.4 بالمئة.

ويعود سبب الهيمنة التاريخية للدولار إلى سبعينات القرن الماضي حين تم تثبيت تسوية فواتير النفط بالدولار، وهو ما أصبح يعرف باسم البترودولار، الأمر الذي عزز شبكة التجارة والتمويل القائمة على الدولار.

ويرى فيليب سوندرز الرئيس المشارك في صندوق إنفستك أن “الصين تفضل الآن تسوية فواتيرها التجارية بعملتها المحلية. وقد أبرمت اتفاقات مع منتجين كبار مثل روسيا والسعودية لقبول الرنمينبي كمدفوعات لواردات النفط الصينية.

وقال إن “عددا متزايدا من المنتجين قبلوا بذلك النظام، وسف يكون لذلك تأثير لا يستهان به”. وأشار أيضا إلى الكشف في السنة الماضية عن العقود الآجلة للنفط المقومة بالرنمينبي، في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة.

وأكد هايدن بريسكو، رئيس قسم الدخل الثابت لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى بنك يو.بي.أس حدوث تحول كبير بالقول إن “جميع مسؤولي البنوك المركزية الذين قابلتهم في العام الماضي سألوني عن كيفية الخروج من التعامل بالدولار”.

وأشار إلى البيانات التي تظهر أن تداول الرنمينبي الآن في لندن يجري بمستويات أكبر من الجنيه الإسترليني.

وتشير تقارير شركة إنفستك وبنك يو.بي.أس إلى تحول متسارع للابتعاد عن الدولار من قبل الكثير من الدول مثل روسيا، التي أصبحت تفضل العملة الصينية في أعقاب العقوبات الأميركية، الأمر الذي يعزز الاتجاه نحو تعدد الأقطاب المالية.

العرب