الأحداث على الأرض في العراق وسوريا واليمن تدفع تدريجيًا العلاقات السعودية الإيرانية نحو مزيد من التصعيد. قال الجنرال الإيراني غلام رضا جلالي، قائد منظمة الدفاع المدني الإيراني (أحد الأجهزة الأمنية المحلية) في 27 يونيو، إنّ التهديدات السعودية على الجمهورية الإسلامية آخذة في الازدياد وتجد طرقًا جديدة. وأضاف: “علينا أن نجد ونجهّز وسائل جديدة للرد عليها“.
يرى جلالي أنّ الرياض تعمل ضد إيران لأسباب أيديولوجية وأمنية واقتصادية. وأعطى مثالًا على التدخل السعودي في الشؤون الإيرانية خلال أعمال الشغب الأخيرة في مهابا من الأكراد والتي بدأت في شهر مايو الماضي عندما توفيت عاملة النظافة في أحد الفنادق بعد رمي نفسها من الطابق الرابع من الفندق. وادّعى الناس أنّها كانت تحاول تجنب التحرش الجنسي من مسؤول رفيع المستوى كان يزور طهران مهاباد. وقال جلالي إنّ 80٪ من الاتصالات عبر الإنترنت حدثت قبل وأثناء الثورة كانت بين المملكة العربية السعودية ومهاباد.
أظهر جلالي التصعيد المتبادل في الشكوك وعدم الثقة بين الطرفين. يحمل تصاعد التوتر بين البلدين احتمالات عبور حدود الحروب بالوكالة والهجمات الكلامية المعتادة. وتزيد هذه الاحتمالات مع تدهور الأوضاع في العراق وسوريا على وجه الخصوص.
وعلاوة على ذلك، قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إنّ أعداء الجمهورية الإسلامية يحاولون جلب الحرب بالوكالة إلى الحدود الإيرانية. وقال خامنئي في 20 مايو وفقًا لموقعه الرسمي: “لقد تلقينا بعض المعلومات أنّ أعداءنا يعملون مع بعض حكومات دول الخليج العربي لجلب الحرب بالوكالة إلى الحدود الإيرانية، وسنرد بحسم على أي مؤامرة لجلب الحرب إلى حدودنا“.
حتى الآن، تم احتواء سلسلة من الخلافات الصغيرة. في وقت سابق من شهر يونيو الماضي، تم تسميم مجموعة من الزوار السعوديين في فندق بمدينة مشهد الإيرانية، ولقى أربعة سعوديين حتفهم. وقبل ذلك بأسبوع، استدعت طهران القائم بالأعمال السعودية للاحتجاج على هجوم صاروخي قرب السفارة الإيرانية في صنعاء. وفي مرحلة مبكرة من حرب اليمن، هدّدت المملكة العربية بقصف أي سفينة إيرانية تقترب من الساحل اليمني. وفي أبريل، منعت الطائرات السعودية طائرة إيرانية من الوصول إلى اليمن ورفضت السماح لطائرة أخرى قالت إنّها تحمل إيرانيين في طريقهم إلى الحج.
لكن لا زال هناك حذر من البلدين بشأن تبادل البيانات الرسمية التي لا يعتقد أي أحد أنّها تعبّر عن رغبتهما المشتركة لحل الخلافات عن طريق الحوار. في يونيو الماضي، التقى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد الحيان على هامش مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في جدة، وأكّدا استعداد بلديهما لبناء مقاربة مشتركة للقضايا السياسية والأمنية من حولهما.
في الواقع، تعكس تعليقات الجنرال جلالي طبيعة المشاعر الحقيقية في العلاقات الثنائية بين البلدين؛ فالقضايا الحقيقية التي تسمّم العلاقات بين البلدين هي قضايا إقليمية بالأساس. في سوريا، على سبيل المثال، تخطى عدد الإصابات في صفوف لواء القتال الإيراني “فاطميون” لدعم بشار الأسد 400 مقاتل. وعلى الرغم من أنه من الصعب تقدير عدد الضحايا بين أفراد حزب الله الذين يقاتلون في سوريا؛ لأنّ الجماعة تحافظ على سرية أعداد الضحايا وتدفن جنودها القتلى دون احتفالات في معظم الحالات؛ لكنّ تقارير لبنانية ذكرت أنّ العدد يتراوح بين ألف إلى ألفي شخص.
في العراق، الإيرانيون مصممون على وضع غرب البلاد تحت سيطرة الميليشيات الموالية لها هناك. في اليمن، يُقال إنّ الإيرانيين قد شجعوا حلفاءهم، الحوثيين، لإسقاط الرئيس المنتخب وإجباره على الفرار إلى المملكة العربية السعودية.
يتفهم السعوديون ذلك من خلال إنهاء سياسة الاحتواء تجاه إيران؛ حيث تركت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية وحدها لمواجهة ما تراه الرياض أنّه مشروع إيراني للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط. ودور إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأماكن أخرى يوفر الدليل الكافي على الطموحات الإيرانية في المنطقة. تعتبر إيران نفسها القائدة “الطبيعية” في المنطقة، والقوة الوحيدة المناسبة لتشكيل الأحداث هناك. إنّها تقاوم أي دور الولايات المتحدة باعتباره تدخلًا في الشؤون الإقليمية. ويجري التفكير في هذه الشؤون كمسؤولية قاصرة على إيران فقط.
الشعور العام في الرياض هو أنّ إيران قوية بدرجة كافية لتمثل تهديدًا خطيرًا ليس فقط على المصلحة الوطنية لدول الخليج الأصغر حجمًا، ولكن على وجود تلك الدول. ولذلك؛ ستصبح نهاية سياسة احتواء إيران رسمية مع توقيع الاتفاق النووي مع طهران. ومع ذلك، فإنّ التدخل الإقليمي الإيراني كان يحدث في عهد الاحتواء، فمن الطبيعي أن نفترض أنّه سيوسّع اللحظة التي يتم فيها تطبيع العلاقات الدولية مع الإيرانيين.
التفسيرات الشائعة في الرياض لإصرار الرئيس أوباما على التوصل الى اتفاق مع إيران هو أنه لا يهتم كثيرًا بدول الخليج، هذا إذا لم يكن يحتقر أنظمتهم. إنّ آفاق تطوير استراتيجية إقليمية للحد من التدخل الإيراني من القوى الإقليمية لا تزال تحت الإنشاء، إذا جاز التعبير، مع بعض الانتكاسات وبعض التقدم أيضًا.
على المستوى الأيديولوجي، يتم إجراء البحوث على إحياء نسخة جديدة من حركة الوحدة العربية. وقد ثبت أن التحريض الطائفي بين السُنة والشيعة هو تدمير ذاتي ويسبب غضبًا دوليًا، كما يساهم في صعود المنظمات الإرهابية.
هذه النسخة الجديدة من القومية العربية ستكون مختلفة من نسخة عبد الناصر في مصر خلال الخمسينيات والستينيات؛ فهي لن تستهدف “الإمبريالية الدولية” بقيادة الولايات المتحدة، ولكن سوف تستهدف التهديد المباشر الذي يأتي من جيرانها من غير العرب وإضفاء الشرعية على دور أكبر لأي بلد عربي في أي بلد عربي آخر. هذا التحوّل قد يقلّل من خطر بعض من أسوأ الأفكار المتخلفة التي تنتشر تحت مظلة السُنة مقابل الشيعة، ولكنه بالتأكيد سيكون له مشاكله الخاصة.
في كل الأحوال، فإنّ التحول في سياسة الولايات المتحدة، الحليف الرئيس للمملكة العربية السعودية، وصعود إيران كقوة إقليمية مع طموحات الهيمنة، سيؤدي إلى شرق أوسط مختلف تمامًا. بقيادة المملكة العربية السعودية، ستمر المنطقة عبر مجموعة مختلفة من التحالفات الإقليمية والخارجية والسياسات الداخلية المختلفة. ولن يقتصر هذا التحول في العلاقات الإقليمية الداخلية؛ بل سيمتد للهياكل السياسية داخل كل بلد على حدة أيضًا. وينبغي توقع صعود منظور عسكري في القضايا المحلية والإقليمية.
بالنسبة للسعوديين، انتهى وقت انتظار المساعدة من الولايات المتحدة. ولن يتم النظر إلى الولايات المتحدة كعدو، ولكن باعتبارها صديقًا غير وفيّ ولا يمكن الوثوق به. ويجري حاليًا إنشاء آليات لإنتاج سياسات إقليمية مستقلة واتخاذ مبادرات إقليمية حتى من دون إبلاغ الولايات المتحدة. الشرق الأوسط يخرج أخيرًا من مدار الأمن الأمريكي، ونعتقد أن هذا المدار غير موجود بعد الآن. وإذا كان موجودًا، فإنه لا يستحق الاهتمام.
التقرير