على وقع تصاعد شرارات التوتر في منطقة تعدّ الأهم على صعيد قطاع الطاقة في العالم، تتجه الأنظار إلى ذلك الشريط الضيّق من المياه بين إيران وسلطنة عمان، الذي يمر عبره قرابة 18 مليون برميل نفط يومياً، وهو ما يمثل 30% من حجم تجارة النفط الخام عبر البحر عالمياً، لا سيما مع تهديد إيران أكثر من مرة بسعيها إلى إغلاق المضيق الحيوي.
وبين مناوشات وتهديدات وبوادر “صدام” في الأيام الأخيرة، بين إيران والولايات المتحدة، صار مضيق هرمز في قلب الأحداث، ذلك المضيق الذي شهد بالقرب منه، وتحديدا في ميناء الفجيرة الإماراتي، أولى بوادر التصعيد الواقعي للحرب الكلامية بين طهران وواشنطن، مع تعرّض عدة سفن لأعمال “تخريبية” قبالة ساحل الإمارات بالقرب من مضيق هرمز، فماذا تعرف عن ذلك المضيق؟
أرقام ذات دلالة
يفصل الممر المائي بين إيران وسلطنة عمان، ويربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب. يبلغ عرض المضيق 33 كيلومترا عند أضيق جزء منه، لكن الممر الملاحي لا يتجاوز عرضه ثلاثة كيلومترات في كلا الاتجاهين.
ووفق ما قدّرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن أهمية المضيق تكمن في أن 18.5 مليون برميل من النفط المنقول بحراً يومياً مرت عبر المضيق في 2016. وشكّل ذلك نحو 30%من الخام وغيره من السوائل النفطية التي جرى شحنها بحراً في 2016.
شرارتها برميل نفط… “حرب الناقلات” القديمة تلوح في الأفق بين واشنطن وطهران
وتقول شركة “فورتيكسا” للتحليلات النفطية إن ما يقدّر بنحو 17.2 مليون برميل يوميّاً من الخام والمكثفات جرى نقلها عبر المضيق في 2017، ونحو 17.4 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2018. ومع بلوغ الاستهلاك العالمي للنفط نحو 100 مليون برميل يوميّاً، فإن ذلك يعني أن قرابة خُمس تلك الكمية تمرّ عبر مضيق هرمز.
وتمر عبر المضيق معظم صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك). يمرّ من المضيق أيضا كل إنتاج قطر تقريبا من الغاز الطبيعي المسال. وقطر أكبر مُصدّر له في العالم.
ساحة مواجهة بين العثمانيين والبرتغاليين
على الرغم من أن “حرب الناقلات” في ثمانينيات القرن الماضي هي الأبرز في تاريخ الصراع بشأن هذا المضيق، الذي يقع بين إيران وعُمان، حيث يتقاسم البلدان الحقوق الإقليمية على المياه به، غير أنها ليست الأولى. فتاريخ الصراع في ذلك الشريط الضيّق من الماء، شهد ما يعرف بـ”معركة هرمز” بين عامي 1552- 1554 بين العثمانيين والبرتغاليين.
ويسرد العديد من المؤرخين تفاصيل الصراع العثماني البرتغالي في الخليج العربي والذي مثل فيه “مضيق هرمز” أرضا رئيسية للمعركة. وبحسب المؤلف محمود شاكر في كتابه “موسوعة تاريخ الخليج العربي”، الصادر عام 2005، فإنه في عام 1552 قاد بيري باشا، أو بيري ريس، حملة عثمانية تحركت من السويس إلى مسقط واستولت على القلعة البرتغالية، ثم تقدمت الحملة إلى جزيرة هرمز التي كادت تسقط في أيدي العثمانيين.
ووفق “شاكر”، فإنه في ذلك الوقت تركز جهد العثمانيين في السيطرة على الساحل الشرقي للجزيرة العربية وجزيرة البحرين وفتح “مضيق هرمز”، غير أن من بين العناصر التي كان يتوقف عليها نجاح المشروع التسهيلات البحرية العثمانية وإمكانيات دار صناعة السفن في البصرة. وبينما أمر السلطان العثماني بتعيين مراد ريس رئيسا للأسطول العثماني من أجل إعادة السفن العثمانية الراسية في البصرة إلى السويس، فإن البرتغاليين واجهوا الأسطول العثماني في “مضيق هرمز”، وقد تكبّد العثمانيون أضرارا كانت كفيلة بأن تدفع قائدهم للعودة إلى البصرة. تجدّدت المعركة مرة أخرى بين الطرفين في يوليو (تموز) 1554، وتكبّد العثمانيون مجددا خسائر فادحة، واضطر قائدهم إلى ترك ما تبقى من السفن (نحو 9 سفن)، وأبحر باتجاه اليمن.
مواجهات ومناوشات حديثة
وفي العصر الحديث، عاد اسم “مضيق هرمز” بقوة في الثمانينيات خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وتحديدا فيما عُرف تاريخيا بـ”حرب الناقلات”، عندما تبادل البلدان أولاً مهاجمة الموانئ النفطية لكل منهما في الخليج وضربتا، بل وأغرقتا 250 ناقلة نفط عملاقة، وطال الصراع ناقلات الدول المجاورة. وفي يوليو (تموز) 1988، أسقطت البارجة الحربية الأميركية فينسينس، التي كانت تبحر في مضيق هرمز لحماية السفن المحايدة من هجمات البحرية الإيرانية، طائرة إيرانية مما أسفر عن مقتل 290 شخصا، هم جميع من كانوا على متنها. وقالت طهران إنه هجوم متعمّد، فيما قالت واشنطن إنه حادث اعتقد فيه الطاقم أن الطائرة التجارية طائرة مقاتلة.
في التسعينيات، أدت الخلافات بين إيران والإمارات بشأن السيطرة على عدة جزر صغيرة داخل مضيق هرمز إلى مزيد من التهديدات لإغلاق المضيق. ومع ذلك، بحلول عام 1992، احتلت إيران هذه الجزر، لكن التوترات ظلت قائمة في المنطقة خلال التسعينيات.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2007 وحتى عام 2008، وقعت سلسلة من الأحداث البحرية بين الولايات المتحدة وإيران في مضيق هرمز. في مطلع 2008، قالت الولايات المتحدة إن الزوارق الإيرانية هددت سفنها الحربية بعدما اقتربت من ثلاث سفن تابعة للبحرية الأميركية في المضيق. وفي يونيو (حزيران) من العام نفسه، قال قائد الحرس الثوري الإيراني، وقتها محمد علي جعفري، إن إيران ستغلق المضيق إذا تعرضت للهجوم، في محاولة لإلحاق الضرر بأسواق النفط العالمية. وردّت الولايات المتحدة بأن أي إغلاق للمضيق سيُعامل كعمل حربي. زاد هذا من التوترات وأظهر أهمية مضيق هرمز على نطاق عالمي.
لم يقتصر التوتر بشأن المضيق على التهديدات الإيرانية، ففي يوليو (تموز) 2010، تعرضت ناقلة النفط اليابانية “إم ستار” لهجوم في المضيق. وأعلنت جماعة متشددة تعرف باسم “كتائب عبد الله عزام”، والتي لها صلة بالقاعدة، مسؤوليتها عن الهجوم.
عادت إيران لتهديداتها المتكررة في يناير (كانون الثاني) 2012، إذ هدّدت بإغلاق مضيق هرمز رداً على عقوبات أميركية وأوروبية استهدفت إيراداتها النفطية في محاولة لوقف برنامجها النووي. وفي مايو (آيار) 2015، أطلقت سفن إيرانية طلقات صوب ناقلة ترفع علم سنغافورة، قالت طهران إنها دمرت منصة نفطية إيرانية، مما دفع الناقلة للفرار. كما صادرت سفينة حاويات في المضيق.
وفي يوليو (تموز) 2018، ألمح الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن بلاده قد تعطّل مرور النفط عبر مضيق هرمز رداً على دعوات أميركية لخفض صادرات إيران من الخام إلى الصفر. وقال قائد بالحرس الثوري أيضا إن إيران ستوقف كل الصادرات عبر المضيق إذا تم إيقاف الصادرات الإيرانية.
البحث عن بدائل آمنة
تسعى كل من الإمارات والسعودية إلى إيجاد طرق أخرى لتفادي المرور عبر مضيق هرمز في حالات التوتر، بما في ذلك مدّ مزيد من خطوط أنابيب النفط. ووفق بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن هناك عددا من خطوط الأنابيب القائمة والمشروعات المقترحة، ومن بينها خط بترولاين (خط أنابيب شرق-غرب)، وهو خط سعودي عامل تبلغ طاقته الاستيعابية 4.8 مليون برميل يوميا، ما هو مستغل منها بالفعل 1.9 مليون برميل يوميا، بينما تبلغ طاقته غير المستغلة 2.9 مليون برميل يوميا.
وبجانب ذلك الخط، هناك خط أنابيب أبو ظبي للنفط الخام، وهو خط إماراتي عامل سعته 1.5 مليون برميل يوميا، يُستخدم منها نصف مليون برميل، بينما تبلغ الطاقة غير المستغلة مليون برميل. فضلا عن خط أبقيق-ينبع لسوائل الغاز الطبيعي، وهو خط سعودي عامل تبلغ طاقته الاستيعابية 300 ألف برميل يوميا، وهي مستغلة بالكامل. وأيضاً هناك خط الأنابيب العراقي في السعودية، وهو خط سعودي تحوّل لضخ الغاز الطبيعي.
وتبلغ الطاقة الإجمالية لجميع هذه الخطوط 6.6 مليون برميل يوميا، يُستغل منها 2.7 مليون برميل، بينما تصل السعة غير المستغلة إلى 3.9 مليون برميل.
اندبندت