سيناريوهات تعيد نفسها بين آونة وأخرى، فاختراقات تنظيم داعش الإرهابي يتزايد، ليس في المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد فحسب بل في محافظات أخرى أيضا؛ وهو ما قد يكون رسائل مفادها إثبات الوجود واستعادة ترتيب الصفوف.منذ إعلان الحكومة العراقية عام 2017 هزيمة التنظيم لم تبرز له أي عمليات يمكن وصفها بالنوعية، حتى هاجم عناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية”، الأحد، حقولا نفطية في محافظة صلاح الدين شمالي العراق، في هجوم يعد الأول من نوعه من هزيمة التنظيم نهاية 2017.
وقال النقيب “سعد محمد”، من قيادة عمليات صلاح الدين (تتبع الجيش)، إن “عناصر من تنظيم داعش الارهابي هاجموا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة اليوم حقول عجيل وعلاس في محافظة صلاح الدين، لكن قوات شرطة الطاقة تصدت لهم، ومنعت وصولهم إلى المواقع النفطية”.
وأضاف أن “الهجوم يعد الأول من نوعه منذ طرد عناصر التنظيم من المحافظة نهاية 2017”. وأوضح أن “عناصر التنظيم حاولوا استهداف القوات الأمنية المكلفة بحماية حقول النفط تمهيدا لاقتحام المنطقة النفطية”.وتابع “محمد” أن “المنطقة شهدت وصول تعزيزات عسكرية تحسبا لأي طارئ”، لافتا إلى أن الهجوم لم يسفر عن سقوط ضحايا من قوات الأمن. ورغم الإعلان الرسمي عام 2017 عن هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في العراق، فإن القادة العسكريين يؤكدون أن التنظيم لديه خلايا نائمة تعمل بشكل فردي في المناطق التي حُرِّرت.
ويرجع المتابعون للشأن العراقي أسباب عودة العمليات الارهابية لداعشبأن التنظيم الارهابي قد استغل التقارير الأخيرة التي حذرت فيها الاستخبارات الأميركية والبنتاغون من عودة قوة التنظيم من جديد، ليخرج بهذه العملية رغبة منه في توثيق تلك التقارير على أرض الواقع ورجوعه للساحة من جديد.
ويتابعوا أن تلك التقارير كانت تحذيرا مبكرا من واشنطن لبعض القادة العراقيين الراغبين في إخراج الجيش الأميركي من الأراضي العراقية، استطاع التنظيم توظيفها لمصلحته؛ كما لا نستبعد تكرارها وربما داخل المدن، ويرون أن الخلافات السياسية سبب رئيسي لعودة عمليات التنظيم، فالفجوة المتكونة داخل قبة مجلس النواب العراقي بين الكتل السياسية هي ذاتها ستنعكس على الأمن في أرض الواقع، فالخلافات ستشمل المسؤولين المدنيين والعسكريين في عموم المحافظات لانتماءاتهم إلى تلك الكتل النيابية وفقدان التنسيق في إدارة المدن.
وإن انعدام الإعمار وخاصة في المناطق المستعادة من تنظيم داعش الارهابي مؤخرا ترافقه البطالة المتزايدة بين صفوف الشباب، وهو ما يشكل الخطر الأكبر والممول الأول لتنامي التنظيم وعودة انضمام الكثيرين من العاطلين عن العمل لصفوفه؛ مشددين على أن التجاهل الحكومي للمناطق المحررة وغض النظر عن توفير فرص عمل عبر شركات الاستثمار لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار سيفاقم الأزمة ويدعم التنظيم بالأهم وهو العنصر البشري بسبب تخبط وسوء الإدارة الناجمة عن الخلافات السياسية.
وربما كان الاقتصاد هو المحور الفاعل في معادلة الوضع الأمني، فقواطع تنظيم داعش الارهابي لديه اللامركزية بعد عام 2017، ولا يظن أن عملية حقول عجيل وعلاس هي لتشتيت حملة إرادة النصر، وإنما هي جزء من عملياته في قاطع صلاح الدين لتمكين خلايا القاطع من التمويل الذاتي، فهي بهذا الهجوم ستهدد شركات النقل الخاصة بالوقود والتي بالضرورة سوف تستجيب لدفع الإتاوات التي يفرضها تنظيم الدولة لتمويل عناصره”.المعادلة تشير إلى نمو التنظيم مع نمو وتوسع الفجوة بين الساسة العراقيين، وتبقى المدن المحررة ومحيطها ساحة صراع لنفوذ الأقوى على حساب راحة الأبرياء الذين يدفعون الضريبة.
وأعلن مفتّش عام بوزارة الدفاع الأميركيّة في تقرير أنّ تنظيم داعش الإرهابي «يُعاود الظهور» في سوريا مع سحب الولايات المتحدة قوّاتها من البلاد، وأنّه «عزّز قدراته» في العراق، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وقال التقرير: «رغم خسارته خلافته على الأرض، فإنّ تنظيم داعش في العراق وسوريا عزّز قدراته المسلحة في العراق واستأنف أنشطته في سوريا خلال الربع الحالي من السنة». وأضاف أنّ التنظيم استطاع «إعادة توحيد صفوفه ودعم عمليّات» في كلا البلدين، وذلك لأسباب منها أنّ القوّات المحلّية «غير قادرة على مواصلة شنّ عمليّات طويلة الأمد، أو القيام بعمليّات عدّة في وقتٍ واحد، أو الحفاظ على الأراضي» التي استعادتها.
يحاول تنظيم داعش الإرهابي استجماع قدراته المسلحة في العراق ليشكل بذلك خطرًا على أمن واستقرار العراق، ويؤكد محللون وخبراء عسكريون أن القضاء على التنظيم الإرهابي لا يعني أن خطر التنظيم قد زال مع قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق التي طُرد منها وانطلاقًا من العراق، فالخلايا النائمة لداعش خطر منربص للعراق.
حذرت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، من خطورة تحركات خلايا “داعش” بمدينة الموصل شمالي البلاد على الملف الأمني العام.وأشارت اللجنة إلى أن التنظيم نجح عام 2014 في تأسيس قاعدة انطلاق له من الموصل باتجاه باقي المحافظات، وأن خلايا تنظيم داعش تنشط في الجانب الأيمن (الغربي) لمدينة الموصل.ولفتت إلى أن الخطورة تكمن في أن الجانب الغربي لمدينة الموصل مرتبط بمناطق البعاج والجزيرة “جنوب وغرب الموصل”، وهي مناطق مفتوحة تمتد لباقي المحافظات.
وأوضحت أن هناك مساحات صحراوية بين قاطع مسؤولية قيادة عمليات نينوى وقاطع مسؤولية قيادة عمليات الجزيرة والبادية بمحافظة الأنبار، وهي بحاجة إلى قوات إضافية لإحكام السيطرة عليها ومنع نشاط التنظيم.وللقضاء على نشاط “داعش”، اعتبرت اللجنة أن الأمر بحاجة إلى عمليات عسكرية واسعة يشارك فيها طيران الجيش، إلى جانب إحكام السيطرة على الحدود لمنع عمليات التسلل لعناصر التنظيم.وأشارت إلى أنه لغاية الآن هناك تسلل لعناصر داعش من سوريا إلى العراق، لأن المنطقة الحدودية بطول أكثر من 600 كيلومتر، ولم تحكم “أمنياً” بصورة تامة.ووفق اللجنة، فإن خارطة نشاط خلايا داعش تتركز حالياً في الجانب الغربي لمدينة الموصل، ومناطق جنوب كركوك، خصوصاً في القرى التي لم يعد إليها النازحون لغاية الآن، علاوة على الصحراء في محافظة الأنبار.
يقول الباحث بمعهد تشاتام هاوس البريطاني ريناد منصور إن “التحدي حينها ستصبح محاولة التعامل مع مجموعة مثل داعش كما لو كانت مشكلة عسكرية فقط. لذا، فإن الحل العسكري لا يعالج سوى الأعراض، وهي داعش، لكنه لا يستطيع أن يعالج جذور سبب ظهور هذه الجماعات”. ويختتم منصور بالقول: “التحدي الذي يواجهنا الآن هو أنه لا يوجد أحد يعالج هذه الجذور”.