المظاهرات والاحتجاجات التي تتفجر في أي بلد تقف خلفها أسباب بحسب ما تفرضه وتولّده الظروف، وما يجري حاليا في بغداد ومحافظات عراقية أخرى له أسبابه ودوافعه.
ولم تأت مظاهرات العراق من فراغ ولا حتى من أحداث قريبة، بل هي تراكمات فترة عقد ونصف العقد عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، خلفتها الحكومات المتعاقبة، هكذا استهل رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري توضيحه حول أبرز دوافع الاحتجاجات.
واعتبر الشمري في حديثه للجزيرة نت أن عامل الاقتصاد يتقدم الأسباب، حيث تعيش البلاد في تدن في المستوى المعيشي جراء ارتفاع البطالة وغياب الخدمات وتردي البنية التحتية.
من جهته اعتبر المدير التنفيذي لشبكة نيريج الاستقصائية سامان نوح أن الوضع الاقتصادي أحد الدوافع للمظاهرات مع بلوغ معدل البطالة 30% بين الشباب، إلى جانب وصول 22% من الشعب مستوى دون حد الفقر مع فقدان جيل كامل لفرص العمل.
وعن الدوافع الأخرى، أوضح نوح أنه بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق لم يتبق عذر للحكومة بفتح آفاق للشباب، لكن بمرور الوقت اقتنع العراقيون بأن الفرص كرست فقط لأبناء المسؤولين والمتنفذين بالسلطة، وأن لا حل سوى الاحتجاج لإيقاف الاستحواذ على المال العام.
وأيد النائب عن تحالف القوى العراقية عبد الله الخربيط ما ذهب إليه الشمري ونوح، مؤكدا أن الأسباب لا شك اقتصادية بحتة وأن السبب الرئيسي هو توسعة الدولة للقطاع العام المعروف بفساده، وهو ما أدى إلى غياب فرص العمل خاصة للشباب.
سياسيا
التراكمات لم تقتصر على الجانب الاقتصادي، فقد أكد الشمري أنها لا تخلو من مخلفات لأخطاء سياسية تمثلت في استمرار المحاصصة التي تولد فسادا إداريا كبيرا، إلى جانب عدم وجود مشاركة سياسية فعلية إذ لا توجد شخصيات جديدة بالعملية السياسية فكانت أشبه بتدوير للوجوه.
من جهته اعتبر نوح أن المنافسة داخل البيت الشيعي سبب رئيسي، فبعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة “وسيطرة المتشددين والفصائل القريبة من إيران والمتمثلة في البناء والفتح وعصائب أهل الحق على المشهد السياسي خلال السنتين الماضيتين، حرّك بعض الكتل الشيعية التي شعرت بفقدان مكانتها إلى محاولات إعادة التوازن داخل الطيف الشيعي فكان انعكاسا سلبيا جديدا على العملية السياسية”.
لا دوافع سياسية
واستبعد النائب حامد المطلك أي أسباب سياسية وراء المظاهرات الأخيرة، وعزاها لدوافع اقتصادية مطلبية. وأضاف أن “نزاهة الاحتجاجات من الانتماءات السياسية حتى الآن وعدم اتضاح مؤشرات لتسيسها من أي جهة حزبية يعتبر خلوّا تاما من وقوف أسباب سياسية خلف المظاهرات”، وأضاف أن “ما تلقاه الشباب من قمع هو جهل سياسي وسوء ظن من بعض الكتل بوقوف أعداء لهم خلفها”.
في حين ذهب مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض إلى اتهام من وصفهم بالمتآمرين والمتربصين بمحاولة زرع الفتنة في العراق، مؤكدا جاهزية قوات الحشد لإفشال أي “مؤامرة” تحاك ضد أمن البلاد إذا طلبت الحكومة ذلك.
وقال الفياض في مؤتمر صحفي قبل أيام إن الحكومة تعرف تماما الجهات التي تقف وراء أعمال العنف، وأكد أنه سيتم الكشف في الوقت المناسب عن أسماء المتآمرين وكافة المعلومات بشأنهم، متوعدا بالقصاص العادل والرادع ممن أرادوا شرا بالعراق دون أي مجال للتساهل معهم، وفق تعبيره.
فقدان الثقة
يقول الشمري إن عدم التوازن في المعادلة بين حجم الوعود الكبيرة المزعومة بالإصلاح وبين الانعدام التام للتنفيذ أخلّ بميزان الثقة بالحكومة خاصة بعد مرور سنة كاملة ولدت صدمة لدى الكثير لا من تدني الاقتصاد الحالي فحسب، بل حتى من تراجعه ببعض الجوانب، ويتابع “تزوير الانتخابات مؤشر على عدم ثقة المواطنين في الحكومة، فقد لجأت الأحزاب السياسية للتزوير لإتمام مصالحها بعيدا عن قناعة الشعب”.
وهو الأمر ذاته الذي أشار إليه نوح موضحا أن عزوف أكثر من 60% من المواطنين عن الانتخابات البرلمانية الماضية هو دليل على عدم إيمان النسبة الكبرى من العراقيين بالعملية السياسية وفقدانها الثقة في العلمية وسياسييها.
من جهته قال الكاتب والصحافي علي البيدر إنه يمكن عد فشل الديمقراطية باعتبارها أكذوبة تتأرجح عليها الحكومة من خلال لعبها على تخويف الجيل الحالي من دكتاتورية النظام السابق سببا لا يمكن التغاضي عنه.
ويقول البيدر إن الحكومة تناست أفعالها بالزج بعشرات الآلاف من الأبرياء في الاعتقال ومثلهم من المحتجزين دون محاكمة أو حتى دون تهم، علاوة على المغيّبين، وهي برمتها تصرفات ولدت طائفية مقيتة بين مكونات الشعب، مما فجّر ردة فعل قوية دفعت الشباب للجوء إلى الاحتجاج لتغيير واقع الحال بعد أن تأكدوا من خبث لعبة الديمقراطية.
المصدر : الجزيرة