العراق بحاجة الى عصر تنويري جديد لتحقيق الإصلاح الاقتصادي

العراق بحاجة الى عصر تنويري جديد لتحقيق الإصلاح الاقتصادي

الباحثة شذى خليل*

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها الأمة العربية، والاخص بلدي العراق من ثروات طبيعية وبشرية وعلمية وفكرية، إلا أن الوضع يظل مأساوياً، فقر وجهل ومرض وعوز ومخيمات لاجئين وبطالة ….. الخ من ويلات ومصائب.
لماذا لم تسخر تلك الثروات وتلك العقول لخدمة البلاد العربية أولا والاستفادة منها على صعيد العالم ثانيا؟ هناك خلل ما..
حيث شخص البروفيسور العراقي محمد طاقة هذا الخلل بكل دقة وموضوعية في محاضرته الأخيرة، الخلل في “نمط التفكير” يجب ان يتحرر الانسان العراقي من ميله إلى التحزّب والانقياد للعادات التقاليد والتبعية للعشيرة او رئيس الحزب او رجل الدين، لا توجد استقلالية بالتفكير، كيف يمكن ان يقاد البلد بعقيلة سجينة لأفكار ومفاهيم قديمة الاختلالات الموجود اليوم، يجب ان تستحدث نظريات وطرق تفكير جديد، وعلاجات جديدة لمشاكل التي يعاني منها البلد على كافة الاصعدة لبناء بلد قوي علمي.. لابد من التحرر الفكري اولا.
العراق بحاجة الى عصر تنوير يناسب مجتمعنا على غرار أوروبا القديمة:
التنوير (Age of Enlightenment) مصطلح يشير إلى القرن الثامن عشر في الفلسفة الأوروبية، وهي نشوء حركة ثقافية تاريخية دعيت بالتنوير والتي قامت بالدفاع عن العقلانية ومبادئها كوسائل لتأسيس النظام الشرعي للأخلاق والمعرفة “بعيدا عن الدين”.

رواد هذه الحركة كانوا يعتبرون مهمتهم قيادة العالم إلى التطور والتحديث وترك التقاليد الدينية والثقافية القديمة والأفكار اللاعقلانية ضمن فترة زمنية دعوها “بالعصور المظلمة”.
شكلت هذه الحركة أساسا وإطارا للثورة الفرنسية ومن ثم للثورة الأمريكية وحركات التحرر في أمريكا اللاتينية.
أهم الفلاسفة والمفكرين في عصر التنوير: فولتير، وجان جاك روسو، وديفيد هيوم، وجميعهم قاموا بمهاجمة مؤسسات الكنيسة والدولة القائمة.
شهد القرن الثامن عشر أيضا صعود نجم الأفكار الفلسفية التجريبية, وتطبيقها على الاقتصاد السياسي والعلوم والحكومات كما كانت تطبق في الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء.
التنوير هو خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي والتبعية الفكرية وبلوغه سن النضج أو سن الرشد والاعتماد على التفكير العلمي الإيجابي الذاتي .
كما عرَّف القصور العقلي على أنه “التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا “ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: “استعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لديكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدر والمكتوب، تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر، كما حذر من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين كما حصل في دولة بروسيا لاحقاً.

العقل، والطبيعة، والعفوية، يتوافقون في الرؤية التنويرية مع الاعتقاد أن الطبيعة قد وهبت كل إنسان قدرة غريزية على الفهم، مما يجعله مساوياً لجميع الآخرين، بشرط أن يتم تحريره من فساد الخرافات والجهل واقصاء الآخر وتكفير الآخر وعدم التسامح بتلك الأفكار…. اين نذهب ؟ فقط الى الدمار والانهيار والى مستقبل مظلم .
الإنسان المتحرر من التبعية العمياء، يستخدم عقله بشكل صحيح وتلقائي (وفقا للتنويرين) ويظهر السلوك الطبيعي فيما يسمى “الهمجي النبيل” في المضي قدما في بناء الدولة حيث القوانين، غير مستبدة، التي تستند إلى الحقوق الطبيعية.
والتّنوير هو خروج الإنسانِ من حالة اللّا نُضج التي فرضها على نفسه. اللّا نُضج هو عدم إمكانية استعمال قُدرات الفهم لشخصٍ مُعيّن دون الحاجة لتوجيهٍ من أشخاصٍ آخرين… يجبُ عليك أن تعلم! لكن لديك الشجاعة لاستعمالِ فهمكَ الخاص.

مُساهمة التّنوير في العلوم:
يقول الكاتب البريطاني والمؤرّخ روبرت وايلد: «شهد عصر النّهضة أو التنوير والثورة العلميّة توسّعًا هائلًا في معرفتنا نحو العالم، وكذلكَ في تعزيز دقة تلك المعارف» كما يُضيف: «جُزءًا من ذلك كان بسبب تطوّر ما قد نسميّه اليوم بالمنهج العلمي»، ورغمَ اختلاف البعض حول المنهج العلمي، تبقى مسألة وضع نيوتن لأسُسَ المنهج المعروفِ اليوم أمرًا أكيدًا، حسبَ موسوعة ستانفورد للفلسفة.
ويعود الفضل في ذلك إلى انخفاضِ الأميّة والتكلفة الضئيلة للكُتب، كما تطوّرت طُرق نشر نتائج التجارب العلميّة، وكذلكَ هي رغبة المفكرّين والعلماء في نقاشها وتبنّيها، يقول وايلد لموقع لايف ساينس: «أريدُ أن أذكر نماذجَ العلماء مثلَ القدّيس غريغوري والآخرين الذين أتوا قبله، لم يتوقف البشر عن محاولة فهمِ العالم، لقد حصلَ أن يكون التطّور الناجح للعلم الحديث يحدث الآن».
العراق بعد 2003 :
في عراق ما بعد 2003 حلم الجميع ان يكون الوطن لصالحهم، بعد ان كان لصالح فرد واحد، لكن حلمهم هذا تبخر مع اول جلسة لمسؤولين عراقيين اقروا خلالها حجم امتيازاتهم التي اخذت بالتضخم كما ونوعا لتصبح ثروة الوطن في جيوب وارصدة بعض المسؤولين بعد ان صارت ككرة ثلج تكبر كلما مر الوقت .
بعد التغيير للوعود التي قطعها من كان يعدهم بالأفضل, لكنهم لم يروا سوى المزيد من الخيبات, فلم يحصل اي تغيير في معالم البلاد، إلا “اللهم” انهم تمكنوا من رفع صور وشعارات الحزب الواحد واضعين محلها صورا وشعارات جديدة رنانة استوردت من بلاد المهجر، اضافة الى ازالتهم لأسم “صدام حسين” الذي تسمت به الكثير من المؤسسات الحكومية في البلاد لتحل محله اسماء لشخصيات سياسية ودينية اخذت مساحة واسعة من النفوذ والمسؤولية .
ماذا قدم هؤلاء لبلدنا كي نمنحهم هذا القدر من الامتيازات ؟ الاجابة بلا شك انهم لم يقدموا شيئا يذكر… بل انهم قادوا البلاد للخراب اكثر من ذي قبل .

الاقتصاد العراقي بحاجة الى الإصلاح:
دخل العراق مرحلة جديدة بعد تغيير النظام السياسي ، في حزيران 2003 على وجه التحديد ، اذ شرعت سلطة الائتلاف CPA بوضع مشروعها لإصلاح الاقتصاد العراقي في الإطار المرسوم له، فأصدرت تشريعات وقوانين واتخذت تدابير طالت العديد من المجالات, منها الاستثمار الأجنبي, البني التحتية, النظام المصرفي, الضرائب, الملكية, الاستقرار النقدي…..الخ.
لكن الحقيقة لم يحصد العراقيون سوى اقتصاد مدمر وفي أقصى حالات التدهور ويعاني من كساد واضح في الانتاج والسوق المحلية تتعرض الى إغراق سلعي من المستحيل مواجهته محلياً، كما يعاني الاقتصاد من تشوهات في هيكل الأسعار واختلالات هيكلية في الميزان التجاري والقوى العاملة وعجز في الميزانية العامة ومديونية تكبل حركته نحو التقدم وتحقيق معدل للنمو الاقتصادي مقبول اقتصادياً وظروف امنية سيئة تحد من اجتذاب الاستثمارات الاجنبية.
لابد من الاصلاح الفوري والجاد المبني على الفكر العلمي الجديد، إلا أن المهم الان ليس القيام بالإصلاح فقط بل نوعية هذا الاصلاح ومضمونه، ذلك ان الاصلاح يمكن ان يتم بطريقة عشوائية غير منظمة مما يهدد امكانات النمو والتنمية وينطوي على تكلفة اجتماعية باهظة، هذا ما يحدث اذا ما تم الاصلاح مثلا عن طريق اعتماد سياسة انكماشية قاسية .
الاصلاح المنظم المدروس يقوم على معياران اساسيان هما:
1. المساعدة على تخفيض مستوى العجز الخارجي الى الحد الذي يمكن استمراره.
2. ان يكون التوازن الخارجي متفقا مع تحقيق معدلات مقبولة للنمو الاقتصادي وثبات الاسعار.
ان ازمة الاقتصاد العراقي تؤكد أهمية الشروع بإصلاحات اقتصادية تستند الى استراتيجية للتنمية تستهدف تغيير بنية الاقتصاد العراقي الاحادي الجانب من خلال تنويع البنية الانتاجية وتحقيق توزيع اكثر عدلا للدخل والثروة والعناية بالفئات الاجتماعية ذات الدخول المنخفضة والتركيز على استثمار الثروة الشبابية.
أولا: مفهوم الاصلاح الاقتصادي:
يقصد بالإصلاح الاقتصادي مجموعة الاجراءات التي تتخذها الدولة أو السلطات الاقتصادية بهدف التخفيف من أو ازالة التشوهات في الهيكل أو الأداء الاقتصادي او لغرض تحقيق زيادة مضطردة في معدلات النمو الاقتصادي، او انه الاصلاح الذي يحقق أفضل تعبئة للموارد وللفائض الاقتصادي ليوجهها الى مجالات النشاط الاقتصادي الأكثر فاعلية والأكثر تحقيقا لمتطلبات الأمن القومي والاجتماعي، والاصلاح الضروري هو الذي يخلق آليات التحفيز والاندماج ويعبئ طاقات البشر المادية والمعنوية ليزجها في عملية الخلق والابداع ، فالإصلاح هو اصلاح ما فسد أو ما أصبح فاسدا.
ويكون على مستويين، الأول: الاقتصاد الكلي: ويكون الاصلاح هنا استجابة للتحديات والفرص المتاحة أو للتكيف مع الصدمات الخارجية أو كرد فعل لنتائج لم تكن بالحسبان لإجراءات اقتصادية مستهدفة أو لمواجهة الاختلال في ميزان المدفوعات وما يتبعه من اختلالات مثل عدم التوازن بين الادخار والاستثمار والعجز في الميزانية، اي ضمن نظرة اقتصادية شاملة .
والثاني : مستوى الاقتصاد الجزئي: ويستهدف تصحيح أداء الوحدات الاقتصادية من خلال تنفيذ مجموعة من الاجراءات التي تهدف الى ترشيد الاداء وتحقيق الاستخدام الافضل للموارد المتاحة وزيادة حجم المنافسة وترك آلية تحديد الأسعار لقوى العرض والطلب.
ويهدف الاصلاح الاقتصادي، إلى توفير الحاجات الأساسية من السلع والخدمات لجميع أفراد الشعب بصورة عامة وللفقراء بصورة خاصة، كما يهدف الى خلق وتوفير فرص عمل تستوعب الزيادة المستمرة في القوى العاملة الناجمة عن زيادة عدد السكان، وتحسين وضع ميزان المدفوعات، وتحقيق توازن الايرادات مع النفقات بميزانية الدولة، والسيطرة على التضخم والقضاء عليه تدريجيا، ويتطلب ذلك المزيد من الاعتماد على آلية السوق وتشجيع القطاع الخاص للقيام بتمويل وادارة الاستثمارات وتحرير وادارة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والادارية لتحقيق الاستخدام الأفضل للاستثمارات المتاحة وتعويض إهلاك الطاقات الانتاجية، واضافة طاقات انتاجية جديدة للاقتصاد القومي.
ثانيا: واقع الاقتصاد العراقي ودواعي الإصلاح:
تعرض الاقتصاد العراقي الى صدمات وأزمات عديدة، ولم يكن في حقيقته من القوة بمكان لمواجهة تلك الصدمات والازمات، على الرغم من امكاناته الاقتصادية الهائلة، التي لم يتم استثمارها بشكل متوازن لتحقيق النهضة الحضارية والتطور الاقتصادي المنشود.
وما يميز هذا الاقتصاد، انه ريعي يعتمد بالأساس على القطاع الاستخراجي (النفط)، وجميع الخطط التنموية التي اعتمدت سابقاً في تمويلها على الايرادات العامة المتأتية من هذا القطاع، فقد شكلت صادرات النفط الخام نسبة لا تقل عن (94%) من قيمة صادرات العراق خلال المدة 1970-1990، كما بلغت نسبة السلع الرأسمالية والوسيطة من مجموع استيرادات العراق خلال المدة المذكورة (74%) كما شكل الجزء المستورد من المستلزمات السلعية المستخدمة في قطاع الصناعات التحويلية نسبة (53%).
لقد أفقد الاتجاه الشمولي للسياسات الاقتصادية مقومات الكفاءة والتنافسية للإنتاج السلعي في اطار علاقات العراق التبادلية، بحيث أبعدت مزايا السوق عن تحقيق منافع اقتصادية لأفراد المجتمع، فقد كانت الدولة مهيمنة تماماً على هذه السياسات، مما اضعف دور القطاع الخاص، الامر الذي يوضحه انخفاض ناتج الصناعة التحويلية في هذا القطاع كمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي من (2.5%) عام 1988، الى (0.07%) عام 1994 على الرغم من توجه الدولة ولو جزئياً نحو خصخصة بعض شركاتها الحكومية في عام 1987.
من الممكن القول ان بداية الصدمات الحقيقية كانت الحرب العراقية- الايرانية التي استنزفت موارد المجتمع المادية تماماً (ناهيك عن البشرية)، فمن فائض قدر بحوالي (35) مليار دولار ابان بداية الحرب الى مديونية ثقيلة قدرها صندوق النقد الدولي بـ(125) مليار دولار في عام 2004، عبر تراكم نتائج الحروب (حربي الخليج الاولى، الثانية، وما بعدهما).

وفي الوقت الذي فرضت الحرب المذكورة انفاقاً متزايداً على الاحتياجات العسكرية، اذ ساهم هذا الانفاق بما نسبته (42.5%) من اجمالي الناتج المحلي عام 1985، فقد تعرض الاقتصاد الى اكثر من صدمة اقتصادية لعل في مقدمتها تذبذب اسعار النفط ومن ثم ايراداته من النقد الاجنبي جراء التقلبات في الايرادات النفطية، لذلك فإن توجه الدولة نحو الخصخصة – كما ذكرنا آنفاً- كان من بعض اسبابه محاولة تعويض جزء من الايرادات العامة التي خسرتها جراء تذبذب اسعار النفط ولحاجتها الضرورية الى الانفاق التمويلي جراء ما استنزفته الحرب.
كما كانت حرب الخليج الثانية عاملاً ضاغطاً لتدمير الاقتصاد لاسيما بعد صدور عدد كبير من القرارات الدولية واهمها القرار (661) الصادر في 6/آب/1990 المتضمن فرض العقوبات الاقتصادية وضمنها الحصار الاقتصادي الذي ادى الى عزل العراق واقتصاده عن العالم الخارجي، مما أدى الى ارتفاع الضغوط التضخمية مع مرور الزمن وصارت تؤثر في قيمة أسعار الصرف، وارتفع سعر صرف الدولار الامريكي مقابل الدينار العراقي من (7.5) دينار لكل دولار في عام 1991، الى اكثر من (2500) دينار لكل دولار نهاية عام 1995.
ان عقد التسعينيات من القرن الماضي كان المحرك الاساس في تفاقم تدهور الاقتصاد بعد ان اقترن بسوء الادارة الاقتصادية وتوجه الدولة نحو الاصدار النقدي الجديد وتآكل قيمة المدخرات والاجور الحقيقية وتزايد اعداد العاطلين عن العمل.

اما الحرب الاخيرة التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق في الربع الاول من عام 2003، فقد اجهزت على معظم البنى الارتكازية وشمل التدمير جميع المؤسسات والشركات الرسمية وغير الرسمية، وما لم تطله الحرب، طاله السلب والنهب والحرق، حتى تم تدمير (158) شركة من أصل (192) شركة حكومية، أما الباقي فتوقف عن الانتاج والعمل لأسباب مختلفة منها الظروف الامنية (المنفلتة)، وانقطاع التيار الكهربائي وغيرها من الازمات المتتالية .
طرق الاصلاح الاقتصادي:
الأول: هو الاصلاح الذي تقوم به الدولة اعتمادا على مواردها الذاتية أو الاعتماد على مصدر تمويلي غير صندوق النقد والبنك الدوليين ، وقد يجري الاصلاح دون الحاجة الى تمويل خارجي وذلك بالاستعانة بالسياسات المالية والنقدية وبعض اجراءات الرقابة المباشرة لتحقيق الأهداف المطلوبة، وهذا النوع من الاصلاح يتم تطبيقه في الدول الرأسمالية والدول المصدرة للنفط.
الثاني: الاصلاح الاقتصادي الذي يتم بالتعاون مع الصندوق والبنك الدوليين والذي يبدأ فيه برنامج الاصلاح الاقتصادي بما يعرف بخطاب النوايا ، وهو خطاب مفصل تصدره حكومة الدولة العضو طالبة تمويل من الصندوق ، ويوضح هذا الخطاب مشكلة الدولة الاقتصادية ثم الاهداف.
ويمكن اجمال أهم دواعي الاصلاح بالآتي:
1. تدهور معدلات النمو الاقتصادي: انخفضت معدلات النمو الاقتصادي بشكل كبير بسبب تدنى مستويات النشاط الاقتصادي، وكون الاقتصاد العراقي يعتمد اساسا على تصدير النفط، فإن استبعاد النفط سيؤدي الى أن يصبح معدل النمو سالبا بشكل كبير.
2. اختلال الميزان التجاري: انخفضت الصادرات النفطية أثناء فترة الحصار الاقتصادي بنسبة (97%) وغير النفطية بنسبة (31%) في عام 1991 عنه في عام 1990، وشهدت الاستيرادات انخفاضا كبيرا خلال المدة (1991-1996) ثم عادت للارتفاع عام 2001، وكان الميزان التجاري في حالة فائض خلال المدة (1988-1990) حيث نما بمعدل ( 47.7%) ثم تحول الى عجز ووصل هذا العجز خلال المدة ( 1991-1995) الى (-11.1%) .
3. اختلال الميزانية العامة: يعاني الاقتصاد العراقي من قصور في الايرادات وزيادة في النفقات العامة.
4. ارتفاع المديونية الخارجية: بسبب الانفاق العسكري المتزايد والذي شكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي ، وظروف الحصار الاقتصادي بلغت مديونية العراق الخارجية ما يقرب من (120) مليار دولار.
5. ارتفاع معدلات البطالة: ارتفعت نسبة العاطلين عن العمل في العراق من (4.9%) عام 1987 الى (16.7%) عام 1997 وعام 2004 وصلت النسبة الى (28.1%) ويزداد حجم البطالة عند الاخذ بنظر الاعتبار نسبة العمالة الناقصة (العاملون ساعات عمل اقل من الحد الادنى) لتقترب من تقديرات البنك الدولي التي تصل الى نحو 50% ، وهذا يؤشر الارتفاع الكبير في معدلات البطالة عند مقارنتها بمؤشرات عقدي الثمانينيات والتسعينيات.
6. ارتفاع نسبة الفقر: ارتفعت نسبة الفقراء بشكل كبير في العراق خلال السنوات الأخيرة، حيث اشار تقرير أصدره المركز العراقي للحوار والتنمية في نهاية عام 2005 الى ان حوالي 70% من العراقيين يعيشون عند مستوى الكفاف، وهو ما يضع العراقيين في ذيل قائمة الفقراء في العالم على الرغم من غنى هذا البلد بثرواته الطبيعية وامكاناته البشرية الكبيرة.
ينبغي أن تستهدف عملية الاصلاح الاقتصادي تحقيق الأهداف التالية:
1. محاولة تحقيق التوازن في عملية التنافس بين القطاعين العام والخاص، وفسح المجال امام مبادرات القطاع الخاص، لأن عملية الخصخصة هي جزء أصيل من برامج الاصلاح الاقتصادي لأنها تمثل تغييراً جذرياً للسياسات الاقتصادية من اجل المشاركة في تعبئة الموارد المحلية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2. التخفيف من الاعباء التي تتحملها ميزانية الدولة نتيجة استمرار دعمها للمشاريع والشركات التي اثبتت التجربة عدم جدواها اقتصادياً، وتوجيه الانفاق العام نحو دعم البنى الاساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الاهمية الاستراتيجية، وتخفيض الدعم الحكومي المقدم الى السلع الأساسية، حيث ان الحكومة العراقية ملزمة بموجب اتفاقية المعونة الطارئة ان تشرع بالإلغاء التدريجي للدعم ابتداء بإلغاء الدعم على المشتقات النفطية في نهاية عام 2005 والبالغة قيمته 1.5 مليار دولار، وتخفيض مخصصات البطاقة التموينية في ميزانية عام 2006 الى 2.6 مليار دولار بعد ان كانت 4 مليارات دولار في ميزانية عام ‏2005.
3. تطوير السوق المالية المحلية وتشجيع حركتها بما يضمن تنمية القدرات الانتاجية.
4. خلق المناخ الاستثماري المناسب لدعم الاستثمارات المحلية ومحاولة تشجيع وجذب الاستثمارات الاجنبية لتفعيل الاقتصاد الوطني.
5. اتباع اجراءات تقشفية صارمة لاسيما في النفقات الحكومية من اجل زيادة الايرادات العامة.
6. الاصلاح المالي والمصرفي: وهو يشكل جوهر برامج الاصلاح الاقتصادي وهو يهدف الى ايجاد انظمة مالية ومصرفية سليمة وتنافسية من اجل تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، والاسراع في وتيرة النمو الاقتصادي وتمكين الاقتصاد من التكيف مع الصدمات الخارجية، ويشمل الاصلاح المالي والمصرفي حزمة من الاجراءات اهمها: تحرير اسعار الفائدة ، تحرير اسعار الصرف الاجنبي ، والابتعاد عن الائتمان الموجه.

الاثار المتوقعة للإصلاح:
تشير تجربة الاصلاح الاقتصادي التي طبقت في عدد من الدول العربية الى انها تدفع بالبلاد الى مرحلة انتقالية صعبة تعتمد درجة صعوبتها ومدتها على مدى قدرة الدولة على اختيار السياسات الاصلاحية الملائمة، وقدرة الموارد الوطنية على الاستجابة للتغير، وثقة رأس المال الاجنبي في تلك الدولة بسياساتها الاصلاحية، ومن الممكن ايجاز الآثار المتوقعة للإصلاح على بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية كالتالي:
1. الآثار على الفقر وتوزيع الدخل: ستؤدي سياسات الاصلاح الى ازدياد حدة الفقر وتضرر الفئات الاجتماعية الفقيرة من السكان بسبب:
• انخفاض الدعم الحكومي للسلع الرئيسة كالغذاء والطاقة.
• ارتفاع اسعار السلع والتضخم نتيجة لإزالة الدعم وتخفيض سعر صرف العملة المحلية.
• تخفيض الانفاق العام على الجوانب الاجتماعية كالتعليم والصحة والاسكان والنقل العام.
• البطالة الناجمة عن الاثر الانكماشي.
• هبوط الاجور الحقيقية نتيجة للتضخم وازالة ضمانات العمل والحد الادنى للأجور.
• اثر تحرير الاسعار محليا.
• اثر تحرير التجارة والتوجه نحو التصدير.
سيؤدي الاصلاح ايضا الى ارتفاع تفاوت توزيع الدخول بسبب:
1. تأثر الفقراء اكثر من الاغنياء بإجراءات تخفيض الانفاق العام او الاثر الانكماشي.
2. التضخم يعيد توزيع الدخول من الفقراء الى الاغنياء.
3. حرمان الفقراء من التعليم وبالتالي من الدخل الجيد.
2. ويؤدي الاصلاح في الاجل القصير الى الاضرار بالنمو الاقتصادي بسبب:
• نقص الانتاج.
• زيادة البطالة.
• تدهور مستويات المعيشة.
• تدهور الخدمات الاجتماعية.
3. الآثار على البطالة: يعد ارتفاع معدل البطالة خلال الفترة الانتقالية من اهم مشاكل الاصلاح، ولاشك ان البطالة موجودة اصلا وبشكل مرتفع في العراق، إلا ان عمليات إعادة هيكلة القطاع العام والخصخصة ستخلق رافدا جديدا لسيل العاطلين عن العمل، وهو ما يتطلب التريث في موضوع إعادة هيكلة القطاع العام والخصخصة في ضوء ضعف القطاع الخاص العراقي، وعدم قدرته على استيعاب القوة العاملة الفائضة من القطاع العام.
أدوات مواجهة الآثار الاجتماعية للإصلاح الاقتصادي:
يتطلب نجاح الاصلاح الاقتصادي ايجاد بيئة مؤسسية قادرة على دعم التنمية البشرية وآليات لحماية الفئات المتأثرة بنتائجه السلبية، وهو ما يطلق عليه شبكة الامان الاجتماعي، والتي تمثل حزمة متكاملة من تدابير الدعم المؤسسي ليس فقط للفئات المتأثرة، وانما ايضا لتلك الفئات غير المستفيدة من اجراءات الاصلاح، والدعم المالي لإيجاد فرص للاستثمار والتشغيل، واصدار التشريعات التي تحمي تلك الفئات وتشجع افرادها ومساعدتهم على الاستفادة من المنافع المتوقعة للإصلاح ، وينبغي ان تقوم شبكة الامان الاجتماعي في ظل برامج الاصلاح على اسس منهجية شاملة هي:
• معالجة أسباب الفقر وتقديم الدعم لخدمة الفئات المتضررة تحديدا.
• عدم خلق هيكلية ادارية اضافية وبيروقراطية جديدة، والتركيز على اعادة تأهيل وتوزيع العمالة الفائضة على انشطة اقتصادية جديدة.
ولمواجهة آثار التصحيح على الدخل وسوق العمل يطرح عدد من الباحثين الاجراءات الآتية:
• تشجيع النمو الاقتصادي الذي يستخدم بكثافة وكفاءة عنصر العمل.
• حماية الفئات الاكثر فقرا .
• إقامة شبكات الامان وتوفير تمويل لها محليا ودوليا.
وتتوزع اعمال هذه الشبكات من مشروعات الاشغال العامة كثيفة العمالة الى مشاريع التغذية الموجهة للفئات المستهدفة، او وضع رواتب للأسر الفقيرة جدا، الى مشاريع رفع رأس المال البشري، الى مشاريع ترويج ودعم المشاريع الصغيرة، وبشكل اكثر تفصيلا يمكن إبراز العناصر المقترحة لشبكة الحماية الاجتماعية في العراق بما يلي:
1. توفير البطاقة التموينية للفقراء والذين تقل دخولهم عن حد معين.
2. ابقاء الدعم الحكومي للمواد الغذائية التي لها مساس بحياة المواطن كالقمح والرز والسكر والزيت.
3. توفير اعانات نقدية للعاطلين عن العمل والعاجزين والكهول.
4. توفير الخدمات الصحية والتعليمية للفقراء مجانا.
5. دعم برامج التنمية الريفية لإحداث التوازن بين الريف والمدينة من خلال تمويل انشاء مشاريع البنية التحتية واصلاح الاراضي الزراعية واقامة المناطق الصناعية والسياحية.
6. دعم البرامج المتعلقة بالعمالة والتي تتضمن ما يلي:
• تمويل برامج العمل العامة لخلق فرص عمل للشباب.
• تعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم المالي لها.
• تدريب وتأهيل الشباب للعمل في القطاع الخاص.
ان تطبيق اجراءات الامان الاجتماعي آنفة الذكر من شأنها التقليل من الآثار السلبية المترتبة على انخفاض الاستهلاك الخاص والعام، ولذلك يغدو من الضروري العناية جيدا بموضوعة الاصلاحات الاقتصادية وتقدير عواقبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بصورة دقيقة وموضوعية لأن الحالة العامة في العراق مازالت مثقلة بأعباء ومخاطر جمة سياسية وامنية واقتصادية.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية