عاصفة ساخرة لتصريحات وزير الدفاع العراقي

عاصفة ساخرة لتصريحات وزير الدفاع العراقي

أثارت تصريحات أدلى بها وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري بشأن القنابل المسيلة للدموع، التي ووجه بها متظاهرو العراق، عاصفة من السخرية، خصوصا إشارة المغردين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن الوزير أطلق تصريحاته المفاجئة من فرنسا، التي ذهب إليها ليتعاقد على شراء أسلحة جديدة تواجه بها الحكومة المتظاهرين.

وبعيدا عن هذا وذاك، فإن خطورة تصريحات الوزير تكمن في أنها كشفت معلومات خطرة عن قنابل الغاز، التي أدت إلى قتل وإصابة عدد كبير من المتظاهرين، وتأكيده أن القنابل، التي اخترقت أجساد المتظاهرين ورؤوسهم دخلت إلى البلاد من دون علم السلطات.

وتحدث الشمري عن تفاصيل كثيرة بينها أن “مدى البندقية، التي تستخدمها القوات الأمنية لإطلاق قنابل الغاز، يتراوح بين 75 إلى 100 متر” وأن ذلك العتاد الذي تستخدمه القوات النظامية، يستخدم في جميع أنحاء العالم، لكن الغريب أنه أكد اكتشاف حالات قتل بقنابل الغاز، طالت متظاهرين على بعد 300 متر عن القوات الأمنية المسؤولة عن تفريق المحتجين.

كما كشف عن أن “تلك المقذوفات دخلت إلى العراق بصفة غامضة”. وشدّد على أن “تلك المقذوفات، التي يبلغ وزنها ثلاثة أضعاف المقذوف المستخدم رسميا، استخدمت بنحو خاطئ وسيء”.

أهمية التصريحات تكمن في أنها تضع مسارا محددا لمطالب المحتجين بالكشف عن “الطرف الثالث” الذي يقتل المتظاهرين والذي أكده وزير الدفاع.

وقد نسفت تلك التصريحات النفي المتكرر الذي يصر على إصداره المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، عبدالكريم خلف، والذي يؤكد فيه أن قنابل الغاز لا تخترق رؤوس المتظاهرين، عادّا المشاهد المصورة لتلك الحالات بأنها “مقاطع فيسبوك”. وقد وصف خلف المعلومات، التي أوردها تقرير منظمة العفو الدولية بشأن وزن القنبلة، الذي يصل إلى 10 أضعاف القنابل العادية بأنها “معلومات فيسبوك”.

وكانت منظمة العفو قد أدانت استخدام الحكومة العراقية لقنابل مسيلة للدموع “تخترق الجماجم” وسلطت الضوء على وجود غازات محرمة في القنابل المستخدمة لـ”قمع المحتجين” في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وأشارت في البداية إلى أنها مصنعة في بلغاريا وصربيا قبل أن تصدر تقريرا آخر يؤكد أنها صناعة إيرانية.

وقالت المنظمة في تقرير إنها أجرت مقابلات مع العديد من شهود العيان، واستعرضت السجلات الطبية واستشارات المهنيين الطبيين في بغداد، فضلا عن أخصائي طب شرعي مستقل حول الإصابات المروعة التي تسببت فيها هذه القنابل منذ 25 أكتوبر الماضي.

الطرف الثالث، الذي لم يفصح عنه وزير الدفاع عن هويته، هو الذي أثار الجدل بين العراقيين، ففي الوقت الذي يؤكد تقرير منظمة العفو الدولية أن القوات الأمنية العراقية هي التي استخدمت هذا السلاح، تحاول الحكومة العراقية تبرئة قواتها الأمنية وإلقاء التهمة على طرف ثالث مجهول تصوّره كشبح لتفادي العقوبات الدولية.

وقد أكد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وجود ذلك الشبح الغامض، عندما تحدث عن زيادة حالات الاختطاف في العراق ملقيا بالمسؤولية على طرف ثالث، لم يفصح عنه أيضا، وهي مراوغة واضحة للتخلص من المسؤولية، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن ضعف الحكومة وهشاشة الوضع السياسي في العراق.

حاول الناطق باسم وزارة الدفاع العميد يحيى رسول أن يرقع الشق الذي أحدثه الوزير في بيان أصدره الجمعة وقال فيه، إن “ما يقصده وزير الدفاع نجاح الشمري، بما وصفه في تصريحه بالطرف الثالث، الذي يقوم باستهداف المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية وقتلهم، هم عصابات تستخدم الأسلحة وتستخدم قذائف الدخان القاتلة ضد أبناء شعبنا من المتظاهرين والقوات الأمنية، ونبرّئ الأجهزة الأمنية من استخدام قذائف الدخان القاتلة”.

لكن شاعرا عراقيا سبق أن رأس تحرير صحف عراقية كثيرة هو سامي مهدي حاول إيضاح قصد الوزير، فكتب على صفحته في الفيسبوك “كثيرون علقوا على تصريحات وزير الدفاع حول القنابل المسيلة للدموع وسخروا منها ومنه، ولكنني قرأت في هذا التصريح غير الذي قرأوه، فقد بدا لي أن الوزير أراد أن يقول إن جهة ثالثة هي التي أدخلت هذه القنابل وبنادقها الخاصة إلى البلاد، وهي التي استخدمتها في مهاجمة المتظاهرين، ولكنه لم يذكر هذه الجهة لأنه لا يريد الدخول في مشكلات معها، أو لأنه يفترض أن الجميع يعرفها”.

لو افترضنا جدلا أن الفاعل طرف ثالث! أليست الحكومة هي التي من واجبها أن تكشفه وتكشف كيفية حصوله على هذا السلاح وكيفية استخدامه ومن أوصل الذين يطلقون هذا السلاح الإجرامي إلى مواقع القوات الأمنية. وقد اعتبر معظم العراقيين وخاصة المحتجين، جميع التصريحات التي صدرت عن الحكومة مجرد أكاذيب يعرفها الجميع ولا يصدقها أي عراقي، ومنهم الذين أطلقوا تصريحاتهم بشأنها.

ما يهمنا هنا، أن تصريحات الوزير تجعل السلطات الثلاث على لائحة الاتهام، ليس فقط في غياب السلطة وضعف رئيس الحكومة وهوانه، بل لأنه كما الزوج المخدوع آخر من يعلم. وقد أصبح منطقيا وشرعيا أن يقوم رجال قانون مستقلون عبر نقابة المحامين العراقيين بإجراء تحقيق أصولي لإظهار الحقيقة، وطرحها على الرأي العام العراقي والعربي والعالمي.

العرب