واشنطن – لم تمنع النتائج المخيبة للآمال التي حصل عليها الحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية النصفية الرئيس السابق دونالد ترامب من إعلان ترشحه رسميا لرئاسيات 2024، كما لم يخف الرئيس الحالي جو بايدن نيته هو الآخر في الترشح لولاية ثانية.
قبل إجراء الانتخابات النصفية، كانت حظوظ ترامب (76 عاما) للفوز ببطاقة ترشح الحزب الجمهوري كبيرة، خاصة وأن الاقتصاد الأميركي شهد في عهد بايدن مستويات تضخم غير مسبوقة منذ عقود، ما ترك فئات من الشعب تحن إلى فترة حكم ترامب (2017 – 2021).
إلا أن خسارة الجمهوريين لمجلس الشيوخ، وفوزهم بفارق ضئيل في مجلس النواب، رغم أن الظروف كانت مواتية لتحقيق انتصار كاسح أو “موجة حمراء” كما روجوا لها، أثارا الشكوك حول قدرة ترامب على قيادة حزبه في رئاسيات 2024، ما جعله الخاسر الأكبر في الانتخابات النصفية.
مع صعود نجم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس (44 عاما)، الذي فاز بعهدة ثانية على رأس الولاية وبفارق غير مسبوق في تاريخ فلوريدا (20 في المئة عن منافسه الديمقراطي)، أصبح ترامب أمام منافس قوي وذي شعبية وأكثر شبابا، والأخطر من ذلك أنه مدعوم من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.
فرغم أن ترامب قدم خدمات كبيرة لإسرائيل من بينها نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، والضغط على دول عربية للتطبيع معها، حيث وقعت الإمارات ومصر والمغرب والبحرين على الاتفاقية الإبراهيمية مع إسرائيل، إلا أن كل ذلك لم يشفع له.
دونالد ترامب يسعى ليكون ثاني رئيس بعد جروفر كليفلاند يعود إلى الرئاسة بعدما أخفق في الفوز بولايتين متتاليتين
حيث قررت الإمبراطورية الإعلامية لرجل الأعمال اليهودي الأميركي روبرت مردوخ “تدمير ترامب” على حد قول صحيفة نيويورك تايمز.
وإمبراطورية مردوخ، وعلى رأسها قناة “فوكس نيوز” الشهيرة، كانت من المنصات الرئيسية للترويج لترامب، قبل أن تقفز إلى مركب ديسانتيس الذي تعهد في 2018 بأن يكون “الحاكم الأكثر تأييدا لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة”.
كما بدأ سياسيون جمهوريون ومانحون يحتشدون حول ديسانتيس، في مشهد يوحي ببداية تحول ميزان القوى داخل الحزب، ما يثير قلق ترامب الذي حذر خصمه المحتمل من الترشح في مواجهته.
فترامب، رغم خسارته في رئاسيات 2020، إلا أنه حصل على أصوات 71 مليون أميركي، وشعبيته داخل الحزب الجمهوري ما زالت قوية، والكثير من الأسماء المقربة منه حازت على ترشيح الحزب في الانتخابات النصفية، وبعضهم فاز بعضوية مجلس النواب أو الشيوخ أو حتى بمنصب حاكم ولاية، ما يمنحه ثقلا داخل الحزب.
وما زال ترامب يملك القدرة على القتال كقط شوارع للفوز بترشيح الحزب الجمهوري إلى آخر نفس، حتى وإن تخلى عنه اللوبي اليهودي وبعض المقربين منه، على غرار نائبه السابق في البيت الأبيض مايك بنس، بل إن ابنته إيفانكا فقدت حماسها للترويج لوالدها في سباق رئاسيات 2024، وأعلنت أنها ستمنح الأولوية لأطفالها.
ويسعى ترامب ليكون ثاني رئيس في تاريخ البلاد بعد الرئيس جروفر كليفلاند (1884 – 1888) و(1892 – 1896)، يتمكن من العودة إلى الرئاسة بعدما أخفق في الفوز بولايتين متتاليتين.
واصل ترامب التركيز على انتقاد بايدن (80 سنة) خلال عامين من حكمه، خاصة في الملف الاقتصادي والعلاقات الدولية ووضعه الصحي، وقارن ذلك بما كانت عليه ولايته السابقة (2016 – 2020) لإبراز أدائه “المتميز” عندما كان رئيسا للبلاد مقارنة بما آلت إليه البلاد حاليا.
ورغم أن هذا الخطاب لم ينجح في تحقيق “الفوز الكاسح” للجمهوريين في الانتخابات النصفية، إلا أن ترامب أعاد ترديده لتكريس أحقيته في العودة إلى البيت الأبيض.
وخلال خطاب إعلان ترشحه من منتجع مارلاغو في فلوريدا، اتهم ترامب بايدن بتدمير الاقتصاد الأميركي، وقال إن “التضخم وصل إلى أعلى ذروة له في 50 عاما، واحتياط النفط الإستراتيجي الذي ملأته بدأ بالتناقص”.
ولجأت إدارة بايدن إلى السحب من احتياطي النفط الإستراتيجي لمواجهة ارتفاع أسعار البترول بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا وقرار “أوبك+” بتخفيض إنتاجها بمليوني برميل يوميا بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، والإغلاق في الصين بسبب كورونا، ما قلص الطلب على النفط.
وقال ترامب، إنه حقق في مطلع ولايته “الحلم المستحيل، وهو استقلالية مصادر الطاقة”.
ولعب على وتر حساس لفئات واسعة من الناخبين الأميركيين عندما تحدث عن انتقال الوظائف من الصين إلى الولايات المتحدة خلال فترة رئاسته.
إذ أن الكثير من الشركات الأميركية اختارت خلال عقود ماضية نقل استثماراتها إلى الصين نظرا إلى رخص الأيدي العاملة وضخامة السوق والأرباح، ما أثر على سوق الوظائف في الولايات المتحدة وهو ما دفع ترامب إلى الضغط على شركات كبرى للاستثمار داخل البلاد، ولوح لها بعصا العقوبات، وكان لذلك بعض النتائج.
سياسيا، ورغم اعتراف ترامب بخسارة مجلس الشيوخ، إلا أنه اعتبر “طرد” نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب من منصبها “أمرا رائعا”.
إذ أن بيلوسي لطالما كانت خصما مزعجا لترامب خلال رئاسته للبلاد، ووقعت بينهما العديد من المواقف والمشاحنات، التي افتقدت أحيانا للدبلوماسية واللباقة.
ترامب ما زال يملك القدرة على القتال للفوز بترشيح الحزب الجمهوري إلى آخر نفس، حتى وإن تخلى عنه اللوبي اليهودي
لكن أخطر ما قاله ترامب عن بايدن إنه يقود الولايات المتحدة إلى “حرب نووية”، منتقدا طريقة تعامله مع روسيا وكوريا الشمالية، قائلا “الديمقراطيون قسموا بلدنا وركعوه”.
ولم يخلُ خطاب ترامب من السخرية من الوضع الصحي لبايدن الذي يكبره بأربع سنوات فقط، وقال إن “بايدن يستسلم للنوم خلال المؤتمرات الدولية، وكان محلا للسخرية في البرلمان البريطاني”.
وبدا ترامب واثقا عندما تعهد بالفوز بالرئاسة مجددا، فبعد كل ما ذكره عن خصمه المحتمل في 2024، فإن بايدن ليست له فرصة كبيرة للفوز بالرئاسة، إلا أن نتائج الانتخابات النصفية لا ترجح كفة أي طرف في الرئاسيات المقبلة نظرا إلى توازنها.
لكن ترامب قد يواجه على غرار بايدن مشكلة السن، ففي 2024 سيكون الأول بعمر 78 سنة والثاني في سن 82 عاما، وقد لا يميل الأميركيون إلى اختيار رئيس جديد يصارع أعراض الشيخوخة.
لذلك يمثل ديسانتيس صراعا من نوع آخر بين المترشحين، فسنه لن يتجاوز بعد عامين 46 سنة، ما قد يدفعه إلى تكرار تجربة بيل كلينتون عندما فاز على جورج بوش الأب في رئاسيات 1993، وهو في سن السبعة والأربعين، بينما خصمه كان رئيسا وعمره حينها 69 سنة.
والتحدي الأكبر بالنسبة إلى ترامب قد لا يكون بايدن بقدر ما هو زميله في الحزب ديسانتيس، كما أنه من بين خمسة رؤساء أميركيين ترشحوا للعودة إلى الرئاسة أربعة منهم خسروا الانتخابات للمرة الثانية على التوالي، وواحد فقط من اجتاز هذا الاختبار بنجاح.
العرب