قبل ثلاثة أيام من فتح صناديق الاقتراع لانتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ21، في مشهد انتخابي يسيطر عليه التطرف القومي اليميني والتنافس المحموم بين معسكرين رئيسيين، مشكّلين من أحزاب اليمين. وبغضّ النظر عن محاولات البعض، سواء في إسرائيل أم في الطرف العربي الفلسطيني، والعربي العام، التحدّث عن وجود معسكر وسط في إسرائيل يمثله حزب الجنرال بني غانتس، فإن الحقيقة القائمة تبيّن نقيض ذلك. وقد أدت يقظة متأخرة، عند الحزبين اليساريين الوحيدين في المجتمع الإسرائيلي اليهودي، وهما حزب “العمل” وحزب “ميرتس” بفعل الخوف من فقدان مقاعدهما في الانتخابات، إلى دفع الحزبين المذكورين إلى إظهار حقيقة كون حزب “كاحول لفان” بقيادة غانتس، حزباً يمينياً بامتياز.
وهو ما دفع إلى التركيز على تصنيفات الأحزاب الإسرائيلية الرئيسية المرشحة لاجتياز نسبة الحسم وهي 2.6 في المائة من مجمل الأصوات الصحيحة، وتوازي بحسب التوقعات بين 145 و150 ألف صوت، علماً بأن 47 قائمة قدمت ترشيحها لانتخابات الكنيست الحالية، ويتوقع ألا يزيد عدد القوائم الناجحة في الانتخابات منها عن 13 حزباً.
”
حزب العمل آخر ما تبقّى من تنظيم سياسي للحركة العمالية الصهيونية
”
الأحزاب في معسكر اليسار والعرب
حزب “العمل”: هو إلى جانب “الليكود” و”البيت اليهودي” (المفدال سابقاً) أحد أعرق وأقدم الأحزاب الإسرائيلية، مرّ بتغييرات كثيرة في بنيته وفي تحالفاته وتسمياته، منذ إقامة دولة الاحتلال عام 1948. واشتهر لفترة طويلة باسم حزب “مباي”، و”أحدوت هعفوداه”، ولاحقاً في أوساط السبعينيات باسم “المعراخ-التجمع”. وهو آخر ما تبقّى من تنظيم سياسي كبير للحركة العمالية الصهيونية التي أقامت الدولة بعد حرب النكبة، كان ديفيد بن غوريون أحد أبرز قادته، ومن ثم أشكول ليفي، وغولدا مئير وإسحاق رابين وشيمون بيريز، وهي فترات العصر الذهبي للحزب كحزب كبير وأساسي في الدولة. وهو اليوم يدعو إلى الانفصال عن الفلسطينيين واعتماد حل الدولتين خوفاً من الوصول إلى حالة أغلبية ديمغرافية عربية وواقع دولة واحدة.
“ميرتس”: هو أيضاً من أعرق الأحزاب الإسرائيلية، وإن كان عنصره الرئيسي والتاريخي هو حزب العمال الموحد “مبام”، الذي بنى مجده على حركة القرى التعاونية الزراعية “الكيبوتسات”. في انتخابات عام 1993، تحالف مع حركة حقوق المواطن (راتس)، وجناح أمنون روبنشتاين من حركة “شينوي” التاريخية. شكلت الأحزاب الثلاثة حزب “ميرتس” الذي تتأرجح فرصه بحسب الاستطلاعات بين اجتياز نسبة الحسم والحصول على 4 مقاعد وحتى تحقيق إنجاز بالوصول إلى 6 مقاعد.
الأحزاب العربية
تحالف “القائمة العربية الموحدة” و”التجمع الوطني”: وهو يقوم على تحالف بين حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أسسه المفكر العربي عزمي بشارة، وبين الحركة الإسلامية الجنوبية. ويشكل هذا التحالف اليوم الامتداد الطبيعي للقائمة المشتركة التي شكلتها الأحزاب العربية في الداخل في الانتخابات الماضية (2015). يعارض هذا التحالف اتفاق أوسلو وينتقد سياسات السلطة الفلسطينية ولا سيما التنسيق الأمني، ويرفض مواقف الرهان على ما يسمى اليسار الإسرائيلي.
“قائمة الجبهة والعربية للتغيير”: هي في الواقع قائمة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، المشارك في الانتخابات الإسرائيلية منذ أول كنيست في عام 1949، مع عضو الكنيست أحمد الطيبي الذي يطلق على حركته اسم العربية للتغيير. يدور هذا التحالف في فلك سلطة أوسلو ولا يخفي استعداده لدعم غانتس لتكليفه بتشكيل الحكومة وتشكيل جسم مانع ضد نتنياهو. في الانتخابات الحالية، وقف الطيبي وراء شق “القائمة المشتركة”، عندما قدّم في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، طلباً رسمياً للجنة الانتخابات المركزية لسحب حركته من القائمة المشتركة وتفكيكها.
”
تحالف “القائمة العربية الموحدة” و”التجمع الوطني” يشكل الامتداد الطبيعي للقائمة المشتركة التي شكلتها الأحزاب العربية في انتخابات 2015
”
اليمين الإسرائيلي
“الليكود”: هو اليوم أكبر الأحزاب الإسرائيلية ويملك 30 مقعداً، تحت رئاسة بنيامين نتنياهو. وهو امتداد لتيار الصهيونية التصحيحية بقيادة زئيف جابوتينسكي، التي رفعت شعار “للأردن ضفتان، هذه لنا والأخرى أيضاً”. ظل في المعارضة منذ قيام دولة الاحتلال حتى عام 1977 عندما حقق مناحيم بيغن نصراً انتخابياً على قائمة “المعراخ” لحزب العمل، واستطاع للمرة الأولى تشكيل حكومة يمينية عبر انتقال أحزاب الحريديم وحزب “المفدال” من تأييد “المعراخ” إلى التحالف مع الليكود. ومنذ عام 1977، خسر الليكود الحكم مرات قليلة فقط، الأولى كانت عندما تفوق رابين على إسحاق شامير في عام 1993، ثم في عام 1999 عندما تغلب إيهود باراك على بنيامين نتنياهو، ومرة أخرى عام 2006 عندما انشق آرييل شارون عن الليكود، مؤسساً مع بيريز حزب كاديما. عاد “الليكود” للحكم عام 2009 تحت زعامة نتنياهو، ومنذ ذلك الوقت تمكن نتنياهو من تشكيل ثلاث حكومات متتالية.
“كاحول لفان”: تأسس الحزب قبل نحو شهرين تقريباً من تحالف بين قائمة غانتس، والجنرال عامي أيالون، وزير الأمن الأسبق لدى نتنياهو مع حزب “ييش عتيد” بقيادة يئير لبيد. يشكل المنافس الوحيد لنتنياهو والليكود وتعطيه الاستطلاعات ما بين 27 و30 مقعداً، وأحياناً أكثر. يحاول الظهور كحزب يمين وسط، لكن مواقفه المعلنة تضعه في قلب اليمين الإسرائيلي، فهو يرفض الانسحاب من الجولان السوري والقدس المحتلَين، ويدعو لتكثيف الاستيطان في الكتل الاستيطانية والاحتفاظ بغور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية.
“البيت اليهودي” وهو يقود اليوم تحالف أحزاب اليمين الديني المتطرفة: “البيت اليهودي”، “إيحود لئومي” و”عوتصماه يهوديت”. يشكل البيت اليهودي العمود الفقري لهذا التحالف، وهو الامتداد التاريخي للصهيونية الدينية التي مثلها تاريخياً حزب “المفدال”. وتعكس قائمة التحالف الثلاثية أكثر أحزاب اليمين الديني تطرفاً في إسرائيل. وهي أحزاب فاشية بامتياز، تؤمن بإعادة بناء الهيكل، وبحق “شعب إسرائيل” على أرض إسرائيل كاملة، وحق اليهود في الصلاة واقتحام المسجد الأقصى، والاستيطان في كل مكان. وتعتبر أن مَن ليسوا يهوداً هم الأغيار، والفوارق بين الأحزاب الثلاثة هي فوارق طفيفة تتصل بتفسيرات فقهية للتوراة، بما في ذلك كيفية معاملة “الأغيار”.
“يسرائيل بيتينو”: هو أكثر الأحزاب الإسرائيلية تطرفاً من الناحية القومية، وأكثرها تمسكاً بالعلمانية. يقود الحزب وزير الأمن السابق، أفيغدور ليبرمان، المعروف بتطرفه القومي والفاشي، ودعواته المتكررة لانتهاج سياسة التصفيات والاغتيالات وإعادة احتلال غزة، وترحيل الفلسطينيين الموجودين في الداخل وطردهم، وفرض الولاء عليهم لإسرائيل مقابل الجنسية. كما يشتهر هذا الحزب بمقترح تبادل الأراضي بضم أم الفحم والمثلث للسلطة الفلسطينية مقابل فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات كلها من دون استثناء. يعتمد هذا الحزب أساساً على أصوات المهاجرين الروس، ومن أتوا من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً. تتأرجح قوة الحزب في الانتخابات الحالية في الاستطلاعات، فأحيانا ترجح فوزه بـ4 أو5 مقاعد وأحياناً لا يتجاوز نسبة الحسم.
”
تمكن فيغلين من تعزيز مكانته عبر تبنيه شعار تشريع استخدام الحشيش
”
“كولانو”: تأسس هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة على يد وزير المالية الحالي موشيه كاحلون. وقد كان كاحلون حتى عام 2013 عضواً قيادياً في “الليكود” ووزيراً للاتصالات، لكن العلاقات الشخصية بينه وبين نتنياهو ساءت للغاية، خصوصاً بفعل الشعبية التي حصدها كاحلون بسبب إصلاحات في مجال الاتصالات. يعتمد هذا الحزب بالأساس على نجومية كاحلون، التي حققت له في انتخابات عام 2015، عشرة مقاعد، وحصل على وزارتي المالية والإسكان، لكن فرصه في الانتخابات الحالية تراجعت كثيراً، وهو كحزب “يسرائيل بيتينو” يتأرجح بين 4 و5 مقاعد وبين عدم اجتياز نسبة الحسم.
“غيشر”: هو أحد أحزاب الموضة، إذا جاز التعبير، يقوم أساساً على نجومية مؤسسته، أورلي ليفي أبي كسيس، التي دخلت الكنيست على لائحة حزب ليبرمان في الانتخابات الماضية. تبني عماد مجدها على خلفيتها الشرقية (من جذور مغربية) وعلى كونها ابنة الزعيم الشرقي التاريخي الأبرز في تاريخ “الليكود”، دافيد ليفي، الذي كان وزير خارجية إسرائيل في حكومة شامير خلال مؤتمر مدريد 1991.
“زهوت”: هو الحزب الذي أسسه عضو الكنيست السابق عن “الليكود”، موشيه فيغلين. دخل فيغلين الكنيست بين عامي 2013 و2015، وشكل معارضة لنتنياهو، وتزعّم مجموعة أطلق عليها اسم “قيادة يهودية”. فشل في العودة إلى الكنيست عام 2015 على لائحة “الليكود”. أسس حزبه الجديد الذي يدعو لدولة توراتية، وسيادة كاملة على فلسطين، وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث، ومنح مرتبة متدنية لمن ليسوا يهوداً شرطَ إثبات ولائهم للدولة اليهودية وبعد أدائهم الخدمة العسكرية أو الخدمة الوطنية في السياق المدني. تمكن فيغلين من تعزيز مكانته عبر تبنيه شعار تشريع استخدام الحشيش “الماريجوانا”، وتخفيض الضرائب، ورفع قبضة الدولة والسلطة عن المواطن. حتى قبل شهر، لم يكن حزب فيغلين يلقى اهتماماً في إسرائيل، لكن ومنذ مطلع مارس/آذار الماضي، بدأ يحقق نتائج ملموسة في استطلاعات الرأي وصولاً إلى حد منحه 6 أو 7 مقاعد.
“شاس” و”يهدوت هتوراة”: هما القائمتان الوحيدتان اللتان تمثلان قطاع الجمهور الأرثوذكسي الأصولي المعروف باسم جمهور الحريديم. مع ذلك، فإن بينهما فرقاً أساسياً، لأن حركة “شاس” تمثل جمهور اليهود الأصوليين من أصل شرقي “السفاراديم” وتخضع لمجلس حكماء من الربانيين الشرقيين، كان أبرزهم، عوفاديا يوسيف. أما “يهدوت هتوراة” فهي قائمة مشتركة لحزبي “ديغل هتوراة” و”أغودات يسرائيل”، يمثلان تيار الحريديم الغربيين من أصول أشكنازية.
”
“يسرائيل بيتينو”: هو أكثر الأحزاب الإسرائيلية تطرفاً من الناحية القومية
”
شاركت أحزاب الحريديم الأشكنازية منذ إقامة إسرائيل، بمختلف الحكومات الإسرائيلية، من خارج الائتلاف، وكانت تمتنع عن تولي حقائب وزارية، لكنها كانت تستعيض عن ذلك إما بمنصب نائب وزير أو رئاسة لجنة المالية، مع ضمان مصالحها وميزانيات جمهورها. أما حركة “شاس” فشاركت منذ تأسيسها أواسط الثمانينيات في الحكومات المختلفة. لم تُظهر هذه الأحزاب عموماً مواقف سياسية، ولم تتدخل في الجدل بين اليمين واليسار، بل إن زعيم “شاس” الروحي، عوفاديا يوسف، أيد اتفاق أوسلو وأن “حفظ الأرواح يأتي قبل أرض إسرائيل الكاملة”، مقابل تصريحات متناقضة وصف فيها العرب بأنهم “أفاعٍ وعقارب”. بعد فوز نتنياهو للمرة الأولى، عام 1996 وبشكل أبرز بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، باتت هذه الأحزاب تعلن مواقف يمينية متطرفة وتشكل منذ ذلك الوقت ما يسمى بالحليف الطبيعي لنتنياهو.
“اليمين الجديد”: بقيادة نفتالي بينت وأياليت شاكيد. أسساه في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد مشاورات مع قادة الصهيونية الدينية وبينهم الحاخام حاييم دروكمان. وهدف تأسيس الحزب بحسب زعم بينت وشاكيد، إلى محاولة جلب أصوات جديدة لمعسكر اليمين الديني الداعم للاستيطان من أوساط العلمانيين، من دون المسّ بالحزب الأم الأصلي “البيت اليهودي”، والتخلص من ثقل “التطرف المسيحياني” الذي يمثله أعضاء حزب الاتحاد القومي (هو اليوم جزء من تحالف البيت اليهودي وعوتصماه يهوديت). يؤكد الحزب الجديد حق اليهود بكامل أرض إسرائيل، ويدعو في المرحلة الحالية إلى تكثيف الاستيطان وفرض السيادة الإسرائيلية، أولاً على المنطقة “سي” التي تشكل نحو 70 في المائة من أراضي الضفة الغربية. يعارض الحزب بطبيعة الحال دولة فلسطينية ويعرض مكانة الرعايا على فلسطينيي الضفة الغربية مع تمكينهم من التصويت للبرلمان الأردني وحكم ذاتي، لكن تحت الشروط الإسرائيلية. داخلياً، يرفع الحزب شعار تقييد حقوق الإنسان وصلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا ويمنح الشرعية المطلقة للحكومة والكنيست، ويعارض تدخل المحكمة الإسرائيلية في عملية التشريع، أو أي حق بإلغاء قوانين تتعارض مع حقوق الإنسان والقانون الدولي.
العربي الجديد