الباحثة شذى خليل *
ما عملت إيران على بنائه في العراق من نفوذٍ سياسي وديني واجتماعي في 16 عاماً، بدأ يتصدع بصورة مرعبة لملالي طهران، خاصة أن هذا التصدع في النفوذ الإيراني جاء شعبيا وليس سياسيا، ما يعد خسارة كبيرة من المستحيل على إيران تعويضها أو تداركها.
وتأتي قوة إيران في العراق من معظم السياسيين الحاليين والاحزاب التي أتت من إيران، وبالتالي، ومع رفض الشعب العراقي لهذه الطبقة الفاسدة، فإن الرفض امتد إلى من يدعم هذه الطبقة السياسية والمتمثل بإيران، مؤكدين أن الشباب العراقي وبإصرارهم على اجتثاث كامل الطبقة السياسية في العراق، فإن إيران ستخسر جميع مكتسباتها السياسية في البلاد وخلال مدة قصيرة.
ما يعني أن إيران وفي حال خسرت العراق، فإن خسارتها ستمتد إلى كل من لبنان وسوريا واليمن، إذ أن نفوذها في هذه الدول جاء عقب الغزو الأمريكي للعراق وعقب بسط نفوذها فيه.
تصورت إيران لبعض الوقت أنها متحكمة بمقدرات العراق واقتصاده، من خلال عملائها ووكلاء الذين يعملون لخدمة أهدافها في العراق، غير أن النفس العراقي والروح العربية الأصيلة لشعب العراق رافضة لأية هيمنة إيرانية، أو في كبح جماح الفساد الذي اسست ايران وذيولها شبكاته.
وبلغة التدخل الإيراني الخبيث في الشؤون الداخلية للعراق، فإن شبكة التحالفات التي شيدتها طهران خلال السنوات الأخيرة، تعني أن لديها ميزة مهمة على خصومها حينما يتطلب الأمر خوض حروب، ذلك أنها تعتمد بقوة على نفوذها والميليشيات التابعة لها في العراق.
وتقول مصادر مطلعة، إن عشائر خفاجة – التي تعد إحدى القبائل الشيعية الكبيرة في جنوبي العراق- تصلح نموذجا من شقين رئيسيين، أحدهما يفسر الكيفية التي تجنح بها القبائل نحو موالاة إيران التي تعد فرس الرهان الأقوى في الصراع، والآخر يشرح كيف يمكن أن تأتي محاولات طهران للضغط عليها بنتائج عكسية.
إن بعض القبائل الأوثق صلة بهذا الحديث هي ذات تركيبة شيعية بمعظمها، إلا أن قبائل أخرى هي أكثر تنوعا بحيث تضم فصائل سنيّة كبيرة، وتقوم بعض هذه القبائل حاليا بالتقليل من أهمية الفوارق الطائفية، وباعتماد نهج موحد أكثر ردا على ازدياد الغضب إزاء الضغوط الناتجة عن إيران ووكلائها، والشعور بالإهمال من جانب بغداد، واستمرار المخاوف الأمنية.
إن الشارع العراقي يرفض وبقوة الوجود الإيراني، والتدخل القذر بالشأن الداخلي العراقي، إذ قام مؤخراً بحرق القنصلية الإيرانية في مدينة كربلاء العراقية، وأزال العلم الإيراني ورفع مكانه العلم العراقي.
كما شن محتجون هجمات على قواعد الميليشيا التابعة لإيران في كل من الناصرية والديوانية.
إيران غير مرحب بها في العراق:
تشير تقارير بحثية إلى أن إيران قد تلجأ في النهاية إلى خيار التفاوض حول حجم وقوة شبكات النفوذ التابعة لها في العراق، في حال امتداد وتواصل الاحتجاجات والاضطرابات، إلا أنها سوف تسعى إلى الصمود ومقاومة التغيير والحملات الشعبية الضاغطة عبر مساندة وكلائها، نظراً إلى أن المجتمعات المنقسمة والدول الضعيفة تصبح فريسة وصيداً سهلاً للنفوذ الإيراني.
ولهذا تنصح مراكز الدراسات الغربية بدعم مؤسسات الدولة في الشرق الأوسط، كي تخدم مصالح الدولة الوطنية، والتي تعد خط الدفاع الأول ضد محاولات النفوذ والتأثير الخارجي، وأن مواجهة النفوذ الإيراني يجب أن ترتكز على هذه الإستراتيجية.
لكن.. وبصرف النظر عن محاولات إيران المستميتة للإبقاء على نفوذها في المنطقة، فإن الرسالة خرجت بصوتٍ عالٍ وواضح في جميع أرجاء العالم العربي، سواء من العراق او لبنان، وهي أن سعي إيران إلى التدخل في الشؤون الداخلية للعرب أمرٌ غير مرحب به.
وفي ذات السياق، يقول الكاتب الأمريكي سميث، إن على صناع السياسة الأميركية، الذين ينشدون إبعاد القبائل الشيعية والسنية عن إيران، والتصدي للقضايا الحقيقية التي يركز عليها حاليا العراقيون.
فعلى سبيل المثال -والحديث لا يزال لسميث- ينبغي على الولايات المتحدة، التي طالما انصب اهتمامها على تقديم الحلول الأمنية والعسكرية لحكومة بغداد، إبراز قوتها الناعمة والخشنة في وجه إيران، عبر إيلائها اهتماما أكبر بإعادة تدريب وتجهيز بعض القطاعات المنتمية للقبائل الشيعية المحلية، ومنحها الوسائل اللازمة للتعبير عن همومها ومشاكلها.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية