تقترب تركيا، منذ بعض الوقت، من موقع لا يتمنى أحد من قادتها أن تقترب منه، بعد أن أدارت ظهرها، قبل عقد ونيف، لسياسات قامت على انخراط شبه يومي، في صراعات مليئة بالتوتر والحروب غير المباشرة بين المعسكرين السابقين، الشرقي والغربي، عطل اشتراكها فيها استقلاليتها، وحال دون لحاقها بالعالم المتقدم، انطلاقا من توجه مستقل، يتمحور حولها كدولة تحتل موقعا استراتيجيا فريداً في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، تتوقف على نجاحها في تنفيذه مكانتها في واقع دولي، تخلق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وسيطرة أميركا كقطب مقرر على معظم مفاصل عالمنا الحالي ومشكلاته.
هذا التحول الذي أنجزه أساسا تيار محسوب على الإسلام السياسي، برد التزامات تركية تجاه حلف الأطلسي والتحالف الغربي، من دون أن يفكها عنهما، وأحدث نقلة مفصلية في موقع الجيش ودوره من نظام البلاد وسياساته، وقيّد كثيراً قدرته على التدخل في علاقات القوى الداخلية وتطوراتها، وهيمنته على المجال السياسي، وأخذ مسافة من الصراعات الدولية الجديدة التي ظهرت في حقبة ما بعد غزو العراق، واتجه نحو تحقيق تنمية شاملة أخضع لها كل شيء: من موارد البلاد الطبيعية والبشرية، إلى طرائق إدارتها وحكمها وتوجهاتها الخارجية والمحلية، وقدرتها المادية والمعنوية على تعزيز التبادل التجاري والتواصل الإنساني مع بقية دول العالم، وربط نهجه بمبادئ وممارسات، تمليها القوة الرخوة وبيئتها السلمية، وتوازناتها المتبادلة داخل تركيا وخارجها، واتخذ قرارات مثلت منعطفاً غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، كتبني منظومات حقوق الإنسان والمواطن، واعتماد نمط أوروبي في الحكم والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، وتعزيز التعددية في المجال العام والثقافة، تمهيدا للالتقاء بعد مرحلة من التطور مع أوروبا، والانتماء إلى اتحادها الذي سيشكل سابقة فريدة الدلالة، لأنه سيقطع مع الصراع الذي نشب بين المسيحية والإسلام منذ القرن السابع الميلادي، وسيدخل بلدا إسلامياً إلى بيئة كانت طاردة له، مغايرة لبيئته، مع ما سيترتب على ذلك من تعديل وتغيير مفاهيم وممارسات، حكمت علاقات أتباع الدينين خلال ألف عام ونيف، ومن نماذج تفاعلية وتواصلية بينهم، وأشكال توحيدية بين عالمين، افترض دوما أنهما متناقضان، ولا يقبلان الالتقاء.
هذا التوجه الاستراتيجي الذي يستبعد أن تعود تركيا عنه، ما دام حزب العدالة والتنمية حاكما، يتعرض اليوم لتحديات ثلاثة هي: معارضة داخلية ذات طبيعة قومية مغلقة، متناحرة ومركبة: تركية وكردية، وتنظيمات إرهابية أهمها “داعش”، ومشكلات تتصل بوجود الدولة ووحدتها وسيادتها، يمكن لانبعاثها أن يعيد دور الجيش من جديد إلى حياة البلاد السياسية، ويضعف تيار حزب العدالة والتنمية النهضوي، ويكبح نهجه، ويدفع الدولة نفسها إلى مواجهة أطراف قومية تركية وكردية، والإرهابيين، وإيران التي لا يستبعد أن تكون المواجهة غير المباشرة معها في سورية وما وراءها خيار تركيا القريب، الذي يتحدى دورها في سورية ويقلصه، ويستنزف قدراتها، وينهك نظامها في حربي سورية واليمن، بعد أن أجبرها استنزافها بيد السوريين، وخوفها من التصعيد الأميركي وانعكاساته الداخلية على تسليم برنامجها النووي لواشنطن وتل أبيب.
بانفجار سروج، واغتيال شرطيين في أورفا، وعمليات الاغتيال في إسطنبول، تجد تركيا نفسها أمام تطور يرجح أن يتصاعد في اتجاه يبدل حسابات أطراف الصراع داخل تركية وسورية، وعلى الصعيد الإقليمي أيضاً، يغير طبيعة الصراعات التي كان القوميون والإرهابيون والخصوم الخارجيون يخططون لإطلاقها، وكانت ترجمتها إلى أفعال ستجعل من تركيا أول ضحية إقليمية في الأعوام الأربعة ونيف الماضية في سورية، وكان يعتقد عموماً أن الاتفاق الأميركي الإيراني سيغري طهران بحسمه داخل ساحته السورية ونشره إلى دول المنطقة، وخصوصاً تركيا، القوة الكبيرة التي يجب أن يقوض أمنها واستقرارها ويعطل تنميتها، ويسحبها إلى فوضى، لن تكون مثيلتها السورية غير نموذج ملطف عنها.
أنجزت تركيا الخطوة الأولى من سياسة استباقية ترد عنها الأخطار وتجعل يدها، وليس يد إيران، العليا في الإقليم، فما عساه يكون رد ملالي طهران الذين أسكرهم الاتفاق النووي مع الغرب، وشرعوا يتحدثون وكأنهم سيرقصون قريبا على جثة منطقةٍ، لا خيار لها غير أن تركع أمامهم، فوضعها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمام تحد لن تقوى على مواجهته، إن عرف العرب كيف يلاقونه بدورهم، ويرفدونه بما لديهم من قوة وحزم.
بانفجار سروج، واغتيال شرطيين في أورفا، وعمليات الاغتيال في إسطنبول، تجد تركيا نفسها أمام تطور يرجح أن يتصاعد في اتجاه يبدل حسابات أطراف الصراع داخل تركية وسورية، وعلى الصعيد الإقليمي أيضاً، يغير طبيعة الصراعات التي كان القوميون والإرهابيون والخصوم الخارجيون يخططون لإطلاقها، وكانت ترجمتها إلى أفعال ستجعل من تركيا أول ضحية إقليمية في الأعوام الأربعة ونيف الماضية في سورية، وكان يعتقد عموماً أن الاتفاق الأميركي الإيراني سيغري طهران بحسمه داخل ساحته السورية ونشره إلى دول المنطقة، وخصوصاً تركيا، القوة الكبيرة التي يجب أن يقوض أمنها واستقرارها ويعطل تنميتها، ويسحبها إلى فوضى، لن تكون مثيلتها السورية غير نموذج ملطف عنها.
أنجزت تركيا الخطوة الأولى من سياسة استباقية ترد عنها الأخطار وتجعل يدها، وليس يد إيران، العليا في الإقليم، فما عساه يكون رد ملالي طهران الذين أسكرهم الاتفاق النووي مع الغرب، وشرعوا يتحدثون وكأنهم سيرقصون قريبا على جثة منطقةٍ، لا خيار لها غير أن تركع أمامهم، فوضعها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمام تحد لن تقوى على مواجهته، إن عرف العرب كيف يلاقونه بدورهم، ويرفدونه بما لديهم من قوة وحزم.
ميشيل الكيلو
صحيفة العربي الجديد