الباحثة شذى خليل*
انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، تجلب الكارثة الاقتصادية والمجتمعية للعراق ، بسبب هذا الانهيار المتوقع خلال الشهرين المقبلين ؛ ستتوقف رواتب الموظفين العراقيين ، كون تأمين رواتبهم يعتمد على إيرادات بيع الخام بنسبة اكثر من 90 في المئة ، هذا ما خلفه سوء إدارة الدولة وغياب التخطيط والاستخدام العشوائي للموارد والثروات ، والتنظيم، والتنسيق، والتوجيه، والمتابعة، والرقابة، نتج عن ذلك فوضى وتخبط القرارات من قبل رئاسة الوزراء والبرلمان والمسؤولين والعصابات والفسادين والجهلاء الذي سيقضى على الدولة العراقية .
غياب الاستثمارات وتقرير البنك الدولي
الاستثمارات الاقتصادية لاي بلد تعمل على النمو والتنمية وتجعله قويا وخاصة الاستثمارات الداخلية مثل انشاء وتطوير مختلف الصناعات والبنى التحتية إضافة الى تحفيز الاستثمارات الأجنبية في الداخل التي تؤثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي ، وأكدت معظم الدراسات ان العلاقة طردية بين الاستثمار الأجنبي والنمو الاقتصادي على المدى القصير والبعيد.
لكن يبقى العراق مع كل الإمكانيات الهائلة من ثروة نفطية ومعادن وزراعة وطاقات بشرية فريدة من نوعها ، لا يمكنه بناء قاعدة قوية من الاستثمارات لتعزيز الاقتصاد من التقلبات والأزمات المفاجئة ويعزو السبب الى سوء الإدارة والفساد في هذه المرحلة التي يعيشها البلد .
الاستثمار واحد من الموضوعات التي أثير بشأنه الكثير من وجهات النظر، وقد اعتبرت تدفقات رأس المال الطويل الاجل هي اهم الادوات التي دعمت برامجها الانمائية وذلك عبر آليات فائض الفجوة الخارجية التي تكاد تعتمد عليها اغلب البلدان التي تجد أن لديها ميزات تنافسية في تجارتها أو خدماتها ضمن ميزان المدفوعات
البنك الدولي اصدر التقرير السنوي لممارسة الأعمال لعام 2020 لترتيب الدول وايهم افضل بيئة لممارسة وجذب الاستثمارات والاعمال الاقتصادية ، ويظهر قدرة الاقتصاد العراقي في استقطاب رؤوس الاموال الأجنبية التي تشتغل في مجال التأثير في مفاصل الاقتصاد الحقيقي، ويضع العراق ضمن المقاربة مع العالم في هذا المضمار، كما أن تلك الضرورة استندت الى الاهتمام بالتداخل بين الاستثمار الاجنبي المباشر والسياسة النقدية .
ويجب الانتباه الى وجود عوامل القوة بين الانشطة الاقتصادية والتقليل من تداعيات الريعية من شأنه أن يعزز فرصة الافادة من الاستثمارات الاجنبية وتقليل الاعتماد على الموارد المحلية.
ويظهر الاقتصاد العراقي؛ بعدم تحقيقه المستوى المطلوب في النمو الاقتصادي.بشكل يوازي ثرواته.
التقرير يشير الى تحسن ترتيب دول العالم وأيضا الدول العربية والخليجية ، والدول المتعثرة في الإصلاح مثل العراق .
جاءت نيوزيلندا في المرتبة الأولى حيث أنها تقدم أفضل بيئة أعمال، وتبعتها كل من سنغافورة وهونغ كونغ، وجاءت الدنمارك في المرتبة الرابعة هذا العام، ومن ثم جاءت كوريا الجنوبية بالمركز الخامس في حين جاءت كل من أمريكا وبريطانيا في المرتبة السادسة والثامنة على التوالي، فيما تذيلت الصومال القائمة تسبقها ارتيريا وجمهورية فنزويلا.
اما نصيب الدول العربية من هذا التقرير فكان ،كالتالي
ضمن التقرير ، العراق يحتل المرتبة 172 من بين 190 دولة في مؤشر البنك الدولي لسهولة ممارسة الاعمال ، مما يدل على ان العراق بيئة طاردة للاستثمارات، بينما حققت السعودية إنجازا نوعيا ، وتقدمت 30 مرتبة، لتصبح بذلك الدولة الأكثر تقدماً وإصلاحا بين 190 دولة حول العالم وتمكنت من تعزيز تنافسية البلاد ورفعت ترتيبها في التقارير العالمية ، وذكر خبراء البنك الدولي في التقرير أن إصلاحات السعودية شملت إنشاء نظام الشباك الواحد لتسجيل الشركات واستحداث قانون للمعاملات المضمونة وقانون إشهار الإفلاس وتحسين حماية مستثمري الأقلية وإجراءات لضم المزيد من النساء إلى قوة العمل ، وأوضح أن قبل عامين أو ثلاثة أعوام عندما بدأت هذه البلدان العمل على بعض تلك الإصلاحات كانت أسعار النفط غير مستقرة.
وعززت الإمارات صدارتها لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤشر سهولة الأعمال وتقدمت خمس مراتب عالميا مقارنة بالتصنيف السابق لتحتل المركز 16.
ترتب الدول العربية
خلص التقرير إلى أن أكثر البلدان العربية، التي شهدت تحسن مناخ ممارسة الأعمال، كانت السعودية والأردن والبحرين والكويت. واللافت في تقرير هذا العام غياب مصر عن المراتب العشر الأولى عربيا رغم الحصاد الاقتصادي، الذي سجلته طيلة العام المالي الأخير بفضل حزمة الإصلاحات القاسية.
وحلت البحرين في المرتبة الثانية عربيا و43 عالميا، حيث نفذت البحرين أكبر عدد من الإصلاحات عالميا، حيث أجرت تحسينات على 9 من 10 مجالات تم قياسها في التقرير بينما جاء المغرب ثالثا عربيا و53 عالميا. أما سلطنة عمان فقد جاءت في المركز الخامس عربيا و68 عالميا.
واحتلت قطر المركز السابع عربيا، وجاءت في الترتيب 77 عالميا. وفي المرتبة الثامنة عربيا، جاءت تونس، بترتيب عالمي 78، ثم تبعتها الكويت بترتيب عالمي 83، بينما جاءت جيبوتي في المرتبة العاشرة عربيا و112 عالميا.
اما العراق فقد احتل المركز 172 من 190 وهذا ضد المنطق والعقلانية بسبب بلد مثل العراق بإمكانياته الهائلة ، ومن اهم الأسباب التي أوصلت البلد الى هذا المنحدر الخطير الفساد والمحاصصة والأحزاب الدينية والعصابات ، ناهيك عن سوء الإدارة
ويعيش العراق بتبعة الدولة الريعية ومآلاتها الكارثية، فيما أن القوى السياسية والمجموعات المسلحة ومراكز النفوذ، التي شيدت وجودها الكبير في جسد الدولة العراقية وعمل على اضعافها وتدميرها.
حيث العراق يمضي نحو كارثة اقتصادية لامحالة مالم يبدا بالإصلاح الجذري ، اذ وهناك 75 في المئة من سكانه يعتمدون في حياتهم ومعيشتهم على ما توفره لهم الدولة من رواتب ويستهلكون نحو 80 في المئة من الموازنة النفطية الاحادية ضمن اقتصاد يعاني خللا دائما، فتلك حقيقة يدركها كل المسؤولين العراقيين، وتعي آثارها كل القوى المؤثرة في القرار الاستثماري، وتفهمها تماما الفئات الحزبية والمسلحة التي تشن الحرب بلا هوادة على الاستثمار الأجنبي.
حرب تبدأ من دفع هذه الفئات المستمر باتجاه زيادة الكتلة الوظيفية المترهلة في الدولة للحصول على ولاء أصوات انتخابية، مرورا بمحاولة أن تكون الشركات الحزبية لا الدولة شريكا لكل مستثمر قادم إلى العراق مقابل حمايته، وليس انتهاء بربط الاستثمار بدلائل سياسية، وبعجز الوسط السياسي عن اتخاذ قرارات قاسية لكنها ضرورية للمستقبل مثل البدء بأنظمة اللامركزية الادارية، وتمكين القطاع الخاص، وتحسين سمعة العراق في الخريطة الدولية.
في تلك النقطة الأخيرة، يتعاطى المسؤولون العراقيون باستخفاف مع التقارير الدولية للبنك الدولي ، والتي يمكن الجزم أنها تفتقر إلى الدقة الإحصائية اليوم وتستند إلى معطيات سنوات سابقة، فلا بغداد أسوأ مدينة للعيش في العالم، ولا العراق أكثر الدول فسادا، ولا الأمن العراقي في أسوأ حالاته، ويمكن القول إن هذا الاستخفاف الرسمي هو جزء من الحرب على الاستثمار، وإلا فإن الدول التي تخطط لمستقبلها بعد أن تضع خطط النهوض، تضع موازنات سنوية لدعوة الباحثين والمراكز المتخصصة ووسائل الإعلام المختلفة لتشجيع كتابة تقارير منصفة ومتوازنة وواقعية تضع المستثمرين عبر العالم أمام حقائق في هذه الدولة أو تلك، وليس مجرد انطباعات، يتمثل الخطر الأكبر بالموازنة النفطية التي قد تجد نفسها خلال سنوات أمام انهيار متوقع في أسعار النفط
الخطوة الاولى تبدأ من المصارحة بالحقائق القاسية، ومن هذه الحقائق أن العراق بوضعه الاقتصادي الحالي معرض خلال السنوات المقبلة لنكسات كبيرة تضرب آخر ما تبقى من أمنه ووحدته ووجوده، ولن يكون التهديد بالضرورة إرهابيا على غرار “داعش” أو أي تطور لاحق له، بل إن الخطر الأكبر يتمثل بالموازنة النفطية التي قد تجد نفسها خلال سنوات أمام انهيار طبيعي متوقع في أسعار النفط، يقف أمامها الاقتصاد الريعي العراقي عاجزا عن إيجاد البدائل ومستسلما تماما لقوى ما قبل الدولة.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية