في 21 آذار/ مارس الماضي دخل فيروس كورونا المستجد إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، حمله اثنان من سكان الشجاعية كانا قادمين من الباكستان، واليوم تشير الإحصائيات إلى 10 آخرين من المصابين، و1760 وُضعوا قيد الحجر الصحي. وللوهلة الأولى قد تبدو هذه المعطيات غير باعثة على التخوف بالمقارنة مع حال الفيروس في دول أخرى مثل إيطاليا أو إسبانيا أو الولايات المتحدة، أو حتى الجوار الفلسطيني في الضفة الغربية والاحتلال الإسرائيلي.
لكن مؤشرات القطاع ليست مدعاة قلق شديد من عواقب انتشار الجائحة على نحو غير مسبوق فحسب، بل هي تنذر بكارثة حقيقية جماعية وشاملة تهدد حياة عشرات الآلاف من السكان، بسبب اجتماع سلسلة عوامل تدفع إلى التفكير في أسوأ العواقب والسيناريوهات المفزعة. فالقطاع كما هو معروف يخضع منذ 13 سنة إلى حصار إسرائيلي مطبق، ينجم عنه نقص شديد في الكثير من المواد الحيوية وفي طليعتها الأدوية والمعدات الطبية المختلفة، كما أن حروب دولة الاحتلال ضد القطاع في سنوات 2008 و2012 و2014 تكفلت بتخريب مكونات أساسية في المنظومة الصحية، بينها 17 مشفى ومستوصفاً.
وقد سبق لمنظمة الصحة الدولية أن أكدت، في تقرير رسمي صدر سنة 2009، أن دولة الاحتلال تعمدت قصف المواقع الطبية والصحية تحديداً، وذلك خلافاً للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تحرّم استهداف هذه المنشآت. واليوم يربط وزير دفاع الاحتلال نفتالي بينيت بين السماح بدخول الموادّ والأجهزة الطبية اللازمة لمواجهة الفيروس، وبين تقديم معلومات عن رفات اثنين من أفراد الجيش الإسرائيلي فُقدا خلال العدوان الأخير ضد غزة، وهذا بدوره يشكل ابتزازاُ إنسانياً فاضحاً ويتناقض مع المبادئ الدولية لتبادل الأسرى والمفقودين.
العامل الثاني، الناجم بدوره عن شرط الحصار، هو الكثافة السكانية التي لا نظير لها في أي مكان على سطح الأرض، الأمر الذي يجعل من شبه المستحيل تطبيق أي من تدابير التباعد الاجتماعي الموصى بها كضرورة قصوى لمكافحة انتشار الفيروس. والإحصائيات الحديثة تبين أن 26 ألف نسمة يقطنون الكيلومتر المربع الواحد في التجمعات المدينية، وأن المعدل يرتفع إلى قرابة 55 ألفاً في المخيمات، على مساحة فعلية مأهولة لا تتجاوز 360 كم مربعا، ونسبة بطالة تبلغ 45٪. كل هذا يترافق مع نقص حاد في مياه الشرب والكهرباء، وانحطاط الخدمات العامة، وتدهور أنظمة الصرف الصحي، وما يفرضه الحصار من تقشف قسري في المتطلبات الضرورية للحياة اليومية.
العامل الثالث المؤسف هو العلاقات المتوترة بين السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، وحكومة حماس التي تدير شؤون القطاع منذ العام 2007، والتي تنعكس مباشرة على آليات التنسيق في مكافحة تفشي الفيروس ومعالجة المصابين به. ورغم النوايا الحسنة التي أعرب عنها الطرفان، والإجراءات القليلة الإيجابية التي اتُخذت على الأرض، فإن صيغة التعاون الراهنة لا ترقى بعد إلى المستوى المطلوب والضروري، خاصة وأن سيناريوهات مرعبة تخيم بالفعل على سائر أرجاء القطاع.
وخلال الأيام القليلة الماضية أطلقت منظمات إنسانية عالمية، أبرزها «أطباء بلا حدود»، أكثر من جرس إنذار للتحذير من كارثة وشيكة إذا لم يسارع المجتمع الدولي إلى التنبّه للمخاطر الكثيرة الكامنة وإغاثة القطاع وأهله، الواقعين بين مطرقة كورونا وسندان الحصار الإسرائيلي.
القدس العربي