عرضت شركة استثمار الضمان الاجتماعي، المعروفة باسم (شاستا)، وهي شركة استثمارية إيرانية رئيسة مملوكة للدولة، ثمانية مليارات سهم تمثل 10 في المئة من حصصها للبيع في بورصة طهران، ويمكن لكل متداول؛ مؤسسة أو فرد، شراء 10 آلاف سهم كحد أقصى، عن طريق تقديم طلب شراء، وفقاً لإشعار نشر على موقع بورصة طهران الإلكتروني، الذراع الاستثمارية لمنظمة الضمان الاجتماعي، التي توفر استحقاقات الرعاية الصحية واستحقاقات المعاشات التقاعدية لنسبة كبيرة من أفراد الطبقة العاملة في إيران.
وفي ظل استمرار الحصار الأميركي الموجع لإيران، ومع تفشي فيروس كورونا بالمدن الإيرانية، ومع اشتداد العزلة السياسية والتجارية والمالية المفروضة على البلاد، قد لا تجد طهران بُداً سوى البدء في بيع حصص بالشركات المملوكة للدولة، والشروع السريع في عمليات الخصخصة، مما قد يفتح الباب أمام الاستحواذات الأجنبية للشركات الإيرانية.
وكانت وزارة المالية والشؤون الاقتصادية الإيرانية أعلنت أن عملية نقل أسهم الشركات المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص تتابعها الوزارة باهتمام كبير، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية.
وأمر الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأسبوع الماضي، وزير المالية والشؤون الاقتصادية فرهاد ديجباسان، بضرورة التعجيل بهذه العملية ووضع الأرضية المناسبة في سوق الأسهم لهذا الغرض. وترى الحكومة الإيرانية أن الخصخصة، أحد المجالات التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في زيادة الإنتاج المحلي، وهو أمر تم تسليط الضوء عليه في البلاد على مدى العقد الماضي بهدف زيادة الإنتاجية والاستثمار، وخلق فرص العمل، وتعزيز الميزان التجاري، والمزيد من المنافسة في الاقتصاد المحلي، وتخفيف العبء المالي والإداري على الحكومة في ظل اشتداد العقوبات الأميركية وتداعيات تفشي كورونا على اقتصاد البلاد.
عقود من الخصخصة الفاشلة
ويُجمع المتخصصون على أنه نتيجة لعمليات خصخصة فاشلة في العقود الثلاثة الماضية، تم نقل ملكية المؤسسات الحكومية العليا إلى القطاع شبه الحكومي، أبرزها الحرس الثوري، الذي بدأ مشواره على أساس دخوله في القطاعات التي تمثل تحدياً للقطاع الخاص، لا سيما قطاعات البناء والصناعات الثقيلة، وامتدت جذوره بعد ذلك إلى قطاعات أخرى كالمصارف والصحة والزراعة والاتصالات ليتحكم بكل روافد الاقتصاد؛ ففي عام 2009 سيطر على الاتصالات في إيران، وأصبح مالكها الوحيد والحصري. وكما في بقية تصنيفات البنية التحتية بالبلاد تستثمر مؤسسة “خاتم الأنبياء” الاستثمارية بمليارات الدولارات.
الحرس الثوري الإيراني ليس الوحيد المسيطر على الاقتصاد، وإن كان الأكثر ظهوراً وبروزاً، لكن رجال الدين يديرون مؤسسات استثمارية بشكل مباشر عبر جمعيات وتنظيمات تُظهر في الحقيقة أنها خيرية لتدير مؤسسات وشركات وعقارات بمليارات الدولارات. وتعتقد دول أن 80 في المئة من الاقتصاد الإيراني يخضع للحرس الثوري ورجال الدين.
إيران تفتح باب الخصخصة
أُعلن قانون تطبيق السياسات العامة للمادة 44 من دستور إيران بشأن خصخصة الشركات المملوكة للدولة عام 2006 في محاولة لتقليص حجم الحكومة وتعزيز دور القطاع الخاص بالاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من ذلك، فإن عملية الخصخصة تواجه العديد من التحديات في البلاد وتخلت عن الجدول الزمني المحدد .
ويأتي القرار الإيراني ببيع 10 في المئة من أسهمها بشركة (شاسا)، في وقت ينزف فيه الاقتصاد جراء العقوبات الأميركية، التي طالت قطاعاته الحيوية، وعلى رأسها قطاعا النفط والبتروكيماويات، وشركات إيرانية وأخرى أجنبية كسرت الحظر الأميركي المفروض على البلاد. كما فرضت إدارة ترمب عقوبات على عدد من الشخصيات السياسية البارزة في إيران، تتهمها الحكومة الأميركية بدعمها مالياً حروب إيران بالوكالة في المنطقة.
ومع النزيف الإيراني جراء العقوبات يأتي فيروس كورونا ليزيد أعباء الاقتصاد، في وقت تتعرض فيه الحكومة للانتقادات بسبب تعاملها مع أزمة الوباء، إذ إنها متهمة بإخفاء حقيقة تفشي الفيروس، ما تسبب في ارتفاع كبير بأرقام ضحايا الوباء. وتشير الإحصاءات إلى وقوع 77.995 إصابة بالوباء، ووفاة 4869 شخصاً بحسب موقع إحصاءات كورونا “وورلد ميتر”.
من جانبه قال عبد الرسول دوكاهكي، القنصل العام الإيراني لدى الإمارات لـ”اندبندنت عربية”، “إن قرار الحكومة بيع حصص في شركة استثمار الضمان الاجتماعي قرار سيادي”، مؤكداً، “أن المشترين لحصص الشركة هم أبناء الشعب الإيراني”، ولم يستبعد التوجه نحو طرح أسهم للبيع في شركات أخرى مملوكة للدولة.
قد ينظر لتوجهات الخصخصة الإيرانية، على أنها تعكس الألم الذي بات يقطع أوصال اقتصاد البلاد، ففي فبراير (شباط) الماضي وصل الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته في عام مقابل الدولار، حيث أدى الارتفاع الحاد في حالات الإصابة بالفيروس إلى إغلاق معظم حدودها، مما هدد الصادرات غير النفطية التي تعد شريان الحياة الاقتصادي الرئيس لها، لتأتي عملية إغلاق الحدود وإلغاء الرحلات وتعمق هي الأخرى من عزلة البلاد الاقتصادية، وهو ما اضطرها إلى الاعتماد على العلاقات التجارية مع جيرانها لتعوض جزئياً التأثير المعوق للعقوبات التي أعادت واشنطن فرضه عليها.
وفي عام 2015، وافق الرئيس الإيراني حسن روحاني على اتفاق مع الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى للحد من الأنشطة النووية لبلاده مقابل رفع العقوبات الأميركية. بعد تنفيذ الصفقة انتعش الاقتصاد الإيراني، ونما الناتج المحلي الإجمالي 12.3 في المئة، وفقاً للبنك المركزي الإيراني. لكن الكثير من هذا النمو يُعزى إلى صناعة النفط والغاز، ولم يكن انتعاش القطاعات الأخرى بنفس الأهمية التي كان يأملها العديد من الإيرانيين.
وتراجع النمو مرة أخرى إلى 3.7 في المئة عام 2017، مما ساعد على تأجيج السخط الاقتصادي الذي أدى إلى أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة في إيران لما يقرب من عقد في ديسمبر (كانون الأول)، وتسببت إعادة العقوبات الأميركية في 2018، لا سيما تلك المفروضة على قطاعات الطاقة والشحن والمالية في نوفمبر (تشرين الثاني) في جفاف الاستثمار الأجنبي وضرب صادرات النفط. كما منعت تلك العقوبات ليس فقط الشركات الأميركية من التجارة مع إيران، ولكن أيضاً الشركات الأجنبية أو الدول التي تتعامل معها.
وفي مايو (أيار) 2019، أنهى الرئيس الأميركي ترمب الإعفاءات من العقوبات الثانوية الأميركية، مثل الاستبعاد من الأسواق الأميركية، لكبار مستوردي النفط الإيراني وتشديد القيود على القطاع المصرفي الإيراني. وقال إن القرار “كان يهدف إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وحرمان النظام من مصدر دخله الرئيس”.
ونتيجة للعقوبات، تقلص الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بما يقدر بـ4.8 في المئة خلال 2018، وكان من المتوقع أن ينكمش 9.5 في المئة أخرى في 2019، وفقاً لصندوق النقد الدولي. في غضون ذلك، ارتفع معدل البطالة من 14.5 في المئة خلال 2018 إلى 16.8 في المئة في 2019. ويتوقع صندوق النقد الدولي نمواً صفرياً للاقتصاد الإيراني في 2020.
سقوط الريال الإيراني
تحت ضغط العقوبات الأميركية وعدم القدرة على بيع النفط الخام، استنزفت احتياطيات إيران من العملات الأجنبية بشكل كبير. للمرة الأولى منذ عام 1962، مما دعا إيران لمناشدة صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل طارئ لمساعدتها في مكافحة تفشي فيروس كورونا.
رداً على استمرار انخفاض قيمة العملة الوطنية في الأسابيع القليلة الماضية، أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر هماتي، أنه لا يوجد “طلب حقيقي وفعال” على العملات الأجنبية في سوق صرف العملات. وادعى أنه تم ضخ أكثر من 1.5 مليار دولار في سوق العملات الأجنبية من الصادرات غير النفطية أواخر فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين، ونتيجة لذلك، انخفضت أسعار الصرف للمستوردين، بينما كان السبب الرئيس لسقوط الريال في فبراير الماضي قرار هيئة الرقابة المالية الدولية، دعوة جميع البلدان لاتخاذ إجراءات مضادة ضد إيران لعدم التصديق على تشريع ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
سوق الأوراق المالية
وعلى الرغم من التراجع الكبير في النمو الاقتصادي لطهران وهبوط العملة، تصر إيران على الأداء الجيد لسوق أوراقها المالية، وتعلن أنها في تطور متزايد خلال السنوات الأخيرة، ومجال توسعها كان ضخماً بشكل ملحوظ على مدار الأشهر الماضية حيث اجتذبت العديد من المستثمرين لإغرائهم بعيداً عن الأسواق الموازية للذهب والعقارات.
وبحسب “طهران تايمز”، أسهمت عوامل مختلفة في التطورات الأخيرة بسوق الأسهم، بعضها بدأته السوق نفسها، وبعضها أثارته العوامل الخارجية. ومن بين عوامل التحسين الداخلية تطبيق أدوات مالية جديدة في أسواق الأسهم الرئيسة الأربعة للبلاد بما في ذلك بورصة طهران، وسوق إيران خارج البورصة، المعروفة باسم إيران فارا بورس، وبورصة إيران التجارية، وبورصة إيران للطاقة.
وقال علي سهراي، رئيس بورصة طهران، إن سوق البورصة نجحت في جذب عدد كبير من المستثمرين على مدى السنوات العشر الماضية. وكان مؤشر TEDPIX ، المؤشر الرئيس لبورصة طهران، وصل عند أعلى مستوى له على الإطلاق عند 302.103 نقاط في نهاية النصف الأول من السنة التقويمية الإيرانية، وكان قد شهد المزيد من الارتفاعات القياسية في النصف الثاني كذلك. كما شهد المؤشر أعلى ارتفاع أسبوعي له في أسبوع التقويم الإيراني المنتهي في 17 يناير (كانون الثاني)، حيث ارتفع 45638 نقطة إلى 399.445 نقطة.
كفاية أولير
اندبندت العربي