أصبحت كلماتهم شعارات يرددها المحتجون في المظاهرات، فيما ارتفعت صورهم وهم يبتسمون أو يهتفون على واجهات المباني العالية المحيطة بساحات الاعتصام في أغلب المحافظات، ليكونوا رموزا وأيقونات ثورية بارزة بعد رحيلهم.
ولم يكن هؤلاء الضحايا في معظمهم قادة للاحتجاجات التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنهم كانوا الأكثر حضورا ولهم بصمات وتأثير بين الناشطين وبعضهم برز بعد مقتله بسبب المشاركة بالاحتجاجات.
بدأ السراي، وهو من مواليد بغداد 1993، مسيرته في الاحتجاج منذ عام 2011، وشارك في كل التظاهرات التي نظمت في بغداد، عمل بالكثير من المهن الشاقة، وهو شاعر ورسام، معروف بثوريته، تعرض للضرب في أغلب المظاهرات، واعتقل في 2013، خلال الاحتجاجات المطالبة بتخفيض رواتب النواب في البرلمان.
انتقد وهاجم الكثيرين ممن لم يقفوا إلى جانب الحراك الشعبي في 2019، بحسب شهادات أصدقائه، وعرفه الناشطون في بغداد بشكل أوسع، وهو صاحب مقولة “محد بهذا العالم يحب العراق بكدي (لا أحد في العالم يحب العراق مثلي)” التي كُتبت على قبره، وأصبحت هتافا يردده المحتجون.
جمعتنا شرارة الثورة عام 2011، فقررنا أن نحدد المشكلة ومكانها وأن نثور من هناك، فكانت الدعوة الاجتماعية قد انطلقت من خط ومساحة كبيرة من الأصدقاء، والتي تهدف إلى الانقلاب الاجتماعي الذي يكفل تغيير كل شيء، كما يقول الناشط والكاتب عمار خضير وهو صديق السراي، للجزيرة نت.
ويضيف خضير أنه انطلق والسراي إلى جانب احتجاجهما الفعلي باستخدام الفن والشعر، فحققت أعمالهما الفنية شيوعا على مستوى الشباب واتصلت بشكل مباشر بتظاهرات 2013 وحتى الاحتجاجات الأخيرة لتترك آثارا لا تنتهي.
أصيب السراي، بقنبلة غازية في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلال المواجهات مع القوات الأمنية قرب ساحة التحرير وسط بغداد، توفي على إثرها في المستشفى بعد ساعات، وشُيّع في ساحة التحرير فجرا، وطاف به أصدقاؤه تحت نصب الحرية.
ثائر.. الطيب
في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعرض الناشط البارز في تظاهرات محافظة الديوانية (180 كم جنوب بغداد) ثائر الطيب إلى اغتيال بعبوة محلية الصنع وضعت تحت سيارته، وسط الديوانية، فتوفي على إثرها فجر اليوم التالي.
عرف عن الطيب -وهو المولود مطلع الثمانينيات- مشاركته في أغلب المظاهرات، بدءا من مظاهرات فبراير/شباط 2011، وكان فعالا دائما، يحث الجميع على المشاركة، كما يتحدث أصدقاء الطيب.
لم يكن حضور الطيب، يقتصر على المشاركة، كما يقول صديقه المقرب محمد الشمري وهو كاتب وصحفي، بل يقود بعضها، حتى أنه رفعت ضده العشرات من الدعاوى القضائية، وكان دائما ما يسلك طريق المشاركة بحملات إنسانية تنوعت فيها المساعدة، وكان أبرزها حملة “مالات الله” وهي حملة خيرية تهدف لمساعدة العوائل الفقيرة.
وأشهر العبارات التي تم تداولها بعد استشهاده، كما يوضح الشمري، هي بيت شعر شعبي لشاعر ما، كان قد قرأه الطيب في مقطع فيديو، أصبح لاحقا أيقونة للفيديوهات الرمزية، قال فيه “بس وجه ربك يدوم.. زينة شينة تظل وراك” (وجه الله يدوم.. أما ما تقوم به من عمل جيد أو سيئ فيلازمك ويبقى بعدك).
عمر سعدون…الثائر المبتسم
بينما كان المتظاهرون يحتشدون قرب شارع التربية وسط الناصرية (جنوبي العراق) في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقف عمر سعدون أمام القوات الأمنية وخلال لحظات أصيب برصاصة في الرقبة، سقط في الحال، كانت لحظة السقوط مدوية، حيث صورته الكاميرات لحظة سقوطه، وهو ما أثار غضب الشباب بعد ذلك.
بعد تداول الفيديو، على نطاق واسع، تفاعل العراقيون بشكل كبير، وبعد وفاته، طاف به أصدقاؤه وهم يشيعونه وسط ساحة الحبوبي (مركز الاحتجاجات في الناصرية)، رافعين صورته التي يبتسم فيها، ومقولة يشتهر بها ويرددها المعتصمون.
لم يكن عمر سعدون هو الوحيد لكنه كان الأكثر شجاعة، منظره وهو يواجه فوهة البندقية على بعد خمسة أمتار، فجّر ثورة لا نهاية لها ورسم ملامح الجزارين والضحايا ببِركة دم على أرض أسفلتية، كما يقول الناشط والمدون عمار خضير وهو ينعى صديقه عمر.
أم عباس
لطالما، كانت الناشطة، أنوار جاسم والشهيرة بأم عباس وهي تصدح بصوتها الجَهْوَري طيلة الاحتجاجات وسط ساحة الحبوبي، يعرفها الجميع بحضورها اليومي، إلى جانب أبنائها.
كانت أم عباس أبرز الداعين إلى كسر حظر التجول الوقائي في الناصرية، وخرجت في تظاهرة صاخبة وسط ساحة الحبوبي، تدعو لكسر الحظر، ولكن بعد يوم حصلت مواجهات ساخنة بين محتجين وقوات الأمن سقط على إثرها 15 محتجا بين قتيل وجريح.
وفي فجر الخامس من الشهر الجاري، داهم أربعة مسلحين بيت أم عباس وسط الناصرية، وأصابوا ولدها، فيما تم إطلاق النار على رأسها وصدرها لتلقى حتفها في الحال، ليثير موتها موجة استياء في الناصرية مع تحميل الشرطة مسؤولية ما حدث.
ومن بين ضحايا الاحتجاجات، من محافظة ميسان (جنوبي البلاد)، الناشط والتربوي، أمجد الدهامات، الذي اغتيل من قبل مسلحين مجهولين، في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو واحد من أبرز ناشطي التظاهرات، وكذلك اغتيال الناشط والكاتب عبد القدوس قاسم على يد مسلحين في العاشر من مارس/آذار الماضي.
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما كان يقف، المحامي علي حطاب على جانبي الطريق وسط محافظة ميسان، اقتربت منه سيدة وتحدثت معه، بعدها بلحظات، توقفت بالقرب منه سيارتان، نزل منهما مسلحون واقتادوه إلى جهة مجهولة، ومن تاريخ الاختطاف إلى اليوم لا يزال مصير المحامي مجهولا.
وناشدت عائلته جميع الجهات الحكومية والسياسية من أجل العثور عليه لكن دون جدوى، تقول عائلته، إن اختطافه جاء بعد يوم من تبنيه مع مجموعة من المحامين الدفاع عن المتظاهرين الذين تم اعتقالهم مطلع الاحتجاجات.
وبحسب مفوضية حقوق الإنسان، فإن أعداد الذين قتلوا خلال التظاهرات، هو 555، بينهم عناصر من القوات الأمنية، فيما جرح 24656 شخصا في عموم العراق.
المصدر : الجزيرة