اتساع قياسي في فجوة الموازنة يعظم التحديات أمام الكويت

اتساع قياسي في فجوة الموازنة يعظم التحديات أمام الكويت

سجلت فجوة الموازنة الكويتية رقما قياسيا، ما أثار مخاوف الأوساط الاقتصادية من ضغوط جديدة تنعكس على أي محاولة لترميم الوضع المالي في ظل تلاشي إيرادات الطاقة ما يعظم التحديات أمام الحكومة ويعسر خروجها إلى السوق المالية العالمية جراء عدم قيامها بالإصلاحات العاجلة.

الكويت – كشفت أحدث البيانات أن عجز موازنة الكويت سيواصل الاتساع في الفترة المقبلة نتيجة انحسار عوائد الطاقة، بعد أن فشلت الدولة الخليجية في إصلاح الاقتصاد بسبب الرفض الشعبي والبرلماني لأي تقليص للدعم الحكومي واعتماد معظم المواطنين على الوظائف الحكومية.

وأظهرت وثيقة برلمانية أن الكويت تتوقع ارتفاع عجز الميزانية العامة في السنة المالية 2020-2021 إلى 14 مليار دينار (حوالي 46 مليار دولار)، في ظل معاناة الاقتصاد من تفشي فايروس كورونا وضعف أسعار النفط.

وكانت التقديرات السابقة قبل أزمة كورونا وهبوط أسعار النفط تتوقع أن يصل العجز إلى 7.7 مليار دينار. وتبدأ السنة المالية للكويت في أول أبريل وتنتهي في 31 مارس.

وأوضحت الوثيقة التي اطلعت عليها رويترز أن “الهيئة العامة للاستثمار ترى أن تكلفة الاقتراض حاليا من البنوك المحلية أو العالمية بفائدة متوقعة بين 2.5 وثلاثة في المئة ستكون أرخص من تكلفة السحب أو الاقتراض من صندوق الأجيال القادمة أو تسييل الأصول”.

وعبر بنك الكويت المركزي عن اعتقاده أن عدم الوفاء بتعهدات الإصلاح الاقتصادي التي قطعتها الكويت على نفسها أمام المقرضين الدوليين سيجعل أي جولة تمويلية في الخارج “صعبة”.

ونقلت الوثيقة عن هيئة الاستثمار الكويتية قولها إن صندوق الاحتياطي العام كان يبلغ خمسة مليارات دينار في بداية السنة المالية الحالية وانخفض أربعة مليارات دينار في غضون 100 يوم.

وفشلت الكويت في القيام بالإصلاحات الاقتصادية التي تعهدت بها أمام الدوائر المانحة نظرا للرفض الشعبي والبرلماني الكبير لأي تقليص للدعم الحكومي أو تقليص عدد الموظفين في القطاع العام والذين أصبحوا عبئا يثقل كاهل المالية العامة.

وضاعفت أزمة فايروس كورونا وانهيار أسعار النفط، الضغوط على الحكومة الكويتية لتسريع الإصلاحات الاقتصادية وترشيد الإنفاق، بعد أن فشلت محاولاتها السابقة بسبب الرفض الشعبي والبرلماني بسبب اعتماد معظم المواطنين على الوظائف الحكومية.

لم يعد بإمكان الحكومة الكويتية تجاهل الحاجة المتزايدة إلى كبح انفلات الإنفاق الحكومي وإجراء الإصلاحات، التي تلكأت في تنفيذها في السنوات الماضية، بعد تلاشي العوائد النفطية والضغوط التي يفرضها تفشي فايروس كورونا عالميا.

ويرى خبراء أن ترشيد الإنفاق أصبح ضرورة ملحة وأن الأزمة الحالية تمثل فرصة أخيرة لتجاوز عقبات تنفيذ الإصلاحات، التي طال تأجيلها والبدء بتنويع الموارد والتخلص من الطابع الريعي للاقتصاد لتخفيف مخاطر تقلبات أسعار النفط.

ويرى محللون أن الكويت أمام استحقاق حتمي لتسريع الإصلاحات وخفض الإنفاق، وأن الأزمة ستساعدها في تجاوز الرفض البرلماني والشعبي لخطط التقشف.

ويشير محللون إلى أن الكويت تأخرت في وضع القوانين الكفيلة بتسريع ونجاعة الإصلاح إضافة إلى ضرورة تعديل وتطوير القوانين القديمة بما يتلاءم مع الوضع العالمي الاقتصادي. وتهيمن على الاقتصاد الكويتي القوانين التقليدية، حيث تسيطر الدولة على جميع القطاعات المنتجة، وتجد صعوبة في تقليص الإنفاق بسبب الرفض السياسي والشعبي لأي تقليص للإعانات والدعم الحكومي، في وقت لا يزال فيه دور القطاع الخاص محدودا في تخفيف الأعباء عن الدولة.

واعتبر اقتصاديون أن تلك الأوضاع طاردة لرأس المال المحلي والأجنبي، مما يعرقل تنويع الموارد المالية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، حيث ينحصر دوره في مساحة ضيقة من المجالات الصناعية البسيطة.

ولم تتخلّص الكويت حتى في رؤيتها 2035 التي أعلنتها منذ سنوات من اعتمادها على عوائد النفط في تمويل الوظائف الحكومية، حيث يعمل أكثر من 75 في المئة من المواطنين الكويتيين في القطاع العام، إضافة إلى الإعانات الحكومية الباذخة لقائمة طويلة من الخدمات والسلع.

ويرى خبراء أنه لم تظهر حتى الآن أي آثار تذكر لبرنامج الإصلاحات الكويتي، الذي طرح لأول مرة في عام 2010، والذي يسعى إلى تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على عوائد الريع النفطي، وتقليص الإنفاق الحكومي ودور القطاع العام في توظيف المواطنين.

وتأثرت الكويت مثل باقي الدول الخليجية التي تعتمد موازناتها بنسبة كبيرة على تصدير النفط، بشلل الاقتصاد العالمي وتوقف المصانع في آسيا التي تعد السوق الرئيسية للنفط الخليجي.

ويمثل النفط نحو 90 في المئة من إيرادات الموازنة، يصل الإنفاق فيها العام الحالي نحو 22.5 مليار دينار كويتي (74 مليار دولار).

وتصاعدت مطالب الأوساط الاقتصادية بتسريع معالجة الاختلالات المالية بعد أن فاقم الوباء المؤشرات السلبية التي ترجح تسجيل عجز قياسي في الموازنة، مع انهيار عوائد صادرات النفط.

وحذر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في مايو الماضي، من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد ودعا إلى شدّ الأحزمة وترشيد النفقات.

ووصف الشيخ صباح الأحمد الجائحة بأنّها امتحان يستوجب استخلاص العبر والعظات، داعيا إلى ترشيد الإنفاق الحكومي والعمل على تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على عوائد النفط.

وأشار إلى أنّ الجائحة “هزّت أركان اقتصاد العالم ونحن جزء منه”، مشيرا إلى أنّ “كويت الغد تواجه تحديا كبيرا وغير مسبوق يتمثل في الحفاظ على سلامة ومتانة اقتصادنا الوطني من الهزات الخارجية الناجمة عن هذا الوباء لاسيما التراجع الحاد في أسعار النفط وانخفاض قيم الأصول والاستثمارات مما سيؤثر سلبا على الملاءة المالية للدولة”.

وقضية إصلاح الاقتصاد الكويتي مطروحة بشدّة في الخطاب السياسي للبلد منذ سنوات، دون أن يتمّ بالفعل اتخاذ خطوات عملية في اتجاه تنويع المصادر والحدّ من الهدر ومحاربة الفساد الذي يوصف بأنّ معدّلاته مرتفعة.

العرب