الاتفاق النووي الإيراني للرئيس أوباما: نقاط الشبه بينه وبين طفرة القوات الأمريكية في العراق

الاتفاق النووي الإيراني للرئيس أوباما: نقاط الشبه بينه وبين طفرة القوات الأمريكية في العراق

obama-bush-900x600-AP081110014883-198x132

إنه مشهد درامي أخّاذ: رئيسٌ حازم يتّخذ قراراً حاسماً بشأن مسألة الشرق الأوسط، قراراً يختصر عهده الرئاسي وقد لا يغيّر الوضع المحدد الذي اتخذ بشأنه فحسب، بل الأمن الإقليمي أيضاً. ومع ذلك، فقدْ فقدَ الرئيس لتوّه دعم مجلسَي النواب والشيوخ، كما أن استطلاعات الرأي حول القرار تزداد سوءاً، بينما يحتجّ المشرّعون بشدة، حتى إنّ الشكوك تساور بعض أفراد إدارته أيضاً. لكن عوضاً عن التردّد، تراه يمضي قدماً.

هل المعني هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما فيما يتعلق بإيران عام 2015؟ كلّا، بل الرئيس السابق جورج والكر بوش، بين عامي 2006 و2007، حول زيادة عدد القوات في العراق، لإنقاذ جهوده في البلاد التي أمر الجيش الأمريكي بغزوها. لقد أصرّ كلا الرئيسين، في المرحلة نفسها من ولايتيهما، على تطبيق مبادرات كبرى بالرغم من المعارضة الداخلية الشديدة. ونظراً إلى أوجه التشابه بين الحالتين، يمكن أن ينبِئ مصير زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق التي لجأ إليها الرئيس بوش بمصير “خطة العمل المشتركة الشاملة” مع إيران.

يشير نجاح بوش إلى أنّ أوباما سوف يتغلب هو الآخر، بطريقة أو بأخرى، في تنفيذ الاتفاق مع إيران. فإمّا أن يصدّ أوباما محاولة الكونغرس لتجريده من صلاحية رفع العقوبات، وإمّا أن يؤمّن على الأرجح ما يكفي من الأصوات لكي يحتفظ بحق النقض (الفيتو). لكنّ خياراته لا تنتهي عند هذا الحدّ. فالرؤساء الذين يقودون القوات المسلّحة يتمتّعون بقوة هائلة عند التعامل مع قضايا الأمن القومي، إذا ما آمنوا إيماناً راسخاً بما يقومون به، وهو الحال بالنسبة لبوش وأوباما. وحتى لو جرّده الكونغرس من صلاحية رفع العقوبات، يمكن لأوباما إما أن يتردد في تطبيقها، أو أن يستخدم سلطته حول ما يؤكد باستمرار أنها مسألة “حرب وسلم”، وذلك بهدف تجاهل الكونغرس. وأخيراً، يمكن أن يعقد الرئيس اتفاقاً جانبياً، يبادل فيه عدم التزام أمريكي محدود بالاتفاق (أي، بقاء بعض العقوبات الأمريكية) بعدم التزام إيراني متناسبٍ، على سبيل المثال حول شروط التحقق أو عدد أجهزة الطرد المركزي أو حدود المخزونات.

ولكن بصرف النظر عن الحزم الرئاسي والمنطق القانوني الإبداعي، ثمة سبب آخر يرجح انتصار أوباما. فالنظام الدولي الذي لا تزال الولايات المتحدة ترأسه يرتكز على قدرة الرئيس الأمريكي على العمل من جانب واحد، حتى في القرارات غير الشعبية، إذا كانت المصلحة الوطنية الحيوية على المحك. فبوش مثلاً، الذي كان يواجه احتمال انهيار سياسته في العراق إذا لم يتمكّن من منع نشوب حرب أهلية في البلاد، تصرّف بناءً على تلك المصلحة، على الرغم من المعارضة في الكونغرس والشكوكية العميقة من جانب “مجموعة دراسة العراق” (لجنة عُينت من قِبل الكونغرس الأمريكي لتقييم مجرى الحرب والوضع في العراق عام 2006) والشكوك التي ساورت العديد من كبار المستشارين.

ونلاحظ سلوكاً مماثلاً من جانب أوباما حول إيران، فدفاعه في الجامعة الأمريكية عن الاتفاق كان تبسيطياً، لكنّه لم يترك أيّ شكٍ حول موقفه. وهذا لا يعني أنّ الاتفاق يستحقّ أن يدوم، بل أنّ أوباما سيلجأ إلى كل حيلة في جعبته ليضمن ذلك. فتماماً كما ربط بوش زيادة عدد القوات في العراق بالتزامات بانسحابٍ سريعٍ نسبياً للقوات الأمريكية من العراق، قد يُضطرّ أوباما إلى التنازل لمنتقديه عن بعض النقاط في مشروعه حول إيران لكي ينقذ الاتفاق، وأغلب الظنّ أنّه سينقذه.

ويعني ذلك أنّ السؤال الأكثر إثارةً للاهتمام ليس ما إذا كان الاتفاق سيدوم، بل ما إذا كان الاتفاق النووي ومشروع أوباما الضمني حول إيران سيلقيان المصير نفسه الذي لقيه مشروع بوش حول العراق.

فمثله مثل زيادة عدد القوات في العراق، أصبح الاتفاق النووي هو العنصر الحاسم في مشروعٍ رئاسي يهدف إلى تحويل الشرق الأوسط. وفي حين يُركّز مشروع أوباما على إيران، ركّز مشروع بوش على العراق. أمّا السمة الأولى لهذين المشروعين، فهي الخطر الحقيقي، الذي يتبدّى نزاعاً كبيراً في حالة العراق، واضطراباً يصيب التحالفات والمنطقة في حالة إيران. والسمة الثانية لهما هي الانحراف عن السياسة الخارحية الأمريكية المعتادة منذ عام 1945. فمع بعض الاستثناءات الكارثية (كوريا الشمالية عام 1950، و”خليج الخنازير” عام 1961)، ركّزت تلك السياسة على الدفاع عن محيط الولايات المتحدة العالمي، وفي الوقت نفسه احتواء الشيوعية أولاً، ومن ثمّ احتواء الفوضى في مناطق كالشرق الأوسط منذ عام 1989، ويعود ذلك جزئياً إلى المعارضة الشعبية للمناورات الوطنية الأكثر طموحاً، بل الأشد خطورةً أيضاً.

لكن الطموح هو بالضبط ما اتسم به مشروعا زيادة عدد القوات في العراق والاتفاق مع إيران – وهو طموح يهدف إلى تغيير وجه العراق وإيران على التوالي، وبالتالي دفع الشرق الأوسط بشكل حاسم نحو مجتمع عالمي سلمي. صحيحٌ أنّ وسائل بوش وأوباما مختلفة، بيد أنّ هدف الرجلين هو نفسه: حلّ المشكلة عوضاً عن إدارتها كالعادة.

يسهل توثيق هذا الهدف مع بوش، فكما قال في خطاب تنصيبه عام 2005: “إنّ أفضل أملٍ للسلام في عالمنا يكمن في توسيع الحرية لتعمّ العالم بأسره”. وكما ذكر بوب وودوارد في كتابه “خطة الهجوم”، من الواضح أنّ بوش اعتبر أنّ تحويل العراق إلى حليف ديمقراطي يشكل خطوة محورية لتحفيز التغيير الديمقراطي في المنطقة بأسرها. أما أوباما فهو أكثر تواضعاً، ولكن يمكن تلمّس الهدف نفسه، بدءاً من رسالته إلى المرشد الأعلى علي خامنئي عام 2009، وصولاً إلى تلميحات إدارته المستمرّة بأنّ الثقة الناتجة عن الاتفاق مع إيران يمكن أن “تحوّل” عدواً لدوداً إلى صاحب مصلحة مسؤول بحكم الوضع الراهن.

وبالتالي، فإن مصير مشروع بوش يمكن أن يسلّط الضوء على مصير مشروع أوباما. ففي حين أنّ زيادة عدد القوات في العراق نجحت من الناحية العسكرية، واستمر تطبيق بعض الإصلاحات الديمقراطية التي شجّعتها الولايات المتحدة، إلا أن مشروع الولايات المتحدة الأوسع نطاقاً، ألا وهو غرس قيمها في العراق قد فشل، لا بل إنّ الفشل كان أسوأ على صعيد المنطقة ككلّ. ثمة أسباب كثيرة وراء “الربيع العربي”، لكنّ العراق لم يكن واحداً منها. لقد كانت زيادة عدد القوات في العراق مغامرة جريئة لجأ إليها بوش، أنقذت الولايات المتحدة والعراق من الهزيمة العسكرية، غير أنّها لم تغيّر وجه الشرق الأوسط.

ويواجه مشروع أوباما حول إيران مخاطر مماثلة. فالجهود الطموحة من هذا النوع تتطلّب إبراز قيم الولايات المتحدة على مجتمعات مختلفة جداً، مع أهداف واسعة للغاية تستند على الطابع العالمي المُفتَرَض لتلك القيم. لكنّ هذا الأمر يشكل مبادرة هامة قلّ نظيرها، باستثناء تجارب أمريكا الفريدة من نوعها في اليابان وألمانيا. وبفضل توقيت الانتخابات الأمريكية في كلتا الحالتين، وبعد وقت قصير على النجاح التكتيكي – تنفيذ الزيادة في عدد القوات، والتفاوض جول الاتفاق النووي مع إيران – وجب على الرئيس المعني أو يجب عليه أن يفسح الطريق لخلفه، على الرغم من أنّ المشروع الأكبر، في كلتا الحالتين، ظلّ أو لا يزال يواجه ارتياباً عاماً.

لقد قامت حملة الرئيس أوباما، الذي خلف بوش، على شعار “إنهاء حروب أمريكا” – وهو الشعار الذي لا يتوافق مع السياسة التحويلية في العراق، كما اتّضح في جهوده الفاترة لإبقاء قوات أمريكية هناك. كذلك، من شبه المؤكّد أنّ خلف أوباما سيكون أكثر تشكّكاً تجاه إيران، ومن بينهم أياً من المرشحين الجمهوريين، ولكن أيضاً هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية في إدارته السابقة، التي قالت الشهر الماضي: “حتى لو أبرمنا اتفاقاً كهذا، سنظلّ نواجه مشاكل كبرى تتسبّب بها إيران”.

وهكذا، حتى لو كان أوباما محقّاً بشأن تحوّل إيران المحتمل، إلّا أنّه لن يكون في موقع السلطة للدفع بهذا التحول قدماً، تماماً كما لم يكن بوش في موقع السلطة لضمان لضمان إمكانية أن يُؤدي نجاح زيادة عدد القوات في العراق إلى إعطاء دفعةً قوية للتغيير في المنطقة. وهذا لا يعني أنّه كان لا بدّ من إثبات أنّ بوش أخطأ بشأن العراق. ولكن في غياب النجاح الفوري والاستثنائي والقابل للإثبات، جاء الاحتكاك السياسي الذي أنتجه هذا المسعى الجريء ليضمن بشكل شبه مؤكد أنّ خلف بوش لن يكون متحمساً للمضي قدماً بمشروعه. إن التوقيت لم يحالف بوش، وهو قد لا يحالف أوباما أيضاً. ينبغي أن يكون رهانه على تحوّل إيران صائباً بشكل فوري واستثنائي قابلٍ للإثبات، وإلّا فقد يلقى مشروعه الأكبر المصير نفسه الذي لقيه مشروع بوش على يدَي خلَفِه.

 جيمس جيفري

معهد واشنطن