ما هى الأثار المتوقعة للإتفاق النووى الإيرانى على العالم العربى والشرق الأوسط ؟ لقد عارضت الإتفاق بشدة عدة دول في المنطقة، خاصة إسرائيل ودول الخليج، لأسباب مختلفة. ويرى هؤلاءأن الإتفاق الذى تم التوصل إليه بين طهران والقوى الكبرى الست (الولايات المتحده وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) لا يضع حدا لطموحات ايران النووية، و إنما يؤجل فقط إمكانية إنتاجها للقنبلة النووية لفترة تتراوح بين 10 و 15 سنة، و هى فترة إنتهاء العمل ببنود الإتفاق الموقع فى 14 يوليو.
ولذلك فإن أول الأثار المتوقعة للإتفاق على المدى القصير والمتوسط هو تأجيج سباق التسلح فى المنطقة، والقائم بالفعل منذ إندلاع الثورات الشعبية فى عدد من دول العالم العربى منذ بداية 2011 وما أعقبها من تحديات أمنية كان أخطرها صعود التطرف الدينى والإرهاب المتمثل بصورة أساسية اليوم فى تنظيم داعش. وهكذا فمن المتوقع أن يسعى المتشككون فى نوايا إيران السلمية إلى الحصول على أسلحة متطورة، بل وكذلك السعى لإمتلاك تكنولوجيا نووية، على أن تكون مدنية سلمية فى بادئ الأمر، لمواجهة أى تهديدات محتملة، حقيقية أم متصورة.
وكانت إسرائيل من أول الدول التى سارعت بطلب المزيد من الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة، حتى قبل التوقيع على الإتفاق. وقد وافقت الإدارة والكونجرس الإمريكيين فى مايو الماضى على صفقات سلاح لإسرائيل بقيمة 1،9 مليار دولار كان الهدف منها هو تقليل معارضتها للإتفاق النووى مع إيران. وقد وعد وزير الدفاع الأمريكى أشتون كارتر خلال زيارته لإسرائيل فى نهاية يوليو بتعميق التعاون الأمنى مع تل أبيب خاصة لمنع تهريب السلاح من إيران لحلفائها فى المنطقة مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامى. ومن الأثار المحتملة فى هذا الصدد أن تبدى إسرائيل قدرا أكبر من العدوانية تجاه هذه التنظيمات السياسية بدعوى الحفاظ على أمنها فى مواجهة تنامى قوة إيران الإقليمية، فى أعقاب توقيع الإتفاق النووى. كما أنها قد تستغل التقارب المزعوم بين طهران وحماس –رغم فتور العلاقة بين الطرفين فى الفترة الأخيرة بسبب معارضة حماس لنظام بشار الأسد الحليف الإستراتيجى لإيران- وما قد يمثله من مخاطر أمنية بالنسبة لها لإبداء مزيد من التصلب ولمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية الرامية للتوصل لتسوية للقضية الفلسطينية.
وقد قدمت دول الخليج هى الأخرى، خاصة خلال قمة كامب ديفيد التى دعى إليها الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى مايو الماضى، مطالب متنوعة لواشنطن لزيادة مبيعات السلاح المتطور وتطوير التعاون الأمنى وتوفير مظلة حماية ضد التهديدات الإيرانية المحتملة سواء من الأسلحة التقليدية أوالنووية وتوقيع معاهدات دفاعية مشتركة على غرار تلك الموقعة بين الولايات المتحدة وكلا من اليابان وكوريا الجنوبية. إلا أن واشنطن إكتفت بتقديم وعود بالإسراع بتوقيع صفقات سلاح وتعميق التعاون الأمنى المشترك. والواقع أن توريد السلاح الأمريكى المتطور لدول الخليج يصطدم بمعارضة إسرائيل التى تسعى للحفاظ على تفوقها العسكرى النوعى على الدول العربية مجتمعة، وهو الإلتزام الذى تحرص الإدارات الأمريكية المتعاقبة على التمسك به. كما أن إدارة أوباما تحرص على عدم التورط عسكريا فى الشرق الأوسط. ولذلك لم تفلح التطمينات والوعود الأمريكية فى إزالة مخاوف دول الخليج أو تبديد قناعتهم بأن الولايات المتحدة ترغب فى الإنسحاب من المنطقة. ولا عجب والحال هكذا أن تسعى دولا مثل السعودية والإمارات إلى روسيا للحصول على السلاح المتطور. ويتواتر الحديث فى هذا الصدد عن رغبة الرياض، التى أصبحت أولى دول العالم المستوردة للسلاح منذ 2014، فى شراء نظام الصواريخ الروسية المتطور “إسكندر-اى”. وقد لا يكون مستبعدا كذلك أن توجه دول الخليج لشراء السلاح الروسى يهدف إلى التقليل من إندفاع موسكو لبيع السلاح لإيران عقب رفع العقوبات المفروضة عليها. فبمجرد التوقيع على الإتفاق النووى بين القوى الكبرى وإيران، أعلنت موسكو إحياء صفقة توريد صورايخ الدفاع الجوى المتقدمة أس-300 لطهران، بعد أن إضطرت لتجميدها عام 2010 تحت ضغط الدول الغربية بسبب البرنامج النووى الإيرانى. ومن المرجح أن تسعى روسيا للحفاظ ما أمكن على التوازن فى علاقتها الدفاعية مع كلا من السعودية وإيران، مع محاولة الإستفادة من سباق التسلح فى المنطقة لزيادة مبيعاتها من السلاح على حساب الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى.
ويرتبط بسباق التسلح نتيجة أخرى متوقعة وهى إشتداد النزاعات المذهبية و التنافس السنى/الشيعى الذى تغذيه الصراعات السياسية المسلحة فى المنطقة، كما هو الحال فى سوريا وليبيا واليمن، وبدرجة أقل فى العراق. وتتواجد المملكة السعودية على الخط الأول لهذه المواجهة لعدة أسباب أهمها الدور الذى تضطلع به من الناحية الدينية فى العالم الإسلامى بحكم وجود الحرمين الشريفين على أراضيها، والتنافس التقليدى بينها وبين إيران، وتقلها السياسى فى العالم العربى والشرق الأوسط، الذى زاد منه عدم تعرضها لإضطرابات سياسية وأمنية كغيرها من دول المنطقة منذ 2011، مما رجح كفتها لممارسة دور إقليمى متزايد. وهكذا تخلت الرياض فى السنوات القليلة الماضية عن سياستها الخارجية التقليدية القائمة على التحرك بحذر لكى تمارس أدوارا أكثر علانية وبإستخدام أدوات أكثر قوة، كما هو الحال فى مساعدة المعارضة المسلحة لنظام الرئيس بشار الأسد فى سوريا أو بناء تحالف إقليمى عسكري لدحر قوات الحوثيين فى اليمن. ويهدف التحرك السعودى لصد تمدد نفوذ إيران فى الدول المجاورة للسعودية، كما هو الحال فى سوريا واليمن، أو قبل ذلك فى البحرين التى واجهت إضطرابات شيعية عام 2011.
وبرغم ما ترسمه العوامل السابقة من صورة قاتمة للمنطقة كنتيجة للإتفاق النووى الإيرانى، إلا أن الواقع هو أن هذا الإتفاق ليس سوى أحد المدخلات -بجانب أخرى- المسئولة عن الوضع الحالى والمتوقع خلال السنوات القادمة. فالنزاعات المسلحة وحالة الإضطراب وعدم الإستقرار السياسى والأمنى التى يمر بها العالم العربى منذ أربع سنوات ونصف هى التى تشكل الأرضية الحاضنة للأثار السلبية لهذا الإتفاق وتزيد منها. لكن ما سبق لا ينفى فى مرحلة لاحقة، خاصة إذا تبين أن إيران لا تسعى لإمتلاك القنبلة النووية، أن تتجه دول المنطقة للتهدئة والتوصل لتفاهمات تبعث حالة من الإنفراج الإقليمى. ويرتبط تحقيق ذلك بإلإتجاه التدريجى للدول التى تعانى حاليا من الإضطراب السياسى والأمنى الى حالة من الإستقرار النسبى التى تقلل من فرص تدخل إيران فى شئونها الداخلية.
د.هشام مراد
صحيفة الأهرام المصرية