العملات الافتراضية تصطدم بفتاوى رجال الدين الكابحة لأحلام الفقراء

العملات الافتراضية تصطدم بفتاوى رجال الدين الكابحة لأحلام الفقراء

يمثل المسلمون ربع سكان العالم، ويطمح الملايين منهم إلى الاستثمار في العملات الرقمية، إلا أن عدم إجماع الفقهاء والتيارات الدينية على وجهة نظر شرعية واحدة تضع المسلمين أمام مفترق طرق.

عادت العملة الافتراضية بيتكوين لتثير الجدل الاجتماعي والديني مجددا في أوساط المسلمين التواقين للثراء السريع، من دون مخالفة قيمهم الإسلامية وضوابط الشريعة التي تحرم الأموال الربوية والأرباح غير الشرعية.

وقطعت بيتكوين رحلة طويلة وحافلة بالمفاجآت منذ ظهورها عام 2009 من قبل شخص غامض أطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو، إلا أن آراء الفقهاء بشأن التعامل بالبيتكوين تبدو متناقضة إلى حد كبير وتثير الحيرة والارتباك للمستثمرين المسلمين، الذين لا يرغبون في مخالفة تعاليم دينهم عند استثمار أموالهم.

وتجد شريحة هامة منهم صعوبة في اتخاذ قرارات الاستثمار في العملات الرقمية، من دون الاستعانة بآراء الفقهاء ورجال الدين لتجنب الربا والأرباح المُحرمة في الدين الإسلامي.

على مدار السنوات الماضية مثلت بيتكوين محل تساؤل مستمر للمسلمين حول مدى امتثالها لمبادئ الشريعة وخلوها من السلوكيات المالية المحرمة، كالمقامرة وتجارة المخدرات والبشر والدعارة وغيرها.

السلوكيات المحرمة

فراز آدم: حظر الشريعة الإسلامية لنظام بيتكوين غير مفهوم

لكن أمام تصدرها خلال الأسابيع القليلة الماضية عناوين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد الارتفاع الصاروخي لقيمتها السوقية وتسجيلها مستويات غير مسبوقة، أصبح الاستثمار فيها من الفرص القيمة للمسلمين الذين يشكلون ما يقرب من ربع سكان العالم، ويطمحون لإيجاد طرق بديلة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا.

وهناك آمال بأن يصبح التعامل بالعملات الرقمية واقعا ملموسا في المستقبل القريب وأكثر انتشارا حتى في المجتمعات العربية والإسلامية، مما يضفي عليها الشرعية في المعاملات المالية، خاصة بعد أن بلغت قيمتها خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل سنة.

وتجاوزت بيتكوين في الثامن عشر من فبراير خمسين ألف دولار بسبب الإقبال المتزايد للمشترين المتطلعين إلى جَني أرباح سريعة، على الرغم من مخاوف العديد من منظمي السوق.

مع ذلك، هناك عدة فتاوى متناقضة لمؤسسات وتيارات دينية لم تتفق بشأن مدى شرعية بيتكوين، والضوابط الدينية التي يجب أن تحكمها.

النظام عادل وشفاف
ففي حين أجاز المجلس الاستشاري للشريعة الإسلامية، في ماليزيا، الاستثمار وتداول العملات المشفرة في بورصات التشفير المسجلة، فإن دار الإفتاء المصرية أصدرت فتوى سابقة بتحريمها، معتبرة أن “تداول هذه العملات والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها حرامٌ شرعا؛ نظرا لآثارها السلبية على الاقتصاد، وإخلالها باتزان السوق ومفهوم العمل، وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة، ولما فيها من الافتيات على وُلاة الأمور، وسلب بعض اختصاصاتهم في هذا المجال، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، وذلك يدخلُ في عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ’مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا’، فضلا عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عالية على الأفراد والدول، والقاعدة الشرعية تقرر أنه ‘لا ضرر ولا ضرار’”.

وكان رئيس لجنة الأوراق المالية داتوك سيد زيد البار في ماليزيا أعلن في يوليو الماضي خلال مؤتمر إنفست على الإنترنت أن “المجلس الاستشاري للشريعة الإسلامية أجاز الاستثمار والتداول في العملات والتوكنات الرقمية في بورصات الأصول الرقمية المسجلة”.

وأضاف “إن هذا القرار مذهل من المجلس، ويمكن أن يشجع المزيد من التطوير والاستثمارات في الأصول الرقمية.. وما إن ننتهي من الصيغة النهائية لقرارنا سنعلن المزيد من التفاصيل”.

ويشكل المسلمون في ماليزيا أكثر من 61 في المئة من إجمالي عدد السكان، لكن نسبة كبيرة لا يشعرون بالارتياح لتداول العملات المشفرة، خوفا من أنها قد لا تكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

أما في إندونيسيا، فنشر مستشار الشريعة في العاصمة جاكرتا، المفتي محمد أبوبكر، تقريرا في 2019 يدافع فيه عن جواز هذه العملة المشفرة.

وجادل أبوبكر، المستشار الشرعي السابق لشركة “بلوسوم فاينانس”، بأن جميع العملات تحمل درجات عالية من المخاطر بسبب طبيعة العرض والطلب، ونظرا لأن العملات الورقية والذهب ومعظم الأدوات المالية الأخرى المسموح بها بموجب الشريعة، فيجب أن تكون عملة البيتكوين كذلك.

ويرى أبوبكر أن استخدام شيء مشروع لغرض غير قانوني لا يجعل الشيء نفسه غير مشروع، مشيرا إلى أن المذاهب الأربعة السنية تسمح بالإجماع بالبيع الشرعي للعنب، وفي حين تعتبر المالكية والحنابلة بيع العنب لتاجر النبيذ باطلا، فإن الحنفية والشافعية لا تشجع فقط مثل هذه المبيعات.

فيما عبر مستشار التمويل الإسلامي والتكنولوجيا المالية المقيم في بريطانيا، المفتي فراز آدم، عن حماسه لإمكانية دمج عملة بيتكوين في إنشاء نظام “يعمل لصالح الناس”.
وقال آدم الحاصل على درجة الماجستير في التمويل الإسلامي والخدمات المصرفية والإدارة من جامعة نيومان بالمملكة المتحدة “النظام عادل وشفاف وليس محتكرا، إذن، لا أفهم لماذا تحظر الشريعة هذا النظام”.

وحتى الآن، لا توجد إرشادات دينية وفقهية رسمية واضحة بشأن ما إذا كان الاستثمار في البيتكوين حلال أم حرام، لكن ذلك لم يثن مسجد في شرق لندن عن قبول الزكاة وصدقات شهر رمضان من العملات الرقمية المشفرة.

وقال إمام في مسجد رمضان إنه من بين بضعة هيئات في العالم تقبل تبرعات خيرية بعملتي البيتكوين والإيثريوم الرقميتين على الرغم من الغموض بين رجال الدين بشأن تداول هذه العملات.

وأطلق المسجد مناشدته خلال شهر رمضان في عام 2018 لتوسيع قاعدة المانحين من أجل زيادة الأموال المتوفرة له كي يتمكن من تقديم الخدمات المجتمعية للمسلمين.

الوضع غير مريح
يبدو وضع العملات الرقمية غير مريح للكثير من المسلمين لأنها من إنتاج الهندسة المالية والمضاربة، وبسبب ذلك حرمت أيضا عدة دول عربية وإسلامية تداول العملات الرقمية كالسعودية ومصر وفلسطين وغيرها.

وأرجعت دار الإفتاء الفلسطينية سبب تحريم العملات الافتراضية إلى ارتباطها “بالمقامرة”، واحتوائها على الغرر الفاحش، بحسب ما جاء في بيانها.

وقالت دار الإفتاء إن العملة الافتراضية بيتكوين وغيرها من العملات لا يجوز بيعها أو شراؤها لأنها عملة مازالت مجهولة المصدر، ولا ضامن لها وشديدة التقلب وتتيح مجالا للنصب والاحتيال.

ولا تملك العملات الافتراضية رقما متسلسلا ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية كنظيرتها التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها، لكنها تتمتع بقاعدة شعبية من المعجبين وأشهرهم الملياردير إيلون ماسك، مدير شركة “تيسلا” المصنعة للسيارات الكهربائية.

العرب